استهداف الصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي في أفغانستان

  • | الثلاثاء, 11 مايو, 2021
استهداف الصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي في أفغانستان

     أصبحت عمليات الاستهداف الممنهجة للصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي في أفغانستان خلال الآونة الأخيرة واقعا مريرا، حيث تصاعدت بشكل كبير عمليات استهدافهن؛ بسبب إظهارهن للحقائق، وكشفهن عن الأعمال الإرهابية التي تحدث بصورة شبه يومية على الأراضي الأفغانية، وما ينتج عن تلك الأعمال من إراقة لدماء المدنيين والأبرياء من الرجال والنساء، وتدمير للبنية التحتية لبلدهم.
وفي الغالب يقوم بتنفيذ هذه العمليات مسلحون مجهولون دون أن تتبناها جماعة بعينها، وكان من بين تلك العمليات استهداف (٣) موظفات بقسم الدبلجة التلفزيونية "انعكاس"، بولاية «ننجرهار» شرق البلاد في ٣ مارس ٢٠٢١، حيث لقين مصرعهن على أيدي مسلحين مجهولين في حادثتين منفصلتين بمدينة «جلال آباد» أثناء عودتهن من العمل، حسب ما أكد «عطاء الله خوجياني» المتحدث باسم الولاية.
ولهذا، يصنف البعض أفغانستان كمنطقة خطرة بالنسبة للعاملين في المجال الإعلامي عمومًا، حيث تستهدفهم الجماعات الإرهابية؛ بغرض إرهاب الآخرين، والحيلولة دون كشف الحقائق.
وفقدت أفغانستان منذ بداية العام الحالي ٢٠٢١ وحتى الآن بسبب العمليات الإرهابية الممنهجة عددًا من الصحفيات البارزات أمثال: (شهناز روفي)، (سعدية السادات) و(مرسال وحيدي).
وبحسب وكالة "أفق" للأنباء تشكل النساء نسبة حوالي 17% من العاملين في الحقل الإعلامي.
وخلال العام السابق ٢٠٢٠ سجل مركز حماية الصحفيات في أفغانستان عددًا من حالات الاعتداء المتنوعة؛ شملت القتل، والإصابات، والعنف الجسدي، والإهانات، والتهديدات لصحفيات وإعلاميات، بزيادة بلغت نسبتها أكثر من 50٪ مقارنة بعام ٢٠١٩. بدورها، قدرت جمعية الإعلام الحر في أفغانستان (نى) نسبة الاعتداء على الصحفيات والإعلاميات بـ 40%.
ولذلك فإنه من غير المستغرب أن تقرر بعض الصحفيات مغادرة البلاد، الأمر الذي أدى إلى تراجع أعداد العاملات في مجال الإعلام إلى 1500 بدلًا من 2500 صحفية وفق تصريحات (مجيب خلوتجر) رئيس الجمعية، حيث يقول: "أضحى الوضع خطرًا إثر استهداف الصحفيات، وانتشر الذعر بينهن، خصوصا وأن التهديدات طالت أسر وعوائل هؤلاء الصحفيات بشكل انعكس على زيادة أعداد المهاجرات منهن".
وتشير منظمة (هيومن رايتس ووتش) إلى أن الجماعات المتطرفة في أفغانستان تركز على استهداف الصحفيات والإعلاميات بشكل خاص بدعوى خروجهن على التقاليد الإسلامية. حيث تؤكد تلك الجماعات أن لديها الكثير من المعلومات عن العاملين بالحقل الإعلامي، وأنهم لا يتورعون عن استخدام كافة أشكال الترهيب والوعيد ضد الإعلاميين الأفغان حتى داخل العاصمة "كابول"، بل إن بعض عناصر هذه الجماعات يؤكدون أن لديهم المقدرة على استهداف الصحفيين دون الرجوع في ذلك إلى كبار قادتهم. وفي المقابل تنفى حركة طالبان الإرهابية التعرض للصحفيات الملتزمات بالقيم الإسلامية.
وقد بلغت شدة معاناة الصحفيات الأفغان مبلغا صعبا جعل العديد منهن يتخلين عن عملهن في المجال الصحفي؛ بسبب التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي يتعرضن لها، فضلا عن انعدام الأمن؛ رغبة منهن في الحفاظ على حياتهن من أن تغتالها أيادي سوداء افتقرت لأدني درجات الرحمة والإنسانية.

ونعرض هنا -على سبيل المثال- بعض النماذج التي تلقي الضوء على هذه المعاناة:
«فتانة متوكل»: مراسلة صحفية بولاية «بغلان»، استقالت بسبب عمليات القتل الممنهج، والتحديات التي تواجه الصحفيات، وافتقارهن إلى التأمين الصحي. وقد طالبت بضرورة وقف سلسة عمليات القتل الممنهج ضد الصحفيين والإعلاميين. وترى أن وراء هذه الجرائم شبكات تسعى إلى تدمير القيم التي ترسخت في تلك البلاد على مدى العقدين الماضيين، بما في ذلك حرية التعبير، والنهوض بالصحفيات".
«نادية رسا» و«أمينة وردك»: مراسلتان صحفيتان بولاية «بغلان» صرحتا بأن الصحفيات لا يزلن يواجهن العديد من المشاكل، بما في ذلك التمييز بين الجنسين، وانعدام الأمن الوظيفي، والخوف من زيادة نشاط الجماعات المتطرفة.
«جلالي كريمي»: صحفية بولاية «زابل» جنوب البلاد، توقفت عن العمل مؤقتًا؛ حيث لم تعُد قادرة على القيام بعملها الإعلامي بسبب كثرة التهديدات الأمنية التي تعرضت لها.
«رویدا عثمانی»: وهي مراسلة صحفية في إحدى وسائل الإعلام المحلية في ولاية «سمنجان»، تقول: "إن مقتل العديد من الصحفيين مؤخرًا من قبل المعارضة وأفراد مجهولين، وإفلات الجناة من العقاب، قد أثّر بالسلب على معنويات الصحفيين الآخرين الذين يشاركون في الأنشطة الإعلامية، ما أدى إلى عدم إمكانية استمرارهم في أنشطتهم الصحفية بشكل صحيح ومستقر".
«رانجينا أنواري»: صحفية بولاية «قندهار» جنوب البلاد، كانت قد تخلت عن عملها الإعلامي، مفضلة سلامتها على العمل كصحفية.
«حميرا مرادي»: صحفية بولاية «بلخ» شمال البلاد، تحدثت عن التحديات والمشاكل الأمنية التي تواجه الصحفيات عند إعدادهن للتقارير الاستقصائية والبحثية.
ويظهر من تلك التصريحات أن معظم الصحفيات تركن عملهن بسبب التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي يتعرضن لها، ويتعرض لها أيضا جميع أفراد أسرهن، فضلا عن مخاوفهن من انعدام الأمن.
ولا شك أن هدف الجماعات المتطرفة والإرهابية من استهداف الصحفيات وإيذائهن ومنعهن من العمل هو إسكاتهن عن إظهار وكشف الواقع المرير والقاسي الذي يعيش فيه الشعب الأفغاني بشكل عام، وتعاني منه المرأة الأفغانية بشكل خاص، وكذلك منعهن من تسليط الضوء على أعمال الاختطاف، والسطو المسلح التي يتعرض لها المواطنون على أيدي الجماعات المسلحة، وحظر تداول المعلومات، أو تقديم صورة واقعية لما يحدث على الأرض داخل أفغانستان.. كما تهدف هذه الجماعات أيضًا إلى الحصول على دعاية مجانية لأنشطتها الإرهابية، والضغط على الحكومة من خلال التأثير على الإعلاميين وتهديدهم.
ويؤكَّد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن ظاهرة استهداف الصحفيات هذه إرهابٌ بغيضٌ، يتنافى وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، ويتصادم مع المبادئ الإنسانية والقوانين الدولية، مطالبًا كافة الأطراف المحليَّة والإقليمية والدولية بالتعاون من أجل مواجهة الإرهاب المتفشي في أفغانستان، واستئصال جذور الفكر المتطرف من البلاد، كما يطالب المرصد بضرورة تقديم الحماية اللازمة للصحفيات والإعلاميات، ومنحهن الحرية الكاملة في التعبير عن آرائهن، ونقل الواقع المرير الذي يعاني منه أبناء الشعب الأفغاني جرَّاء عمليات العنف والإرهاب التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية، والسماح للمرأة الأفغانية باستخدام الوسائل الصحفية والإعلامية في عرض معاناتها، وإبراز القضايا التي تهم المرأة باعتبارها نواة أساسية في بناء المجتمع.

وحدة الرصد باللغة الفارسية

طباعة