"الأربارتهايد الرقمي" (2)

استمرار حجب المحتوى الفلسطيني وانحياز صارخ للمحتوى الصهيوني

  • | الإثنين, 19 يوليه, 2021
"الأربارتهايد الرقمي"  (2)

 

بات فضاء الإنترنت الفسيح ميدانًا آخرًا تصارع فيه القضية الفلسطينية صراع البقاء، وصار ميدانًا يُضاف إلى ميادين القتال التي يناضل فيها الفلسطينيون نصرة لقضيتهم العادلة؛ إذ يسعى الاحتلال الصهيوني إلى تضييق هذا المجال "الفسيح" على الفلسطينيين، وتحويله إلى سجن تُحجب فيه الآراء وتُصادر فيه الحريات، ويُسدل فيه الستار على الرواية الفلسطينية، التي تنقل للعالم قصة الشعب الأكثر معاناة في التاريخ الحديث.

بيد أن المعركة هذه المرة مختلفة، والأسلحة أيضًا، وهي إن لم تكن متكافئة، فليس بينهما فرق شاسع كما في الحروب الميدانية، وهو ميدان عرفه الفلسطيني كميدان للنضال والجهاد فداءً لقضيته؛ لذلك مهما بلغت عنصرية منصات التواصل تجاه المحتوى الرقمي الفلسطيني، نجد النشطاء الفلسطينيين، وكل مُنتصر للقضية الفلسطينية، يجدون ما يتغلبون به عليها، وما يكسرون به الهيمنة الصهيونية على هذه المنصات.

 

ويأتي هذا التقرير كمتابعة وامتداد لمقالٍ مُفصلٍ سابق كان أعدَّه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إبان العدوان الصهيوني الأخير على الأراضي الفلسطينية، في أبريل الماضي 2021م، وضع له عنوان: "الأبارتهايد الرقمي.. وانتصار الانتفاضة الإلكترونية على الهيمنة الصهيونية"؛ حاول فيه المرصد إطلاع القارئ الكريم على كيفية تعاطي منصات التواصل مع الراويتين الفلسطينية والصهيونية، وكيف تُحارَب الرواية الفلسطينية، ويُحجَب المحتوى الرقمي الفلسطيني، من خلال الحجب أو الحظر أو الإغلاق، ومقارنة ذلك بمدى الحرية المتاحة للرواية الصهيونية ومحتواها الرقمي، والتي تمارس أشرس أنواع العنف والتحريض والعنصرية ضد الفلسطينيين على مدار العام.

وعلى الرغم من أننا رصدنا في المقال السابق تراجع عدد من منصات التواصل الاجتماعي عن هذا المنحى، وإعلان بعضها إجراء مراجعات وتعديلات لأساليب حجب المحتوى الفلسطيني، تحت ضغط حراك الانتفاضة الإلكترونية التي هددت استقرار واستمرار هذه المنصات، فإننا نجد في التقارير الإحصائية الحديثة التي تطالعنا استمرار منصات التواصل في سياسة الازدواجية والكيل بمكيالين؛ ما يؤكد أن الكيان الصهيوني يحظى بدعمٍ إعلامي من نوع جديد، له تأثير أكثر من أي وسيلة إعلامٍ أخرى في عصرنا الحالي، كما أنه يتحكم في كثيرٍ من هذه المنصات عبر توظيف عدد من قياداته السابقين، أصحاب الميول اليمينية المتطرفة، في مناصب دقيقة داخل تلك المنصات.

ولعل أحدث التقارير الإحصائية التي تبرهن على استمرار الأبارتهايد (التمييز العنصري) الرقمي ضد المحتوى الفلسطيني، كان تقرير وثَّقه مركز "صدى سوشال" -مركز فلسطيني مختص بالدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية عبر منصات التواصل الاجتماعي- خلال شهر يونيو ٢٠٢١م، أكد فيه أن عددًا كبيرًا من الانتهاكات بحق الصفحات والحسابات الفلسطينية مستمر بشكل متزامن مع الأحداث الميدانية الجارية وما تلاها من هبَّات شعبية؛ ما سارع من وتيرة حظر وإلغاء بعض الصفحات الإعلامية وصفحاتٍ لنشطاء وصحافيين أو صفحات لحسابات أظهرت تفاعلًا مع ما يجري ميدانيًّا.

وأشار التقرير إلى أن شهر يونيو ٢٠٢١ قد شهد (178) انتهاكًا للمحتوى الرقمي الفلسطيني، توزعت على معظم منصات التواصل الاجتماعي، وكان لمنصة "تويتر" النصيب الأكبر منها؛ إذ تم إيقاف ما يزيد عن (93) حسابًا لنشطاء فلسطينيين شاركوا في حملات مقاطعة للكيان الصهيوني، أو نُصرة الرواية الفلسطينية. كما تم توثيق (74) انتهاكًا على منصة "فيسبوك"؛ تنوعت ما بين حذف صفحاتٍ بشكل كامل، أو منعٍ من البث المباشر، أو حظرٍ لعدة أيام. في حين تم توثيق (9) انتهاكات عبر "انستغرام"، تفاوتت بين إيقاف الحساب، أو وضع قيود على البث المباشر، ورُصِدَ انتهاك واحد عبر منصة "يوتيوب"، وآخر عبر "تيك توك".

 

سياسة الانتقاء.. واستهداف المحتوى الرقمي للوسائل الإعلامية

يتضح من الإحصائيات الحديثة أن شركات ومنصات التواصل تتبع سياسة انتقائية تجاه الصفحات أو الحسابات التي تمارس بحقها الحظر أو الإغلاق أو حتى التقييد؛ فكلما كان الهدف أوسع انتشارًا وأكثر تأثيرًا، كلما كان الاستهداف وشيكًا، والتضييق يحقق الهدف المنشود منه.

ولعل ما سبق يُفسر التضييق الكبير على المحتوى الرقمي للوسائل الإعلامية؛ حيث تُشير الإحصائيات إلى أن نسبة استهداف منصات التواصل للوسائل الإعلامية، من حسابات لصحافيين أو صفحات البث لمحطات فضائية، مثلّت ما يزيد عن ٦٥% من مجمل الانتهاكات على المحتوى الرقمي الفلسطيني. وجاء في مُقدمة الصفحات الفلسطينية التي تعرضت للحظر أو التقييد: صفحة مجلة "إشراقات"؛ والتي تعرضت للحذف للمرة الخامسة على "فيسبوك"، وصفحة رئيس المكتب الإعلامي لمفوضية التعبئة والتنظيم، "منير الجاغوب"، ومجموعة "المحامون الفلسطينيون"، وصفحة "طولكرم الإخبارية"، وصفحة "القسطل"، وصفحة  Palestinian memes.

وجاءت هذه النتيجة عقب إجراء استبيان شمل (٣٠) وكالة إعلامية فلسطينية، حيث أظهر تعرُّض جميع هذه المؤسسات الإعلامية لانتهاكات رقمية مختلفة، تنوعت ما بين تقييد محتوى، أو حذف منشورات، أو بلاغات، أو حظر، وهو ما يمثل خرقًا واضحًا لكافة المواثيق الدولية، وينبئ بفترة زمنية أخرى من الحذف والتقييد للمحتوى والسردية الفلسطينية.

 

الأمان الرقمي.. وسبل التصدي للأبارتهايد الصهيوني

يسعى مركز "صدى سوشال" – باعتباره المركز المعني بالدفاع عن الحقوق الرقمية للفلسطينيين – إلى البحث عن سُبلٍ لمقاومة التمييز العنصري الصهيوني عبر منصات التواصل، من خلال المشاركة في حملات عديدة؛ منها اجتماعات مع جهات حكومية ومراكز تعنى بالأمان الرقمي، حيث جاءت بمقترحات وحلول رقمية لصد الاعتداء على المحتوى الفلسطيني ستكون قيد التنفيذ في الشهور القادمة.

ومن أشكال الدفاع عن المحتوى الرقمي الفلسطيني والعربي، إطلاق حملة "#فيسبوك_يعدمنا"، التي تُعَرِّف نفسها بأنها: "حملة غير سياسية تقدم حلولًا تدافع عن حق المحتوى العربي الآمن المسالم في الحياة رقميًّا في ظل موجة إعدامات رقمية عشوائية يشنها فيسبوك".

وتُميط الحملة اللثام عن مدى التضييق الذي تمارسه منصة "فيسبوك"، عبر نشر ومشاركة القصص والصور التي تعامل معها "فيسبوك" على كونها محتوى حساس، أو قام بحذف منشورات أصحابها، أو إلغاء حساباتهم. وبالفعل نجحت الحملة في الوصول إلى عدد كبير من صناع القرار والناشطين مجتمعيًّا، والمؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تزال الحملة فعَّالة لجمع أصوات المؤيدين والداعمين للمحتوى الفلسطيني الرقمي.

 

وفي الختام، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن ما تقوم به منصات التواصل –بدعم من بعض الحكومات الغربية وحكومة الكيان الصهيوني- بالتضييق على المحتوى الرقمي الفلسطيني، مع ترك المجال للمحتوى الرقمي الصهيوني الذي يمارس كل أنواع التحريض والتطرف، هو نوع من التطرف وجب فضحه ومقاومته والعمل على التصدي له بكل السبل والطرق المشروعة.

كما يشدّد المرصد على أهمية الدعوة إلى احترام المحتوى الرقمي الفلسطينية، ورفض الإقصاء الذي تتعرض له السردية الفلسطينية على منصات التواصل؛ انطلاقًا من إيمان المرصد الكامل بأهمية توفير الأمان الرقمي، وحرية التعبير عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وحدة الرصد باللغة العبرية

طباعة