الاغتيالات الممنهجة لعلماء الدين بأفغانستان جرس إنذار لعواقب وخيمة

  • | الأحد, 1 أغسطس, 2021
الاغتيالات الممنهجة لعلماء الدين بأفغانستان جرس إنذار لعواقب وخيمة


     تهدف الجماعات المتطرفة إلى اغتيال علماء الدين المعتدلين الذين يقومون بتوعية الناس  بتعاليم الدين الصحيحة القائمة على الوسطية والاعتدال ويمثلون سدًّا منيعًا أمام الأفكار المتطرفة الهدامة وعمليات القتل والتخريب؛ في محاولة منهم لإضفاء الشرعية الدينية على هذه العمليات بحجج وأدلة واهية لا تنم إلا عن قصور في فهم الدين ومقاصده؛ كما أن اغتيال العلماء هو هدف كذلك لأطراف النزاع وأصحاب المصالح في استمرار وتيرة الحرب في أفغانستان.
وقد شهدت أفغانستان منذ بداية العام الميلادي المنصرم 2020 حتى اليوم عددًا كبيرًا من عمليات الاغتيال الممنهج لعلماء الدين المعتدلين، ما يمثل إنذارًا جديدًا لمستقبل السلام والاستقرار في هذه الدولة، وينبئ بفترة عصيبة يدفع ثمنها الشعب الأفغاني. وسيتناول هذا التقرير باختصار أبرز عمليات اغتيال رجال الدين في أفغانستان خلال الآونة الأخيرة، والأسباب والنتائج المترتبة على هذه الاغتيالات.

اغتيالات حدثت عام 2020:

1) الشيخ  "فيض محمد فايز": كان يعمل أستاذًا بمدرسة  دار العلوم العربية  ورئيسًا سابقًا لهيئة علماء ولاية "قندوز" وتم اغتياله  يوم الأربعاء الموافق 3 مارس 2020  على يد  مسلحين مجهولين  بالقرب من "كابل".
2) الشيخ "عبد الصمد محمدي": كان رئيسًا لمجلس علماء "تخار"، وتم اغتياله بواسطة لغم زُرِع في سيارته يوم الأربعاء الموافق 13 مارس 2020.
3) الشيخ "نورباتشا حماد": اغتيل أثناء ذهابه لأداء الصلاة في المسجد؛ حيث أطلق مجهولون النار عليه في المنطقة الأمنية الخامسة يوم 21 مارس 2020،  وكان من العلماء المعروفين الذين لطالما وصفوا حرب طالبان في أفغانستان بأنها حرب غير مشروعة، وربما  كان  ذلك سببًا رئيسًا في اغتياله.
4) "الشيخ محمد اياز نيازي": تم اغتياله يوم الثلاثاء 2 يونيو 2020، وكان خطيبًا وإمامًا لمسجد "وزير أكبر خان" في "كابل"، وأستاذًا في جامعة كابل وهو حاصل على درجة "الدكتوراه" من جامعة الأزهر بالقاهرة. وقد عُرِفَ عنه رفضه الصريح للهجمات الإرهابية وقتل المدنيين، ومعارضته للأفكار التي ينادي بها تنظيم "داعش" الإرهابي، وتنديده على الدوام بهجماته الإرهابية، واستنكاره لوجود القوات العسكرية الأجنبية. وكان يتمتع بشعبية كبيرة بين الناس على اختلاف ثقافاتهم، وقد أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسئوليته عن هذه العملية. 
5) الشيخ "عزيز الله مفلح": كان إمامًا  لمسجد "شيرشاه سوري" في كابل، وتم اغتياله من خلال قنبلة وضعت في محراب المسجد الذي يصلي فيه يوم 12/6/ 2020. وقد كان -رحمه الله- أحد أعضاء الهيئة الوطنية لعلماء أفغانستان، وأحد العلماء المعتدلين، وداعمًا قويًّا لقوات الأمن والحكومة الأفغانية، وكان يقول: "إذا لزم الأمر سنرتدي الزي الرسمي لقوات الأمن وسنتواجد في خنادق الحرب"، وربما كان هذا التصريح هو السبب في إنهاء حياته وإراقة دمه على يد هؤلاء المجرمين الذين لا يمتلكون أدنى درجات الإنسانية، ولا يعرفون قيمة للعلماء؛ حيث ترى تلك التنظيمات أن الحكومات والأنظمة المنتخبة ومؤيديهم عدوًّا يجب القضاء عليه، وأن كل من يعارضهم لا بُد من قمعه بالعنف. وقد أعلن جهاز الاستخبارات الأفغاني -لاحقا- القبض على "عبيد الله إلياس عكرمة مدني"، رئيس عمليات تنظيم "داعش" الإرهابي في شمال شرق أفغانستان، وأحد العقول المدبرة لاغتيال الشيخ "نيازي" والشيخ "مفلح ".
6) "الشيخ عين الله خلباني": كان خطيبًا بأحد مساجد ولاية "تخار" وتم اغتياله في كمين على يد مسلحين مجهولين يوم 13 يونيو2020م وكان من الشخصيات الدينية المعتدلة، ومؤيدًا للسلام في أفغانستان، كما كان له دور بارز في نشر تعاليم الإسلام الوسطية والمعتدلة.
 

اغتيالات حدثت عام 2021:

1)    الشيخ "عبد الوهاب ثاقب": كان يعمل مديرًا للعلاقات والتوعية العامة في هيئة الإرشاد والحج والأوقاف بولاية "بروان" وكان معروفا بمواقفه المؤيدة للحكومة، وتم اغتياله في 11 مايو 2021، وذلك في شهر رمضان المبارك لعام 1442هـ، بمنطقة "هنوره" بمديرية "سالنج" التابعة لولاية "بروان".
2)     المفتي الشيخ "نعمان فضلي": تم اغتياله ثاني أيام عيد الفطر المبارك 14 مايو 2021 عن طريق عبوة ناسفة وضعت في محراب المسجد الذي كان يصلي فيه صلاة الجمعة. وقد وقع هذا الاغتيال في فترة وقف إطلاق النار بين الحكومة الأفغانية وطالبان والتي استمرت خلال أيام العيد لمدة (٣) أيام.
3)    الشيخ "سيف الله صافي": اغتالته التنظيمات المتطرفة في هجوم مسلح بالقرب من مدرسة "سيف الرحمن شهيد"، بمديرية "سيدخيل" بولاية "بروان" يوم الأحد الموافق 23مايو2021م.  
4)    الشيخ "جان آقا": تم اغتياله يوم الأربعاء  14يوليو 2021 وهو في طريقه لأداء الصلاة في المسجد، وكان -رحمه الله- أستاذًا بمدرسة دار العلوم، وإمامًا لأحد مساجد ولاية "كابيسا" في شرق أفغانستان.
جدير بالذكر أنه لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن أيٍّ من الاغتيالات التي وقعت عام 2021م، أما الاغتيالات التي وقعت عام 2020 فقد أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤوليته عن عمليتين فقط من أصل (٦) عمليات اغتيال لرجال دين كان العامل المشترك بين أغلبهم هو مواقفهم المتقاربة والمتشابهة تجاه الوحدة الإسلامية، وجهودهم للتقريب بين المذاهب في البلاد، وتأييدهم للحكومة، ورفضهم التدخل الأجنبي، ومعارضتهم للتنظيمات المتطرفة، وإدانتهم لكل الهجمات الإرهابية التي تدمر البلاد وتنزع الأمن من نفوس العباد.
ويرى مرصد الأزهر من خلال قراءته لهذه الأحداث أن من أهم الأسباب والنتائج المترتبة على اغتيال رجال الدين في أفغانستان ما يلي:
1)    سعي التنظيمات المتطرفة لإفساح الساحة الدينية وخلوها من كل فكر يخالف فكرها المتطرف لفرض قراءتها وتفسيرها للدين على العامة، وسعيها -من خلال ذلك- لتثبيت شرعيتها الدينية المزعومة.
2)    محاولة تنظيم "داعش" الإرهابي -الذي أعلن مسؤوليته عن بعض عمليات الاغتيال- بسط نفوذه في أفغانستان، وإيجاد موطن له بعد الهزائم المتتالية والكبيرة التي لحقت به في العراق وسوريا وغيرهما من البلاد.
3)    إثارة الفتن الدينية والطائفية، ومحاولة جرّ البلاد لأزمات وحروب داخلية لا نهاية لها، من خلال إسكات أصوات رجال الدين المعتدلين وإرهاب غيرهم من العلماء ممن ينتهجون نهجهم، والذين يقفون حجر عثرة أمام هذه الأهداف المشؤومة.
4)    إثارة الفزع والرعب بين جموع الشعب الأفغاني عامة، وتسهيل نشر الفكر المتطرف، والقضاء على الوسطية والاعتدال.
5)     إثبات عجز الدولة عن توفير الأمن في البلاد؛ حيث تسببت تلك الاغتيالات في توجيه نقد شديد للحكومة الأفغانية ومطالبتها بإجراءات حازمة لحماية رجال الدين ومعاقبة المتورطين.
ويحذر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من مغبة مثل هذه الاغتيالات وآثارها المدمرة على أفغانستان، مشددًا على أن استهداف علماء الدين وترويع الآمنين أمر ترفضه كافة الشرائع السماوية والقيم الإنسانية. كما يؤكد المرصد على ضرورة العمل الجاد واتخاذ الخطوات اللازمة التي تؤدي إلى عودة الاستقرار للبلاد، ونبذ العنف، ووقف سفك الدماء، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية علماء الدين. 


وحدة الرصد باللغة الفارسية
 

طباعة