أسباب التطرف وتداعياته في دولة مالي

  • | الأربعاء, 23 يونيو, 2021
أسباب التطرف وتداعياته في دولة مالي


المتأمل في الوضع الحالي لدولة مالي، يجد أنها تشهد صراعًا مسلحًا منذ ما يقرب من (٨) سنوات، وخاصة في منطقتي الشمال والجنوب؛ حيث شهدت مالي تمرد مجموعات كثيرة ضد الحكومة، وأكد الأزهر رفضه لمثل هذه الأعمال الإجرامية التي لم تُراع حرمة الدماء وحق البشر في الحياة الآمنة، وقد طالب المجتمع الدولي في الوقت ذاته بضرورة التصدي بمنتهى القوة والحزم لتلك الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية التي تبيح قتل الأبرياء، وتؤجج نار الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية، ولا يزال مرصد الأزهر يجدد دعوته لأبناء القارة الإفريقية لتفعيل مبادرة "إسكات البنادق" التي كان قد أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والتي دعا فيها إلى احتواء النزاعات والصراعات داخل القارة، وحل المشكلات من خلال المفاوضات والطرق السلمية، والقضاء على الإرهاب وتخليص القارة من شروره، وغير ذلك العديد من القضايا التي تُكدِّر السلم والأمن العام في مالي، ومن بين تلك القضايا ما يلي:
•    قضايا المرأة 
المرأة في دولة مالي مثلها مثل بقية النساء في إفريقيا يختلفن عن غيرهن من نساء العالم من جهة العادات والتقاليد والموروث الشعبي، وقد رصد المرصد العديد من المشاكل التي تواجهها المرأة هناك، والتي من أبرزها عزلها عن حقوقها وخضوعها لهذا العزل والإقصاء. فمثلًا واجهت المرأة صعوبات كثيرة في الخوض في غمار السياسة والوصول الى أعلى المناصب؛ لأن الكثير من الرجال لا يريدون أن تخوض المرأة الإفريقية بشكل عام في مجال السياسة على الرغم من أنها في بعض الأحيان تبلغ درجة علمية عالية تؤهلها لمناصب قيادية. وفي الوقت نفسه إذا كانت النساء تعمل في مكاتب مثلًا فإنها تواجه صعوبة في التعامل مع الرجل حتى ولو كان لها حق في الحصول على هذه الوظيفة أو تلك.
وقد كان لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف دوره الملموس في إلقاء الضوء على دور المرأة في الإسلام ومكانتها من خلال تدشين حملات توعوية مثل: حملة (هن)، و(أنت ملكة)، و(رفقا بالقوارير) ...وغيرها، لتعزيز مكانتها في المجتمع.
•    قضايا الطفل 
لا يزال أغلب الأطفال في مالي يعانون من أوضاع صعبة على الرغم من ظهور العديد من السياسات التطوعية مؤخرًا. ووفقًا لدراسة أعدتها كل من منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف، ووزارة الاقتصاد والمالية في دولة مالي عام 2009، يعاني أكثر من (4,3) مليون طفل دون الخامسة عشرة، من حرمان قاسي، كما أن (50 %) من الأطفال يعانون من الفقر. وتتمثل قسوة الحرمان بصورة أساسية في المسكن وفي التعليم.
في الوقت ذاته، حذّر صندوق الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف من أن خطر المجاعة الذي يهدد الأطفال في مالي يزداد حدة. وتظهر بيانات جديدة من منطقتي "تمبكتو"، و"غاو" المتضررتين أن أكثر من 15% من الأطفال هناك يواجهون سوء التغذية بشكل حاد، بما يمثل مستوى حرجًا، طبقًا للخطوط الإرشادية لـ منظمة الصحة العالمية. وفي عام 2016 كان عدد الأطفال دون سن الخامسة ممن يعانون سوء التغذية الحاد بهاتين المنطقتين أقل بقليل من 15%، وتم اعتباره خطيرًا آنذاك. ومن المتوقع أن يواجه (165) ألف طفل سوء التغذية في جميع أنحاء البلاد، أي بزيادة قدرها (23) ألف طفل عن 2017.
ورغم كل هذا تأتي مشكلة أخرى هي أكثر خطورة من السابق ألا وهي تجنيد الأطفال؛ حيث جُنّد مئات الأطفال في مالي في صفوف الجماعات الإرهابية، من بينها "القاعدة في المغرب الإسلامي"، و"أنصار الدين"، و"الحركة من أجل التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، حسب ما أفادت به المنظمة غير الحكومية "واتشليست آند آرمد كوفليكت" في نيويورك. وقد أحصت هذه المنظمة في التقرير الذي عرضته على الصحافة في مقرها عدة حالات لتجنيد الأطفال في مالي وأعمال القتل والتنكيل والاغتصاب والعنف والهجوم على مؤسسات تربوية. وقالت "لايال ساروح" الباحثة في هذه المنظمة وصاحبة التقرير التي لاحظت هذه الظاهرة: "إن مالي حققت منذ (٦) سنوات هدف الألفية للتنمية الخاص بالتربية والآن تبخرت كل هذه الجهود. 
 وقد كان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف سباقًا في عمل حملات توعية لتوضيح سبل وطرق تمويل الجماعات الإرهابية بالعتاد والسلاح والتي كانت منها تجنيد الأطفال بعد خطفهم؛ أو الإفراج عنهم مقابل فدية، الأمر الذي يوفر لهم الدعم المالي، وقام المرصد برصد ومتابعة تلك الأعمال الإجرامية في حق الأطفال.
•    قضايا التعدد الطائفي والتعايش مع غير المسلمين
الإسلام هو الدين الذي يعتنقه 90% من سكان دولة مالي، وتنتشر هناك الطرق الصوفية خاصة التيجانية والقادرية، وتأتي المسيحية في المرتبة الثانية بنسبة 5% من تعداد السكان، كما أن ثلثي المسيحيين من الطائفة الكاثوليكية والثلث الآخر من البروتستانت، وشهود ويهوه، والرسالة الجديدة، والسبتية أو المجاتية وتصل نسبة الديانات المحلية ومنها الوثنية إلى 5%. 
إلا أن الجماعات الإرهابية من حين لآخر، تسعى إلى زرع الفتن والنزاعات الطائفية والعرقية في مالي؛ بهدف فتح جبهات جديدة للنزاع في هذا البلد الذي يعاني من ويلات الإرهاب؛ ما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية داخل مالي ويساعد تلك الجماعات على تثبيت أقدامها هناك وبسط نفوذها، بل والامتداد إلى الدول المجاورة، الأمر الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، ويتطلب التعاون الدولي لدحر الجماعات المتطرفة، ووقف أنشطتها الإرهابية في مالي.
وقد دعا مرصد الأزهر مرارا إلى على ضرورة التمسك بالروابط والعلاقات المبنية على التعايش السلمي بين كل طوائف الشعب في هذه الدولة، وعدم الانسياق وراء الأفكار الهدامة التي تبثها الجماعات الإرهابية المتطرفة من تكفير وإهدار دماء الغير من المخالفين في العقيدة والمنهج بدعوى الجهاد! والجهاد منهم براء؛ كما أن المرصد دشَّن حملات تصحيح للمفاهيم، منها حملة "مفهوم الجهاد" ... وغيرها.
•    قضايا التطرف والإرهاب  
تعدّ مالي من أكثر دول منطقة الصحراء الإفريقية تضررًا من تواجد التنظيمات الإرهابية المتشددة؛ حيث تنشط بها تنظيمات إرهابية عديدة استطاعت السيطرة على ثُلثي الجمهورية منذ بداية عام 2012. من أشهر التنظيمات المنتشرة في مالي:
1ـ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين
على عكس التفكك الذي أصاب "تنظيم داعش" الإرهابي بالعراق وسوريا، جمع القيادي الإرهابي الطارقي إياد غالي في مارس 2017، في وحدة اندماجية، كلّا من "جماعة أنصار الدين" و"جبهة تحرير ماسينا" و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"تنظيم المرابطين"، في تنظيم جديد باسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين". وقد أعلن إياد غالي أن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" تتشبث ببيعة زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري"، وأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي "أبو مصعب عبد الودود"، وأمير حركة طالبان "الملا هيبة الله".
2ـ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
يعدّ تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أحد الجماعات الإرهابية التي نشأت عام 2007، عقب انضمام الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية إليه، وقام التنظيم في ذلك الوقت ببناء قواعد خلفية له في مناطق الصحراء الكبرى منذ سنوات، ومن بينها شمال مالي، وينطلق منها لشن عملياته. ويعرف تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" اختصارا بـ«AQMI»، ويعد أول تنظيم إرهابي عالمي بشمال إفريقيا ودول الساحل.
3ـ جماعة التوحيد والجهاد
تعد جماعة "التوحيد والجهاد" واحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية وأكثرها رعبًا في مالي وإفريقيا، لكونها مسلحة وممولة بشكل جيد، فضلًا عن قيامها بتكثيف عملياتها الإرهابية منذ ظهورها؛ وتتخذ من الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة "تساليت" مركزًا لمعسكراتها القتالية، وتفرض سيطرتها بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة. وقديمًا كان لجماعة التوحيد علاقة بتنظيم القاعدة، إلا أنها انفصلت عنه، وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي؛ تحت دعوة نشر فكر الجهاد في غرب إفريقيا وفق تصورهم الخاطئ بدلًا من الاكتفاء فقط بمنطقة المغرب أو منطقة الساحل.
4. كتيبة الملثمين المرابطين بالساحل الإفريقي
تعتبر كتيبة الملثمين إحدى أبرز الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الصحراء الكبرى، لكنها انفصلت عنه بعد ذلك، ويقودها "المختار بالمختار" الملقب بـ "الأعور"، وهو أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة في الصحراء. وتنشط كتيبة الملثمين في محافظة "غاوه" بالشمال الشرقي لجمهورية مالي، ولا يُعرف العدد الحقيقي لأفرادها بالتحديد، ولكن تشير بعض التقارير إلى أنها أكثر المجموعات التابعة للقاعدة عددًا، وأكثرها تسليحًا.

5. جماعة أنصار الدين
انبثقت الجماعة، من حركة "تحرير أزواد التي تتألف من الطوارق المتمردين في مالي عام 2011، وهي واحدة من أقوى التنظيمات المسلحة التي سيطرت على شمال مالي، وتعرف نفسها بأنها حركة شعبية جهادية سلفية، قبل أن تندمج مع جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، حيث تأسّست على يد "إياد غالي" الذي أخذ من جبال "أجارجار" مقرًا لها، وبدأ في تجميع المقاتلين الطوارق تحت مسمى "حركة أنصار الدين"، وتعد الحركة من أكبر التنظيمات المسلحة، من حيث العدد، فهي تضم من 5000 إلى 10000 متطرف؛ وذلك لأن لجماعة أنصار الدين  جذورًا في تاريخ أهالي أزواد التحرري، منذ الاستعمار الفرنسي إلى استقلال مالي عام 1960.
6. جماعة "ماسينا"
هي جماعة مسلحة ظهرت مطلع العام 2015 ويقودها المتطرف "أمادو كوفا"، حيث شنت موجة جديدة من الهجمات في المناطق الوسطى والجنوبية من مالي، وذلك قبل أن تندمج مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في 2017. ويقود هذه الجبهة قبائل الفلان التي تشكل أغلبية مقاتليها، مع الحديث عن علاقات وطيدة بجماعة أنصار الدين التي تسعى لإقامة إمارة إسلامية في مالي. 
ومن الملاحظ أن تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية في مالي كغيرها من الجماعات والتنظيمات الإرهابية في أنحاء العالم تستخدم أسماءً ورموزًا تأخذ الطابع الإسلامي لإحياء وتحريك الحماس في نفوس الشباب؛ وتستحضر بها الوازع والحس الديني لدى العوام من المسلمين في محاولة منها لاستحضار الماضي، وخلق حالة من الإلهام كي تستقطب به المزيد من المقاتلين تحت ذلك الرمز، وتنفيذ التعليمات المطلوبة في إراقة الدماء وعمليات التخريب للمنشآت تحت دعوى الجهاد. ومن تلك المسميات ما سبق ذكره مثل: التوحيد والجهاد، أنصار الدين، المرابطين، نصرة افسلام والمسلمين، الخ.
وختامًا فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف منذ البدء حمل على عاتقه عملية تتبع الحركات الإرهابية والمتطرفة التي تريد المساس باستقرار وأمن الدول الإفريقية والتي من بينها دولة مالي، مع محاربة أفكار تلك الجماعات والحركات بالفكر حتى لا ينخدع العامة بكلامهم المبني على الفهم السطحي لبعض النصوص المبتورة عن سياقاتها، الأمر الذي يقوض من احتمالية انتشار الفكر المتطرف. 

وحدة الرصد باللغات الإفريقية


 

طباعة