قراءة في قانون حزمة مكافحة الإرهاب بالنمسا

  • | الأحد, 25 يوليه, 2021
قراءة في قانون حزمة مكافحة الإرهاب بالنمسا

أقر "المجلس الوطني" بالنمسا، يوم الأربعاء الموافق 07/07/2021، "حزمة مكافحة الإرهاب" التي تقدمت بها الحكومة النمساوية، ردًّا على الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة النمساويَّة "فيينا" في نوفمبر من العام الماضي 2020، على يد أحد الذئاب المنفردة المنتمين لتنظيم "داعش الإرهابي".

أبرز إجراءات حزمة مكافحة الإرهاب:

أولاً: تشديد إجراءات المراقبة والمتابعة بحق المُدانين والمتهمين في قضايا الإرهاب:

وكان أبرز ما تشتمل عليه تلك الإجراءات ما يلي:

  1. توسيع الرقابة القضائية بحق المُدانين الذين انتهكوا مواد قانون الإرهاب، حيث يمكن مراقبة الأشخاص الذين أُدينوا بارتكاب جرائم إرهابية، كما يمكن للقاضي إذا أُفرج عنهم بشكل مشروط من السجن، بعد قضاء جزء من عقوبتهم، أن يصدر إجراءات تأديبية بحقهم، كأن يأمر بعدم السماح لهم بدخول أماكن معينة، مثل المساجد على سبيل المثال خلال فترة المراقبة.

 كما يمكن أيضًا مراقبة الأشخاص المفرج عنهم بشروط، عن طريق أساور القدم الإلكترونية أثناء فترة المراقبة، ويُشترط لذلك موافقة الشخص المفرج عنه، وأن يكون قد حُكم عليه بالسجن لمدة (18) شهرًا على الأقل.

  1. إنشاء ما يسمى بـ" السجل الجنائي للمُدانين في قضايا الإرهاب"؛ حيث سيتم تسجيل المُدانين في السجل الجنائي مدى الحياة إذا كانوا قد ارتكبوا جريمة إرهابية، والهدف من ذلك كما أوضح  "كارل نيهامر"  وزير الداخلية النمساوي، هو مشاركة المعلومات بشكل أفضل بين السلطات.
     وينطبق الإجراء الجديد على المخالفين الذين أُدينوا بالإرهاب، بغض النظر عمَّا إذا كان إرهابًا ذا دوافع دينية، أو دوافع يمينيًّة متطرفة.

 وبموجب السجل الجنائي للمُدانين بالإرهاب يتم تشديد الإجراءات على المسجلين فيه، على النحو التالي:

  • سحب رخصة القيادة منهم في حالة امتلاكهم لها.
  • عدم السماح لهم بالحصول على رخصة القيادة في المستقبل.
  • فرض حظر تلقائي لحمل الأسلحة عليهم.
  • منع التوظيف في شركات البنية التحتية الحيوية، أو شركات الأمن الخاصة.
  1. مراجعة قانون الجمعيات لتوضيح الفرق بين أنشطة الجمعيات التي تعمل في المجال العام، وأنشطة الجمعيات الدينية.

ثانيًا: استحداث توصيف جنائي لتجريم ومعاقبة التنظيمات المتطرفة ذات الدوافع الدينية:

يقصد بتلك التنظيمات الكيانات التي تعمل ضد القيم الأساسية للجمهورية النمساوية، وتحاول خلق مجتمعات موازية وغير قانونية على أساس ديني حصري.

ثالثًا: تشديد بعض مواد قانون الإسلام في النمسا، وهو القانون المعمول به منذ عام 2015، وذلك على النحو التالي:

  1.  تلتزم الجمعيات الإسلامية المعترف بها في النمسا بالكشف والإعلان عن مصادر تمويلها، ويمكن للمكتب الثقافي التحقق من مدى التزام تلك الجمعيات بالحظر المفروض على التمويل الأجنبي، والذي تم فرضه منذ عام 2015، كما يمكن لرئاسة المستشارية الاتحادية إغلاق المؤسسات والمراكز الإسلامية في حالة انتهاك القانون.
  2. يجب على الجمعيات الإسلامية تسجيل أئمتها من خلال "سجل الأئمة"، ويضمن ذلك السجل إمكانية العثور على الدعاة المتطرفين بسرعة أكبر وطردهم من النمسا.
  3. عدم قصر تدريب العاملين في مجال دراسات العقيدة الإسلامية على جامعة فيينا، ولكن يمكن أيضًا تقديمه في جامعات غراتس، وسالزبورغ، وإنسبروك من خلال اتفاقيات تعاون.

 

رابعًا: تشديد قانون الرموز:

يستهدف هذا القانون المتطرفين دينيًّا والمتطرفين اليمينين على حد سواء؛ حيث يتم حظر استخدام جميع الرموز الدينية التي تعبر عن الهُوية المستخدمة من قبل التنظيمات الإرهابية، ويشمل ذلك الميليشيات الإرهابية التابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي، فضلًا عن جميع التنظيمات الإرهابية بشكل عام.

خامسًا: إقرار قانون سحب الجنسية:

بموجب هذا القانون يمكن سحب الجنسية النمساوية من الإرهابيين المُدانين الذين يحملون جنسية مزدوجة، وينطبق هذا التعديل على عقوبات الإرهاب سواء كانت سجن مشروط أو غير مشروط.

سادسًا: تخصيص ميزانيات إضافية:

تخصيص(125 مليون) يورو لوزارة الداخلية من أجل تنفيذ التدابير كافة اللازمة لمكافحة الإرهاب، والهدف الرئيس من ذلك في المقام الأول، هو الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا والمعدات والإمكانيَّات الجديدة للذكاء الاصطناعي، كما سيتم منح السلطة القضائية مزيد من الميزانية، وتخصيص مبلغ (٨ ملايين) يورو لإجراءات مكافحة التطرف.

ردود الأفعال حول حزمة مكافحة الإرهاب:

قوبلت حزمة مكافحة الإرهاب بردود أفعال متنوعة، كان أبرزها ما يلي:

  1. موقف الحكومة:

أكد مسئولون حكوميون أن الإجراءات الجديدة في حزمة مكافحة الإرهاب ليست موجهة ضد دين معين، وأنها فقط لسد بعض الثغرات الموجودة في القانون؛ حيث أكدت ذلك "ألما زاديك" ، وزيرة العدل في النمسا، عند إقرار الحكومة للحزمة، وذلك وفقا لما نشرته جريدة (Wiener Zeitung) بتاريخ ٧/٥/٢٠٢١، وموقع (news.orf) بتاريخ 8/05/2021.

وأضافت "ألما" أن من واجبها نحو الجرحى الذين بلغ عددهم (٢٣)، والقتلى الأربعة في هجوم 2 نوفمبر ،٢٠٢٠ اتخاذ تدابير لتقليل احتمال وقوع هجمات إلى أدنى حد ممكن، مؤكدة أن الهجوم أظهر لنا مدى حساسية حريتنا، وأننا لن نسمح لأنفسنا بالانقسام، ولن نُحرم من حرياتنا.

كما أكدت "سوزانا راب"، وزيرة الاندماج النمساوية، أن الحزمة التشريعية ليست موجهة ضد المسلمين، ولكن يتعلق الأمر بمكافحة التطرف ذي الدوافع الدينية بشكل عام.

وأضافت "سوزانا" أن أي إجراء من هذه الإجراءات لا يُعد اعتداءً على مجتمع ديني، فمن المهم اتخاذ إجراءات ضد دعاة الكراهية من أجل حماية المسلمين في ممارستهم الدينية؛ ولهذه الغاية سيتم مراقبة التمويل الأجنبي ليس فقط على المساجد، ولكن أيضًا على الجمعيات والمؤسسات التي تقف وراء المساجد للكشف عن تمويلها في المستقبل.
 كما سيتم إغلاق المساجد التي تخالف التعليمات بشكل أسرع من السابق، وسيسهم أيضًا سجل الأئمة في رفع درجة الشفافية لهذه الجمعيات.

وصرح وزير الداخلية النمساوي، طبقًا للموقع الرسمي لوزارة الداخلية النمساوية بتاريخ 08/07/ 2021، أن الإرهابيين استهدفوا تقسيم المجتمع من خلال الهجوم الإرهابي الغاشم، الذي وقع في فيينا في 2 نوفمبر 2020، لكنهم لم ينجحوا في تحقيق ذلك، مشددًا على أن قوات الأمن تتخذ الاحتياطات اللازمة للحد من مخاطر وقوع هجوم إرهابي آخر.

وأشار الوزير إلى أن الحزمة الجديدة لمكافحة الإرهاب تسهم بشكل كبير في الحيلولة دون وقوع هجوم آخر، مضيفًا أن الإرهابيين ليسوا مسلمين بالمعنى الحقيقي، فهم فقط يستخدمون الدين لبث الرعب؛ لذلك فإن إغلاق دور العبادة التي يثبت تورطها في أيديولوجيات متطرفة، ووقف التمويل الأجنبي لها سيسهم بشكل كبير في تحقيق الأمن في النمسا.
 

2- الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية:

ارتأى معهد علم الاجتماع القانوني والجنائي، أنه لا داعي لتشديد قانون الإرهاب الجنائي الموضوع حاليًا، كما انتقدت كلية الحقوق بجامعة "إنسبروك" مراقبة الأشخاص عن طريق أساور القدم الإلكترونية باعتبارها تدخلًا خطيرًا في الحرية الشخصية لشخص مُفرج عنه بشروط.
 

 وعلقت بأن الطواعية التي يبديها المفرج عنهم لارتداء الأساور الإلكترونية إنما هي طواعية زائفة؛ لأن الأشخاص الذين لن يوافقوا على ذلك لن يتم إطلاق سراحهم بشروط بالطبع، وذلك بحسب ما نشره موقع (news.orf) بتاريخ 08/07/2021.

وقالت شبكة السياسة الجنائية (وهي شبكة تضم رابطة القضاة، ورابطة المدعين العامين، ونقابة المحامين النمساويين، ورابطة حماية الضحايا، ورابطة نيو ستارت والعديد من خبراء القانون الجنائي)  في بيان لها نشره موقع (news.orf)  بتاريخ 12/11/2020: "إنه حتى في مثل هذه الأوقات من المهم التصرف بشكل مناسب وحذر؛ حيث يخاطر السياسيون بتشديد القوانين بسرعة مفرطة لتسهيل عملية البحث عن الأطراف المذنبة؛ فيقوضون الحقوق الأساسية".

  • تعديلات قانون الإسلام:

على الرغم من النقاش حول مضمون حزمة مكافحة الإرهاب على مستويات مختلفة، فإن تعديلات قانون الإسلام قد احتلت صدارة النقاش الدائر منذ إعلان الحكومة عن تقديمها،  حيث قال الدكتور "أندرياس كواتش" المتخصص في الدراسات الإسلامية ومدير معهد الدراسات الكنسية والدينية بجامعة فيينا: "إن التعديلات الجديدة في قانون الإسلام تمثل تمييزًا ضد الطوائف الدينية الإسلامية ويشوبها الكثير من العوار الدستوري، حيث إنه بات فرضًا على الجمعيات الإسلامية بموجب هذه التعديلات تسجيل الأئمة في سجل معين، وإرسال سجل العاملين بالمؤسسة للجهات المختصة، وهذا واجب فقط على الجمعيات الإسلامية وليس على الجمعيات والطوائف الدينية الأخرى." نقلًا عن موقع (religion.orf) بتاريخ 08/07/2021.

كما أعرب رئيس الجمعية الإسلامية بالنمسا عن شعوره بالخيبة بسبب تعديلات قانون الإسلام، معلقًا أنها تتضمن تدخلات غير مقبولة في الحق الأساسي للحرية الدينية، وكذلك في الشئون الداخلية لمجتمعنا الديني، مُشيرًا إلى أن تلك التعديلات تجعل الجمعيات الدينية المسلمة في مرتبة أقل من الجمعيات الموجودة داخل المجتمعات الدينية الأخرى، مضيفًا أنه يأسف لعدم الاستماع للكثير من الأصوات المعارضة لهذه الخطوة، ويرى أن المحكمة الدستورية النمساوية هي الأمل الباقي في إلغاء مثل هذا القانون.

وكانت رابطة القضاة قد قالت في تعليق سابق لها حول استحداث سجل للأئمة: "إن التسجيل في هذه القائمة لا يمثل أكثر من شك عام في اتجاه المجتمعات الدينية الإسلامية، وبالتالي يجب رفضه بهذا الشكل باعتباره تمييزًا لهذه الطائفة الدينية" وذلك بحسب ما نقله موقع (news.orf) بتاريخ 02/02/2021.

من جانبه يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أهمية وأولوية مكافحة الإرهاب بأشكاله وصوره كافة؛ فهو ظاهرة خطيرة أصبحت تمثل إحدى أكبر المشكلات التي تواجه النظام العالمي الحديث.

 وقد دعا الأزهر الشريف من قبل ولا يزال إلى ضرورة توحيد وتكثيف الجهود الدولية الحقيقية الرامية إلى مجابهة هذا العدو الخطير الذي تستخدم بعض جماعاته الدين كغطاء وستار لتحقيق مصالح وأهداف أيدولوجية وسياسية، تستحل قتل العباد وإفساد البلاد، وهي بعيدة كل البعد عن مقاصد الدين ومراميه، وهو الذي يجعل حفظ النفس البشرية وإعمار الأرض على رأس أولوياته.

كما يؤكد المرصد أهمية ما ترمي إليه الحكومة النمساوية من بعض قوانين الحزمة، وهو مكافحة الجماعات ذات الأيديولوجيات المتطرفة التي تتذرع بالدين-أيًا كان الدين- لتحقيق أهداف ومصالح سياسية، والتي تعمل على خلق مجتمعات موازية وغير قانونية، وتتصادم أهدافها وخطاباتها مع النظام العام والقواعد الدستورية في النمسا؛ لما تمثله تلك الجماعات من خطر داهم على أمن المجتمع وتماسك وحدته.

ويؤكد المرصد في الوقت ذاته على ضرورة إجراء حوار مع الجمعيات الإسلامية الرسمية في النمسا، والمتخصصين، والسياسيين، والقانونيين الذين أبدوا اعتراضهم على بعض التعديلات القانونية التي اشتملت عليها الحزمة، ومنها تعديلات قانون الإسلام؛ وذلك من أجل الوصول إلى تفاهمات وصياغات قانونية تضمن شفافية وقانونية العمل داخل أروقة الجمعيات الإسلامية من ناحية،

وتؤكد للمسلمين النمساويين من ناحية أخرى، أنهم ليسوا تحت دائرة الاشتباه العام، وأنه ليس هناك ثمة تمييز لهم على أساس الدين، مما يكون له مردوده الإيجابي على اندماج المسلمين في المجتمع بشكل أكثر فاعلية، وكذلك على تماسك النسيج الوطني للدولة.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

 

 

 

 

طباعة