اليمين المتطرف.. التهديد الأكبر لدولة ألمانيا

  • | الإثنين, 21 يونيو, 2021
اليمين المتطرف.. التهديد الأكبر لدولة ألمانيا

     تعتبر قضية التطرف اليميني إحدى القضايا المؤرقة للمجتمع الأوروبي بشكل عام ولدولة ألمانيا بشكل خاص، فقد أكد تقرير هيئة الأمن الوطني "حماية الدستور" لعام 2020 والصادر في 15/6/2021 في أكثر من موضع على خطورة اليمين المتطرف؛ حيث بيَّن التقرير زيادة أعداد المنتمين لهذا التيار بشكل ملحوظ. ومن الملفت للنظر أيضًا في هذا التقرير زيادة أعضاء اليمين المتطرف المستعدين لارتكاب أعمال عنف بنسبة 40% عن الأعوام السابقة، وقد أوضح وزير الداخلية الألماني أثناء عرض التقرير أن التطرف اليميني هو أحد "المشكلات الكبرى" التي تهدد البلاد، مبينًا استغلاله لأزمة فيروس كورونا للقيام بمزيد من الفاعليات المتطرفة. وهذا ما بيَّنه مرصد الأزهر في تقرير سابق بعنوان: "اليمين المتطرف وأزمة كورونا."
وفي الحقيقة فإن الحكومة الألمانية تداركت خطر اليمين المتطرف منذ فترة طويلة، كما أن هناك الكثير من التصريحات لمسئولين ألمان يحذرون من خطورة هذا التيار المتطرف، ومن زيادة معدلات التطرف اليميني داخل البلاد، وطالبوا بالتصدي له بفاعلية. فقد أكدت المستشارة 'أنجيلا ميركل" في بيان لها بعد حادث مدينة "هاناو" الإرهابي، والذي نفّذه أحد أعضاء اليمين المتطرف، وتسبب في مقتل تسعة أشخاص من المسلمين، "أن العنصرية والكراهية كالسم، وهذا السم موجود في المجتمع وهو المسؤول عن العديد من الجرائم". 
كما صرح المدعي الاتحادي العام الألماني السيد "بيتر فرانك" في لقاء له في شهر مارس 2021 مع جريدة " فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج" بأن التطرف اليميني يمثل حاليًا "التهديد الأكبر" الذي تواجهه الحياة الديمقراطية والنظام الدستوري في دولة ألمانيا، مستشهدًا بما وقع خلال السنوات الأخيرة من اغتيالات طالت سياسيين أشهرهم السيد "فالتر لوبكه" عمدة مدينة كاسل، والذي تم اغتياله على يد أحد أفراد اليمين المتطرف، وكذلك الهجمات الإرهابية التي وقعت بمدينتي "هاله" و"هاناو" خلال العامين الماضيين، والذي راح بسببهما عدد من الضحايا أكثرهم من المسلمين. وأضاف المدعي العام الألماني أن التطرف اليميني يعتمد على أيديولوجية متطرفة، إذ أن معظم الجناة لا ينفذون جرائمهم في عزلة عن الآخرين، وأنه لا يوجد في المشهد اليميني ما يعرف "بالذئب المنفرد" لأن الجناة اليمينيين يحتاجون إلى بيئة يتبادلون فيها أفكار الكراهية. ويقصد بذلك أنهم جماعات متطرفة يستندون إلى أيدولوجية معينة تقودهم إلى التطرف، وهو الأمر الذي أكده مرصد الأزهر في العديد من التقارير والدراسات السابقة. 
كما دعت وزيرة العدل الألمانية "كريستين لامبريشت" يوم الخميس 18/2/2021 في تقرير نشره موقع "trendyone" الإخباري إلى ضرورة مكافحة التطرف اليميني والكراهية الناتجة عنه؛ حيث قالت: "لا شيء يهدد مجتمعنا المنفتح والمتنوع مثل التطرف والإرهاب اليميني، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لوضع حد للعنف العنصري، الذي كان السبب الرئيس في حادث "هاناو"، مضيفة أن الإنترنت يمتلأ بالأفكار المتطرفة والعنيفة، مؤكدة على أن الكراهية المنتشرة على الإنترنت قد أوجدت أرضًا خصبة للمتطرفين لارتكاب أعمال عنف، وعلينا أن نقف سويًّا ضد الكراهية والعنف بكل الأدوات القانونية الممكنة، ونعمل على تعزيز قدرات السلطات الأمنية لمواجهتها".
وتبيِّن التصريحات السابقة وغيرها أن الحكومة الألمانية على وعي تام بخطورة هذا التيار، وأمام هذا الخطر المتصاعد اتخذت الحكومة الألمانية العديد من الإجراءات؛ حيث اعتمدت اللجنة الوزارية للحكومة الاتحادية الألمانية لمكافحة التطرف اليميني والعنصرية التي تم تشكيلها بعد حادث القتل الإرهابي الذي وقع بمدينة "هاناو" في أواخر عام 2020 مجموعة من التدابير لمواجهة العنصرية واليمين المتطرف، والتي من شأنها توفير المزيد من الحماية، وتحسين حماية المتضررين من التمييز، وضمان زيادة الاعتراف بمجتمع تعددي، والحد من ظاهرة العنصرية والتطرف اليميني داخل المجتمع الألماني. وقد بلغ مجموع هذه الإجراءات التي تقدمت بها اللجنة 89 إجراءً. 
 ومن هذه الإجراءات:
●    تدشين برنامج وقائي لدعم "الديمقراطية على الانترنت".
●    إعداد تقرير من اللجنة المستقلة لمكافحة العداء ضد المسلمين، يحتوي على اقتراحات لمكافحة هذا العداء.
●    تدشين برامج سياسية تعليمية في المدارس خارج المقررات الدراسية تهدف إلى مكافحة العنصرية. 
●    إلزام شركات التواصل الاجتماعي على الإنترنت بالإبلاغ عن التهديدات التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي سواء كانت تهديدات بالقتل أو تعليقات تحريضية أو أية محتويات إجرامية أخرى، وسيتم إنشاء مكتب مركزي جديد في المكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية لهذا الغرض. وإذا لم يلتزم مقدمو الخدمة بتقديم معلومات كافية عن منشورات الكراهية والتهديدات والإهانات على مواقع التواصل الاجتماعي يتم تطبيق غرامة مالية عليهم.
●    إصدار قانون واضح تلتزم به الشركات لتسهيل توفير المعلومات إلى السلطات بشكل يمكِّنهم من تحديد المشتبه به والأدلة بشكل واضح.
●    تعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية للأشخاص الذين ينحدرون من أصول مهاجرة، وكذلك إزالة مصطلح العرق من القانون الأساسي، وتسهيل الإجراءات القانونية للحد من التمييز ضد الأجانب.
●    خلق برامج تعليمية في المجال السياسي تستهدف العاملين في مجال مكافحة التطرف.
ومن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الألمانية الإعلان عن توفير أكثر من مليار يورو بين عامي 2021، 2024 لمكافحة التطرف اليميني والعنصرية، ودعم المشاريع التثقيفية في هذا السياق، مثل مشروع "الحياة الديموقراطية" وغيرها من المشاريع التي تشرف عليها وزارة الأسرة وغيرها من الوزارات الألمانية.
ووفقًا لموقع الحكومة الاتحادية فقد دخل قانون مكافحة التطرف اليميني وجرائم الكراهية على الإنترنت -والذي تم تقديمه بمبادرة من الحكومة الألمانية -حيِّز التنفيذ في 3 أبريل 2021، والذي يستهدف مكافحة التطرف اليميني وجرائم الكراهية بشكل أكثر كثافة وفعالية، ويعمل القانون على تنفيذ حزمة الإجراءات التي كانت الحكومة الفيدرالية قد أقرَّتها بالفعل في 30 أكتوبر 2019 بعد الأحداث المروعة في مدينة "هاله" وكذلك التطور المقلق لجرائم الكراهية بشكل عام.
يُذكر أن البرلمان الألماني "بوندستاغ" ومجلس الولايات "بوندسرات"، قد وافقا على القانون بالفعل في الصيف الماضي، ولكن لم يوقعه الرئيس الألماني "فرانك-فالتر شتاينماير" إلا مؤخرًا؛ إذ إنه قد تعرَّض لبعض العقبات، منها أنه كان لا بُد من المصادقة في البداية على لائحة جديدة بشأن الوصول إلى بيانات مستخدمي الهواتف الجوّالة. وقد تأخرت هذه الإجراءات بعض الشيء لعدة أسباب، منها خلاف داخلي بين الأحزاب الألمانية على جدوى المشروع ومبالغ التمويل، حيث أفاد موقع دي تسايت" die Zeit" الإخباري الألماني أن خلافات في الحكومة الفيدرالية أدّت إلى تأخير تمويل المشاريع الحكومية المعدة لمكافحة اليمين المتطرف والعنصرية. كما نشر موقع "دي فيلت" الألماني أن أبرز نقاط الخلاف هي زيادة تمويل تلك المشاريع، فبينما يريد أعضاء الحزب الاشتراكي في الحكومة الألمانية استثمار مليار يورو في الحرب ضد التطرف اليميني لتمويل عشرات المشاريع حتى عام 2024، عارض الاتحاد المسيحي هذه الخطوة معللًا ذلك بأنه تم زيادة تمويل برنامج مكافحة التطرف: "الحياة الديمقراطية"، الموجود منذ عام 2014 بمقدار 550 مليونًا إضافيًّا حتى عام 2024. وعلى الرغم من وجود هذه العقبات، فإن الحكومة أقرَّت حزمة من الإجراءات التي وضعتها لمكافحة التطرف اليميني ومعاداة العنصرية، الأمر الذي يؤكد جدية الحكومة وعزمها في هذا الأمر. 
ولا شك أن حزمة الإجراءات الـ (89) التي اتخذتها الحكومة الألمانية لمكافحة التطرف اليميني والعنصرية تسهم بشكل كبير في التعريف بخطورة هذا التيار المتطرف؛ حيث جاء في مقدمة بنود هذه الإجراءات، التأكيد على أنها تهدف بشكل أساسي إلى خلق حالة من الوعي عند المواطنين الألمان بخطورة التطرف بشكل عام، والتطرف اليميني بشكل خاص، كما أن البرامج الموضوعة تهدف إلى خلق مزيد من الحوار المجتمعي حول خطر هذه الظاهرة، وتهدف إلى تفكيك خطر هذا التيار العنصري المعادي للمسلمين واللاجئين واليهود داخل المجتمع الألماني، وكذلك الحد من خطورته على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تهدف إلى الإسهام في خلق مجتمع متنوع تتساوى فيه الفرص للجميع بغض النظر عن كونهم من خلفية مهاجرة أم لا. لذا فإن مرصد الأزهر يثمن هذه الإجراءات ويرجو أن تسهم بشكل فعال في مكافحة هذا التيار المتطرف.


وحدة الرصد باللغة الألمانية 

طباعة