هل تغير الخطاب الإعلامي الغربي بشأن الأزمة الفلسطينية الأخيرة؟

  • | الأربعاء, 23 يونيو, 2021
هل تغير الخطاب الإعلامي الغربي بشأن الأزمة الفلسطينية الأخيرة؟

     على مدار عقود، ومهما تغيرت الملابسات والظروف، تظل القضية الفلسطينية تستحوذ على الساحة الإعلامية العالمية كلما تطورت الأمور بين الطرفين (الفلسطيني والصهيوني) إلى حد حالة الحرب كما حدث في التصعيد الأخير الذي استمر على مدار 11 يومًا. 
فالصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، معركة أبدية بدأت عندما أعطى من لا يملك وعدًا وأرضًا لمن لا يستحق، ما أسفر عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت حكم الصهيوني الغاشم منذ عام 1948 وحتى اليوم. 
وقد شهد هذا العام فصلًا جديدًا من التنكيل والتهجير خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الماضي عندما حاولت قوات الاحتلال الصهيوني تهجير أهالي حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية من منازلهم، الأمر الذي تصدى له الفلسطينيون من خلال المظاهرات والمقاومة الشعبية ضد قوات الاحتلال. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تطور لتقوم المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة برشق تل أبيب بالصواريخ ردًا على التعامل العنيف من قبل قوات الاحتلال الصهيوني مع التظاهرات التي خرجت للتنديد بإجلاء أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم.
ومع كل جديد بشأن القضية الفلسطينية، تظهر آراء متباينة بعضها مؤيد والآخر معارض؛ وعليه يفرض علينا الواقع سؤالًا: ما هو موقف الخطاب الإعلامي الغربي من القضية الفلسطينية؟
ويبدو من متابعة وسائل الإعلام الغربية أنها انتهجت هذه المرة لغة خطاب إعلامي مختلفة عن كل مرة، فلأول مرة نراها تندد بأعمال حكومة الاحتلال الصهيوني، وقصفها لأحياء المدنيين، وقتل الأطفال والنساء. وربما شهدت فلسطين العديد من الحروب منذ النكبة، وكانت ردود الولايات المتحدة الأمريكية ثابتة لا تتغير، وتتلخص في الدعم التام والكامل لرواية الجانب الصهيوني. 
ولكن هذه المرة ظهر على الساحة خلال الاعتداءات الأخيرة بعض الاعتراض من قبل المنتمين للحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة؛ حيث نشرت صحيفة نيويورك بوست في 24 من مايو خبرًا مفاده توقّيَع أكثر من 500 موظف ديمقراطي وأعضاء سابقين في فريق الحملة الانتخابية للرئيس "بايدن" على رسالة مفتوحة تدعو الرئيس إلى "إدانة الاحتلال الصهيوني إدانة قاطعة" في خضم الصراع الأخير مع الفلسطينيين. 
وتتضمن الرسالة قائمة بخمسة مطالب من المفترض أن يقدمها "بايدن" إلى حكومة الاحتلال الصهيوني، بما في ذلك إنهاء تهجير الفلسطينيين من أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، ووقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. كما طالبوا إدارة "بايدن" بضمان عدم استغلال المعونة الأمريكية في سجن وتعذيب الأطفال الفلسطينيين، أو في سرقة وتدمير منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، أو في ضم الأراضي الفلسطينية". 
ورأينا أيضًا "مايك بنس"، نائب الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" حيث ألقى باللوم على حكومة "نتنياهو" لتبنيها توجُّهًا يمينيًّا متطرفًا؛ حيث إنها تضم أعضاء يعلنون صراحة عن مواقفهم العنصرية، وقال: "إن ذلك أحد أهم أسباب استمرار تأجج الصراع".  بل قد نرى في كلماته إشارة إلى أن حكومة أخرى أكثر اعتدالًا قد يكون لها دور في إنهاء الصراع بين الاحتلال الصهيوني. 
ولكن هل يعد هذا التغيير في لغة الخطاب تغيرًا حقيقيًّا نابعًا من قناعة شديدة بما يحدث من ظلم للشعب الفلسطيني على أرض الواقع، أم هو مجرد تغيير في عرض القضية مجاراةً لوسائل التواصل الاجتماعي التي أثبتت فاعليتها القوية في توعية الدول وشعوبها بما يقوم به الاحتلال الصهيوني من جرائم ضد هذا الشعب الأعزل. 
نستعرض في سطورنا التالية بعض الملامح التي تدل على تغيُّر لغة الخطاب الإعلامي الغربي في ظل أزمة الصراع الفلسطيني الأخيرة ضد الاحتلال الصهيوني، وذلك من خلال بعض المقالات التي نشرتها الصحف العالمية. حيث نشرت جريدة "نيويورك تايمز" بعض المقالات تروي فيها شهادات أهالي فلسطين من "الغزاوية" وممن يسكنون "الضفة الغربية" و"القدس" الشريفة. وبقدر ما تحمل هذه المقالات من أمل؛ فإنها في الوقت ذاته تُروِّج لفكرة واحدة، ألا وهي معاناة الشعب تحت حكم "حماس". 
في هذا السياق نتناول أحد المقالات التي نشرتها نيويورك تايمز في 22 مايو بعنوان "الحياة في ظل الاحتلال". والمتأمل في هذا العنوان يجد أنه يحمل تغيُّرًا في استراتيجية تناول القضية الفلسطينية، حيث تصف صحيفة "نيويورك تايمز" الكيان الصهيوني بـ"الاحتلال". إذن هذا اعتراف صحفي وإعلامي بأن ما يحدث في فلسطين هو "احتلال" من الصهاينة، وليس "حقًّا" لهم، وأن "الكيان الصهيوني" كيانٌ مغتصب، وليس صاحب حق في الأرض. وقد تناول المقال بالتفصيل قصص مواطنين فلسطينيين يسكنون بالقدس، مفصحًا عمَّا يلاقونه يوميًّا من صعوبات في ممارسة أنشطة الحياة العادية، فمنهم من يفقد منزله أو حياته، ومنهم من يعمل في أعمال بناء المستوطنات، ومنهم من يواجه الفقر والتشرد، ومنهم من يستغرق ما يربو على (3) ساعات يوميًّا ليصل إلى مقرِّ عمله. فكل هذه القصص وغيرها تعد استعراضًا جريئًا نشهده لأول مرة في الصحف الأمريكية في إشارة واضحة وصريحة إلى الأعمال القمعية التي يمارسها "الكيان الصهيوني" ضد الفلسطينيين يوميًّا.  
فالأمر ليس مجرد حرب إطلاق صواريخ بين "حماس" و"الكيان الصهيوني"، إنما هو أكبر من ذلك، إنه معاناة يعايشها المواطنون بشكل يوميٍّ، مُهدَّدِين إما بالطرد والتشرد، وإما بالاعتقال لأي سبب، وإما بالعمل في بناء مساكن للمستوطنين.
ورغم ذلك، يرى مرصد الأزهر أن الخطاب الإعلامي لم يتغيَّر حقيقة، لكن ما تغيَّر هو تناول الإعلام للقضية الفلسطينية؛ حيث نجد هذه المرة تغيُّرًا في استراتيجيات عرض القضية، فلم تَعُد القضية صراعًا بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، بل أصبحت صراعًا بين حكومة الكيان أو حكومة الاحتلال وحركة حماس، أو بمعنى آخر صراع بين كيانيْن حكوميِّيْن تسبَّبت قراراتهما غير الحكيمة في جلب الخراب والدمار لشعوبهما. ومن هذه الزاوية يتضح أن الخطاب لم يتغير في ذاته، فلا لوم في مبدأ "الاحتلال" نفسه، وإنما اللوم على بعض الممارسات والقرارات غير الحكيمة، ما أسفر عنه كل هذا الدمار الذي تراه تلك الوسائل الغربية على الجانبيْن على حد سواء.
وربما يقول قائل: "إن هذا ربما يكون نهجًا فرديًا من صحيفة واحدة لا يمكننا تعميمه على وسائل الإعلام الغربية كلها"؛ فنقول دعونا نأخذ نموذجًا آخر لاستعراض الصراع. فها هي الجارديان البريطانية تتحدث عن الصراع وكأنه صراع بين السلطات الحاكمة في تقرير بعنوان "تحمل العبء الأكبر ": معاناة الأطفال في الصراع بين غزة وإسرائيل" والصادر بتاريخ 19 مايو  لها تناولت فيه صور المعاناة التي يعيشها الأطفال في فلسطين بسبب تجدد الاشتباكات والغارات الجوية بين حركة حماس وحكومة الكيان الصهيوني. ويقول التقرير وفقًا لشهادات بعض العاملين في المنظمات الإغاثية: "إن الوضع النفسي للأطفال في "غزة" تدهور؛ بسبب من غارات الاحتلال، وصوت الصواريخ، فهم دائمًا يعانون من كوابيس، وخوف دائم من الموت الفجائي، أو قلق شديد".
على صعيد آخر، نشرت صحيفة "دَيَلي ستار" البريطانية في 13 مايو تقريرًا بعنوان مشكلة تغطية وسائط الإعلام الغربية الرئيسية لفلسطين حيث ناقش التقرير تناول وسائل الإعلام الغربي للصراع بين فلسطين والكيان الصهيوني؛ حيث ذكر الكاتب أن الفلسطينيين عادة ما يحصلون على تغطية وسائل الإعلام الغربية الرئيسة عندما يحتجُّون أو يواجهون العدوان الصهيوني، مع تحريف معاناتهم على نطاق واسع على أنه "تصعيد للعنف". 
وتشير معظم التقارير إلى جدار الفصل العنصري على أنه "جدار عازل". ولا يشرح أو يفسر مراسلوا هذه القنوات والوسائل الإعلامية في القدس السياقَ التاريخي للنضال الفلسطيني، ولا يصفون القدس على أنها "القدس المحتلة". وقد تعمدت وسائل الإعلام في الغرب مرارًا نقل الأحداث عن فلسطين عبر تغطية غير أمينة أو واقعية. والجرائم الصهيونية التي وقعت في حي "الشيخ جراح" ليست سوى ذرة غبار في صحراء الويلات الفلسطينية.
لكن على الوجه المقابل، لا زلنا نرى تلك المنصات الإعلامية التي تهاجم الشعب الفلسطيني وتحاول أن تحوِّل القضية إلى قضية دينية عقائدية، مثل شبكة "فوكس نيوز" التي اختارت التعامل مع الأمر وكأن الكيان الصهيوني دولة مغلوبة على أمرها تعيش بين أعدائها، وأن ما تفعله ما هو إلا محاولات للدفاع عن حقها في الوجود. واستضافت الشبكة الإخبارية الإذاعي "دينيس بريجر" في برنامج "فوكس نيوز برايم تايم" ليتحدث بشكل موسع عن الأسباب التي تجعل من الصراع بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني صراعًا عقديًا، فقال: "إن ما تراه إسرائيل من محاولات دائمة للهجوم عليها ما هو إلا هجوم على الديانة اليهودية، وإن ما يسعى إليه الآخرون من تصوير الأمر على أنه صراع على الأرض هو كذب، فهذا الصراع يستهدف الدولة الوحيدة اليهودية في العالم"، وأضاف "بريجر": "إن لم يكن ذلك هجومًا على اليهودية فماذا يكون"!
وفي مقال آخر، قالت "فوكس نيوز": "إن كل ما حدث من إطلاق للصواريخ من جانب "حماس" لم يكن سوى غطاء لعملية استخبارات إيرانية موسعة أرادت من خلالها استغلال أزمة "حي الشيخ جراح"، وإطلاق الصواريخ ناحية "إسرائيل"، وبالتالي استنفار القوى العسكرية لإسرائيل مما يتيح لها دراسة الوضع العسكري لإسرائيل". ولعلنا نرى في تلك المقالات واللقاءات ما تسعى إليه الشبكة من محاولة تصوير الجانب الصهيوني في صورة الدولة المسالمة التي تقع فريسة الدفاع عن نفسها؛ لتكون هدفًا سهلًا لأجهزة استخبارات دول معادية.
إن الاعتداءات التي بدأت في رمضان في حي "الشيخ جراح" ما هي إلا حلقة أخرى من تشويه وسائل الإعلام الغربية الرئيسة لفلسطين بتصويرها على أنها مصدر الهجوم والعنف. ففي 5 مايو 2021، نشرت وكالة "رويترز" تقريرًا بعنوان "حي الشيخ جراح أصبح رمزًا للكفاح الفلسطيني" يوثِّق الانهيار في "الشيخ جراح"، وقد زعمت في تقريرها أن "الشيخ جراح" جزء من القدس التي استولت عليها "إسرائيل" في حرب عام 1967، متعمدةً إخفاء تاريخ كامل من عمليات الطرد والتهجير القسري في المنطقة، إسهاما في تصوير "إسرائيل" للعالم كدولة لها حقوق قانونية في المنطقة. وتشير تغطية لـ"رويترز" في 11 مايو 2021 بعنوان: "إطلاق الصواريخ الفلسطينية والضربات الإسرائيلية على غزة إلى اليوم الثاني" إلا أن الضربات الإسرائيلية كانت مجرد "رد" على إطلاق الصواريخ "الفلسطينية" على "إسرائيل".
وتبذل "نيويورك تايمز" قصارى جهدها للبقاء على الحياد، بالرغم من استخدامها المتكرر لمصطلح "مسلحو غزة" على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول: "إنهم يطلقون صواريخ على "إسرائيل" التي تقوم برد انتقامي"، وهو بدوره يخلق حالة من التضليل لإخفاء النضال الفلسطيني وراء أكذوبة عنف "حماس". وزعمت تغريدة حديثة لصحيفة "نيويورك بوست" أن الضربات الجوية التي شنها مقاتلو حماس قتلت 20 شخصًا في إسرائيل، وهو قلب للحقيقة رأسًا على عقب. وتم حذف التغريدة على إثر رد فعل عنيف. 
ويطرح التناقض الصارخ في التقارير الصحفية السؤال التالي: لماذا تحرف وسائل الإعلام في الغرب صورة النضال الفلسطيني وتُصدِّر صورة خاطئة ومغلوطة عنه؟
 ويبدو الجواب غاية في البساطة، حيث تقول المراسلة السابقة لصحيفة "إندبندنت" البريطانية "سارة هيلم": "إنك دائمًا ما تتعرض لضغط خاص مع (تغطية الأحداث في إسرائيل وفلسطين) بسبب وجود ضغط إعلامي إسرائيلي مكثف ومتضافر. ويتضمن ذلك ضغطًا سياسيًّا إسرائيليًّا مكثفًا يعمل على كل المستويات، وكان ذلك موجودًا دائمًا." وتضيف سارة أيضًا أن محرريها يتعرَّضون غالبًا لضغوط من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في لندن، والجميع خائفون من الوقوع في خطأ، حتى لا يتمُّ اتهامهم بمعاداة السامية.  
ويقول "ديفيد كرونين" الذي كان يكتب من غزة لصحيفة "الجارديان": "إن أحد محرريه نصحه بالابتعاد عن تغطية الصراع بالكامل. وبمرور الوقت اعتاد الإعلام الغربي على إهمال السياق التاريخي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ونتيجةً لذلك، فإن القراء لديهم فهم محدود لما يجري وكيف كانت الأراضي الفلسطينية، وكيف لا تزال محتلة وما هي فلسطين حقًا، وكيف كان العدوان أحادي الجانب تاريخيًّا، وهذا يشمل حقيقة أن (7) من كل (10) من سكان غزة مسجلون كلاجئين منذ أن أُجبرت العديد من هذه العائلات على الفرار من منازلهم بعد تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948".
وفي الولايات المتحدة، تحشد منظمات الشتات اليهودية السائدة والمحافظة موارد ضغط كبيرة ومساهمات مالية وضغط من قبل المواطنين على وسائل الإعلام الإخبارية وغيرها من منصات الخطاب العام لدعم الحكومة الإسرائيلية. وتعرض الرواية الإعلامية العامة "جيلو" المستوطنة الإسرائيلية في القدس الشرقية ومستعمرات أخرى غير شرعية في فلسطين على أنها "أحياء" وتشير إلى أن الضفة الغربية ليست أرضًا مملوكة للفلسطينيين الأصليين وليست محتلة، بل "متنازع عليها". 
ولعقود من الزمان تم تصنيف قضية فلسطين على أنها قضية دينية بين المسلمين العرب واليهود، ما سهَّل على إسرائيل توجيه الاتهامات بمعاداة السامية إلى أي شخص يعارض الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ويعد سياق الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والمستوطنات غير القانونية والاعتقالات التعسفية والاعتقالات الإدارية جزءًا من هوية فلسطينية شبه منزوعة. 
وعلى الرغم من أن الدعم لإسرائيل لا يزال قويًّا في الولايات المتحدة، فقد برز مؤخرًا عدد متزايد من الديمقراطيين في واشنطن ينتقدون المعاملة القاسية من جانب الكيان الصهيوني للفلسطينيين، ويرون أنه لا يمكن لـ"نتنياهو" أن يعتمد بعد الآن على "الصداقة بدون انتقاد"، كما كان عليه الحال في عهد الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب". 
وربما يمكننا أن نعزو هذا جزئيًّا أو كليًّا إلى نجاح رواد وسائل التواصل الاجتماعي في إظهار الآثار التدميرية الهائلة للحرب الأخيرة ضد الفلسطينيين من خلال إظهار مستوى الدمار في قطاع غزة والضحايا، لا سيّما الأطفال، والتي ربما تكون قد نقلت ولأول مرة جزءًا من الصورة الحقيقية للأمريكيين والغربيين المنصفين. وقد حثت هذه الإجراءات المتعلقة بالفضاء الافتراضي على القيام بدور دولي وحشد الأصوات بما في ذلك المشاهير؛ لاستخدام منابر وسائط الإعلام الاجتماعية الخاصة بهم للدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وأن يعربوا عن تعاطفهم مع الضحايا وإدانة قتل المدنيين، حيث وفّرت وسائل التواصل الاجتماعي للضحايا القدرة على أن يكون لهم صوت، وعلى إظهار معاناتهم وفقدانهم لمنازلهم وأحبائهم.
لكن من المثير واللافت في هذا الصدد أن موقع الفيسبوك تبني موقفًا محيِّرًا بشأن التعاطي مع الصراع الأخير؛ حيث أُثيرت الشكوك حول صفحة على موقع الفيسبوك تسمى Jerusalem Prayer Team أضافت الملايين من المستخدمين دون علمهم، وتفاجأ عدد كبير جدًا منهم بإعجابهم بالصفحة وكذلك الاشتراك فيها دون علم، حتى بلغ عدد المنضمين للصفحة أكثر من 75 مليون مشترك، وهي منظمة تعمل على جمع التبرعات لليهود في جميع أنحاء العالم، ما أثار الشكوك والغضب. وعلى الرغم من تصريح المتحدث باسم شركة الفيسبوك قائلًا: "إننا حذفنا صفحة "Jerusalem Prayer Team" لانتهاكها قواعد الفيسبوك، فقد اعتبرت الصفحة جزءًا من نظرية المؤامرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أوضح المستخدمون أنهم أُضيفوا تلقائيًّا إلى الصفحة دون رغبتهم. 
وكان موقع "إنستجرام" المملوك لشركة فيسبوك قد شهد موجة من الغضب خلال الفترة الأخيرة من قبل المستخدمين بعد ما قام الموقع بحذف صور للمسجد الأقصى، وكذلك حذف عدد من الهاشتاجات التي تحمل الاسم نفسه سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، الأمر الذي دفع العديد من المستخدمين إلى اتهام الموقع بالتحيُّز ضد الفلسطينيين في الاعتداءات التي وقعت في القدس وغزة. وفي هذا الشأن أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المستخدمين قد فوجئوا بعدم قدرتهم على نشر صور المسجد الأقصى أو كتابة اسمه بعد عدة محاولات، ما دفعهم للاعتقاد بأن الموقع قد فرض رقابة على المحتوى الخاص بالأحداث بين الفلسطينيين والصهاينة.
يتضح لنا مما عرضنا سابقًا أنه بالفعل يوجد تغيُّر في أسلوب تناول القضية الفلسطينية، لكنه تحوُّل نحو إلقاء اللوم على حركة "حماس" وحكومة الكيان الصهيوني. فهل هذا تغيُّر نحو انتهاج سياسة جديدة في مجال حلِّ القضية الفلسطينية قد نراها في الأيام المقبلة، أم هو باب لأزمة جديدة تزيد من تفاقم الأوضاع والحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007. وهل يكون ذلك الحراك الدولي نحو المزيد من المصداقية في نقل الحدث باب الأمل نحو حلٍّ حقيقيٍّ للصراع الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني، ربما تأتي الأيام القادمة بما خفي علينا اليوم.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية
 

طباعة