قضية عودة الأجانب المنضمين لتنظيم داعش الإرهابي إلى بلادهم.. أزمة مستمرة ومستقبل غامض

  • | الأربعاء, 5 مايو, 2021
قضية عودة الأجانب المنضمين لتنظيم داعش الإرهابي إلى بلادهم.. أزمة مستمرة ومستقبل غامض


     لا تزال قضية عودة المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي من القضايا التي تشغل العالم، على الرغم من مرور أكثر من عامين على إعلان هزيمة التنظيم والقضاء على آخر معاقله. وعلى الصعيد الدولي، شهدت تلك القضية خلال المدة الماضية انقسامًا كبيرًا حول الطريقة المثلى للتعامل مع الذين تركوا بلادهم في السابق، وانضموا إلى صفوف أخطر الجماعات الإرهابية؛ فضلًا عمَّا أثارته القضية من خلافات بين الجماعات الحقوقية والمهتمين بحقوق الإنسان، والحكومات الرافضة لاستقبال مواطنيها؛ لكونهم يمثلون خطورة على الأمن القومي، وأن قرار سفرهم كان نابعًا من رغبتهم، وأن المصير الذي يلاقونه الآن هو ما يستحقونه. 
أما سوريا التي تحتجز الآلاف من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي وعائلاتهم، والتي تضطرب فيها الأوضاع الأمنية؛ فتطالب الدول باستلام مواطنيها "الإرهابيين"، والتعامل مع التحديات التي يشكلونها على أمنهم؛ لأنهم أصبحوا يمثلون عبئًا لا ترغب سوريا وقواتها في تحمله، بل وتكاد لا تستطيع تحمله. 
يُذكر في هذا السياق، أن برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن كان قد أصدر في مارس 2020 تقريرًا بعنوان "التحديات التي يفرضها المقاتلون الأجانب"، تناول فيه مستويات استجابة الدول مع قضية العائدين من تنظيم داعش الإرهابي. وذكر التقرير أن مستويات الاستجابة تفاوتت بشكل كبير، فبينما توافق بعض الدول في الشرق الأوسط على استقبال مواطنيها وإيداعهم السجون ومحاكمتهم؛ بينما ترى دول أخرى مثل هولندا أنه "لا عودة للمقاتلين في صفوف التنظيم الإرهابي باستثناء الأطفال". أما المملكة المتحدة، فقد أكَّدت على موقفها منهم بإسقاط الجنسية ورفض العودة، بينما سمحت الولايات المتحدة بالعودة مع المحاكمات، وقرَّرت فرنسا محاكمتهم في الخارج، وعودة المقاتلين المرحلين من تركيا فقط؛ في حين سمحت أستراليا بالعودة مع الاحتجاز والمحاكمة، وقرَّرت روسيا إعادة النساء والأطفال فقط.
وعلى الرغم من اختلاف طرق معالجة مشكلة عودة المقاتلين الأجانب في البلدان الأوروبية، إلا أنه من الواضح أن القلق يسيطر على غالبيتهم إزاء عودة هؤلاء المقاتلين؛ خوفًا من تشكيل "خلايا إرهابية خاملة أو نشطة"، فضلًا عن قدرتهم على التأثير سلبًا على المجتمع، بسبب أفكارهم المتطرفة. ويزداد القلق حين نُدرك صعوبة جمع الأدلة التي تثبت تورط المقاتلين الأجانب في مذابح تنظيم داعش الإرهابي، وعملياته الوحشية.
ولعل ما أثار الحديث عن تلك القضية المتجددة القرار الأخير الصادر عن المحكمة العليا في بريطانيا، بشأن شميمة بيجوم، المعروفة إعلاميًّا "بعروس داعش"؛ حيث رفضت المحكمة بالإجماع طلبها بالعودة إلى بريطانيا، وتشعر "بيجوم" الآن بحالة من الغضب والانزعاج بعد القرار الرسمي الحاسم. يُذكر أن بيجوم كانت تبلغ من العمر 15 عامًا عندما سافرت من شرق لندن إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي في فبراير 2015. وقد أسقطت المملكة المتحدة عنها الجنسية البريطانية لأسباب تتعلق بالأمن القومي، بعد مدة وجيزة من العثور عليها وهي حامل في شهرها التاسع في سوريا بمخيم للاجئين في فبراير 2019. يُذكر أيضًا أن محكمة الاستئناف كانت قد قضت في يوليو من العام الماضي بالسماح لـ "بيجوم"، التي تبلغ الآن 21 عامًا، بالعودة إلى البلاد حتى تتمكن من تقديم استئناف "عادل وفعّال" ضد القرار؛ الأمر الذي اعترضت عليه وزارة الداخلية بشدة في نوفمبر من نفس العام، وتقدمت بعريضة إلى المحكمة العليا ذكرت فيها أن عودتها "ستفرض مخاطر كبيرة على الأمن القومي"، وستعرض الجمهور "لخطر متزايد من الإرهاب".
تعيش "بيجوم" حاليًا في مخيم روج شمال سوريا، وقد أنجبت ثلاثة أطفال من زوجها ياغو ريديك، وهو مقاتل داعشي من هولندا، ومحتجز حاليًا في معسكر اعتقال آخر. وقد أنجبا ثلاثة أطفال توفي اثنان منهم. وفيما يتعلق بالقرار، أعلن اللورد ريد أن خمسة قضاة في المحكمة العليا رفضوا بالإجماع طلب "بيجوم" بالعودة إلى المملكة المتحدة. كما انتقد اللوردات القانونيون الخمسة محكمة الاستئناف؛ لأنها أجرت "تقييمها الخاص بها لمتطلبات الأمن القومي"، وتجاهلت وزيرة الداخلية "على الرغم من عدم وجود أي دليل ذي صلة أمامها، أو أية نتائج ذات صلة بالوقائع من قبل المحكمة أدناه".
 من جانبها، رحبَّت وزيرة الداخلية بريتي باتيل بالحكم قائلة: إنه "يؤكد" سلطتها "في اتخاذ قرارات حيوية متعلقة بالأمن القومي".  كما أيد سلفها ساجد جاويد قرار المحكمة العليا، قائلًا: إن أية "قيود على الحقوق والحريات" قد تواجهها بيجوم - لهي نتيجة "مباشرة" لما ارتكبته من أعمال "متطرفة". وعلى الجانب الآخر، اعترضت منظمة ليبرتي لحقوق الإنسان على الحكم، وقالت: إنه يمثل "سابقة خطيرة للغاية". وقالت المحامية روزي بريجهاوس التابعة للمنظمة: "إن الحق في المثول لمحاكمة عادلة حق أصيل، لا يمكن للحكومات الديمقراطية أن تنتزعه، كما أن الجنسية البريطانية حق للمواطن". 
ومما سبق، يتضح مدى تخبط الكثير من الدول في معالجة تلك القضية المهمة، ولذا فإن الحاجة ملحة في التوصل إلى سياسة موحدة ومشتركة تجاه قضية العائدين، بدلًا من القرارات المتضاربة ما بين السماح بالعودة والمنع والتجريد من الجنسية؛ إذ لا يمكن أن تتخلى الدول عن مسؤولياتها تجاه هؤلاء الرجال والنساء، وترمي بتلك المسؤوليات على كاهل الدول الأخرى. وينبغي كذلك عدم إغفال الحكومات لعقد البرامج التأهيلية لهؤلاء العائدين، بما يسهل من إعادة اندماجهم في المجتمع.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية
 

طباعة