اليمين المتطرف وأزمة كورونا

  • | الأربعاء, 12 مايو, 2021
اليمين المتطرف وأزمة كورونا

تعمل جماعات اليمين المتطرف ليلَ نهار على استغلال الأزمات، في نشر أفكارها العنصريّة واستقطاب عدد كبير من الشباب، وكذلك الترويج لأيديولوجيتها المتطرفة، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات ضد اللّاجئين والأجانب، مستغلة بعض الأزمات كسلاحٍ ضد الأجانب بشكلٍ عام والمُسلمين بشكل خاص. 
وأشارت إحصائيات جديدة بتاريخ 18 فبراير 2021 لمكتب مكافحة الجريمة في ألمانيا إلى تزايد أعداد اليمينيين المتطرفين المُصنَّفين خطرًا، والذين بإمكانهم ارتكاب أعمال عنف أو هجمات إرهابية لأسباب سياسية، حيث تم إحصاء 71 يمينيًا متطرفًا على أنه شديد الخطورة، وذلك مقارنة بحوالي 60 شخصًا قبل نحو عام من الآن، وحوالي 43 شخصًا مُتطرفًا قبل نحو عامين. 
كما سجَّل مكتب "مكافحة الجرائم" ما يقرب من 170 مُتطرفًا يمينيًا آخرين على أنهم "ذوي صلة بالأشخاص الخطرين"، والذين يُعوَّل عليهم في الترويج للجرائم ذات الدوافع السياسية أو دعمها أو المشاركة فيها، حسب تصريحات السيد "شتيفان توماي"، عضو البرلمان الألماني عن الحزب "الديمقراطي الحر (FDP)" مبينًا أن عدد الأشخاص ذوي الصلة بالأشخاص الخطرين ممن ينتمون لليمين المتطرف قد ازداد بنحو الثلث خلال السنوات الثلاث الماضية.
كما وصف النائب العام الاتحادي في حوارٍ له مع جريدة "فرانكفورت ألجماينه تسايتونج"، ونشره موقع دير شبيجل (24/3/2021) اليمين المتطرف بأنه التيار الأشد خطورة على ألمانيا في الوقت الحالي، وأنه يمثل تهديدًا كبيرًا للديموقراطية والنظام الدستوري في ألمانيا، مستشهدًا بجرائمه خلال الفترة الأخيرة، والتي كان أبرزها اغتيال السياسي الألماني فالتر لوبكه، بالإضافة إلى الأحداث الإرهابية في مدينتي "هالة" و "هاناو" الألمانيتين.
استغلال اليمين المتطرف لفيروس كورونا
لا شك أن اليمين المتطرف كان سببًا رئيسًا في زيادة مُعدلات ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، وخلال أزمة كورونا سارعت بعض التنظيمات اليمينية المتطرفة لاستغلال انتشار الفيروس، واتخاذه سلاحًا جديدًا لتهديد الحياة اليومية للأجانب، وذلك من خلال نشر المعلومات الكاذبة، بما يسهم في زيادة نسبة الكراهية ضد المُسلمين والأجانب في الغرب. 
فعلى الرغم من انشغال العالم بمكافحة جائحة كورونا، دأبت جماعات يمينية متطرفة بالتحريض على المسلمين، ومن ذلك على سبيل المثال منشورات قامت بتوزيعها أحد الجماعات اليمينية المُتطرفة في شوارع مدينة بيليفيلد بألمانيا، مكتوبٌ فيها "اللاجئون والمُهاجرون والمسلمون وأصحاب البشرة السمراء مكانهم الأفران الحارقة".
 كما تداول عدد من اليمينيين المتطرفين مقاطع فيديو قديمة عبر موقع تويتر، لمُسلمين يصلُّون في الشارع، مدعين تجاهل المسلمين للإجراءات الاحترازية التي أقرتها الحكومة للحدِّ من انتشار الفيروس، بغرض التضليل والتلميح بأنّ المسلمين ينتهكون الحظر، ويؤدون عبادتهم في الشوارع وينشرون بذلك فيروس كورونا القاتل بين الناس. كما عانت أيضًا فتيات مسلمات يعشن في ألمانيا من خطابات الكراهية، بعد الدعوة إلى رشِّ المحجبات منهن بالمطهرات باعتبارهن السبب الحقيقي للفيروس، وذلك حسبما نشر موقع برلين (berlin.de).
وفي هذا السياق ترى السيدة "كريستينا أريزا"، المحللة والباحثة في وحدة السياسات المتطرفة بمعهد توني بلير للتغيير العالمي، أن جماعات اليمين المتطرف أصبحت متواجدة على الساحة بشكل ملموس بعد أسابيع قليلة من وقوع الجائحة، التي استغلت انتشار الفيروس في ترويج نظرية المؤامرة، ونشر بعض من هذه الأفكار عبر الإنترنت، والتي تضع المسلمين في مُقدمة المُتهمين. وإضافةً إلى نظريات المؤامرة، فإن المخاوف الاقتصادية من الحظر قدَّمت لليمين المتطرف فرصةً سانحة استطاع من خلالها الترويج للمشاعر المعادية؛ لدرجة أن بعض الجماعات اليمينية خطَّطت للقيام بهجوم إرهابي على أحد المشافي لجذب انتباه الإعلام إليها.
إجراءات لمكافحة اليمين المتطرف
من جانبها دَعَت وزيرة العدل الألمانية السيدة "كريستين لامبريشت" إلى ضرورة مكافحة التطرف اليميني ودعاوى الكراهية، جاء هذا على هامش إحياء ذكرى الهجوم الإرهابي في مدينة "هاناو"،- الذى وقع العام الماضى وراح ضحيته 9 أشخاص على يد يمينى متطرف- حيث قالت: "لا شيء يهدد مُجتمعنا المنفتح والمتنوع مثل التطرف والإرهاب اليميني، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لوضع حدٍّ للعنف العنصري، الذي كان السبب الرئيس في حادث "هاناو". وأضافت: "لقد امتلأ الإنترنت بالأفكار المُتطرفة والعنيفة"، مُؤكدةً أن "الكراهية المنتشرة على الإنترنت قد أوجدت أرضًا خصبة للمتطرفين لارتكاب أعمال عنف، وعلينا أن نقف سويًّا ضد الكراهية والعنف بكل الأدوات القانونية الممكنة، ونعمل على تعزيز قدرات السلطات الأمنية لمواجهتها. 
كما دعت الوزيرة إلى سرعة تنفيذ القرارات التي اتخذتها اللجنة الوزارية لمكافحة التطرف اليميني والعنصرية بداية ديسمبر2020، والتي أقرَّت الحكومة الألمانية على إثرها حزمة شاملة من الاجراءات لمواجهة التطرف اليميني. 
وأوضحت لامبريشت: "يجب تنفيذ الإجراءات التي اتخذناها لمكافحة العنف العنصري وتعزيز تماسكنا الاجتماعي قبل إجراء الانتخابات العامة للبرلمان الألماني".
هذا وقد سجَّلت السلطات الأمنية بولاية شمال الراين- فيستفاليا وحدها 3383 جريمة يمينية ذات دوافع سياسية خلال 2020 بنسبة بلغت حوالي عشر جرائم في اليوم الواحد. يُذكر أن حوالي ثلثي جرائم اليمين المُتطرف في ولاية شمال الراين- فيستفاليا تُصنف بكونها جرائم عنصرية معادية للإسلام واللاجئين. من جانبها صرّحت السيدة "فيرينا شيفر"، زعيمة تكتل حزب الخضر بالولاية، بأنَّ هذه الأرقام تُظهر تهديد التطرف اليميني الدائم للمجتمع الألماني الديمقراطي المُتنوع، جاء ذلك أثناء حديثها في الذكرى السنوية للهجوم الإرهابي العُنصري في "هاناو"، وشددت "شيفر" على أن تلك الإحصائيات تظهر بوضوح "أن المُتطرفين اليمينيين يهاجمون بشكل رئيس الأشخاص الذين لا يتناسبون مع أيديولوجيتهم العنصرية غير الإنسانية"، وبحسب السلطات، فإن 129 من أصل 142 جريمة عُنف يمينية سُجلت في عام 2020 خلَّفت إصابات جسدية. 
وقد جاء في تقرير آخر لهيئة الأمن القومي "جهاز حماية الدستور" أن هناك أيضًا ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المتطرفين اليمينيين المسلحين، حيث تم تسجيل حوالي 1200 متطرفًا يمينيًا أو مشتبهًا به في ألمانيا، يحمل رخصة سلاح وذلك حتى نهاية عام 2020، مقارنةً بحوالي 792 عام 2018، ويرجع تزايد الأعداد المكتشفة إلى الفحص المُكثَّف من قبل السلطات الأمنية لمالكي الأسلحة؛ بسبب التشريع الجديد الخاص بامتلاك الأسلحة، حسبما صرَّحت "أنكى كلاين" المُتحدثة باسم مكتب "حماية الدستور" في ولاية ساكسونيا السفلى. 
من جانبه يعمل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على تسليط الضوء على تلك الظاهرة الخطيرة في إصداراته المتنوعة، ما بين التقارير والمقالات والدراسات، وكذلك الإحصائيات بالإضافة إلى تقارير مصورة بـ 12 لغة، محاولةً منه لوضع الرّأي العامّ العالميّ أمام مسئوليته تجاه تلك الظاهرة؛ إذ أن التيار اليميني وما يفعله من ممارسات يمثل الخطر الأكبر على المسلمين في ألمانيا خاصة، وفي أوروبا بشكل عام. 
 ويحذر المرصد من خطورة تلك الجماعات التي تعمل ليل نهار، مُستخدمة جميع السُبل الممكنة وغير الأخلاقية، على استغلال مُختلف الأزمات لخدمة أيدولوجياتها المُنحرفة، مُشيرًا إلى أنهم بذلك يخطون خُطى التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش» الإرهابيّ، كما يؤكد المرصد أن أنشطة جماعات اليمين المتطرّف العدائية ضد المسلمين ومقدساتهم الدينيّة، أعمالٌ إرهابيّة ودعوة صريحة للكراهية والعنف، تستوجب الملاحقة القانونيّة، وتستدعي تضافر الجهود للقضاء على تلك الآفة، التي تمثِّل خطرًا كبيرًا على استقرار وأمن المجتمعات.

وحدة الرصد باللغة الألمانية
 

طباعة