اغتيالات التنظيمات الإرهابية المُمَنْهَجة للقضاة في أفغانستان

  • | الثلاثاء, 3 أغسطس, 2021
اغتيالات التنظيمات الإرهابية المُمَنْهَجة للقضاة في أفغانستان

     إنَّ القضاة الذين يحكمون بالعدل ويَصْدَعُون بالحق حِصنٌ حَصِين ومَلاذ آمن للشعوب والأوطان، يَحتكم الناسُ إليهم ليُعيدوا إليهم حقوقهم، ويطلقون أحكامًا مبرمة رادعة على كل من يَثبُت فساده ويتأكد تورُّطه في أية جرائم.
 أما في أفغانستان فالوضع يختلف عن طبيعة الدول الأخرى؛ حيث تنتشر التنظيمات المتطرفة التي تُعادي وطنها، وتسعى دومًا في إسكات صوت الحق الذي يتعالى على ذلك، ومن وقت لآخر يتعرَّض هؤلاء القضاة لحملات شرسة بسبب أحكامهم على المتطرفين، وقد تكرَّرت وقائع استهداف القضاة وأعضاء المحاكم في أفغانستان، فخلال العام الجاري ٢٠٢١ تم اغتيال (١١) قاضيًا. ومن خلال هذا المقال المقتضب، نحاول البحث في هذه القضية واقفين على أسبابها، وأهم النتائج التي ترتبت على تلك العمليات.  
أسباب تلك الاغتيالات:
أولًا: إصدار أحكام تتعارض مع التنظيمات المتطرفة
إنَّ من أهم أسباب استهداف القضاة هو إصدارهم أحكامًا لا تتماشى مع هواهم، فيرفض المتطرفون هذه الأحكام، ويحملون في صدورهم الغِلَّ، ونِيَّة الانتقام، فلا يجدون سبيلًا إلى هواهم المريض سوى رَصاص الغدر والخيانة، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في يوم 8 يونيو 2021؛ حيث تم اغتيال القاضي "محمد فيَّاض"، والذي كان يعمل بمحكمة "قندهار" الإبتدائية، وقد أعلنت حركة "طالبان" الإرهابية مسئوليتها عن اغتياله، مدعيةً أن السبب في ذلك اختلاقه للمشاكل في ملفات الحركة. 
ولعل هذه العمليات الإرهابية، مع تبريرهم لها وإلصاقها بالدين، تجعلنا ندقُّ جرس الإنذار، حيث إنَّ إرهاب القضاة والتدخل في اختصاصهم بشأن إصدار الأحكام القضائية يتسببان في إعاقة حركة المجتمعات، ما يؤدي إلى انهيارها، بسبب الفوضى التي ستنتشر في كل مكان بدلًا من النظام الباعث على الاستقرار، وهذا النهج الإرهابي ليس بجديد لدى تنظيماتٍ عُرِفت باستحلالها لجرائم القتل، واستهانتها بسفك الدماء، ففي 19 مايو 2013 قام (٤) إرهابيِّين باستهداف عدد من القضاة، وتَمَّ القبض عليهم، والأمثلة كثيرة على ذلك، لأن مسلسل الاغتيالِ المُتتابِع للقضاة، يشكِّل تحدِّيًا أمنيًّا كبيرًا لا بُدَّ مِن بَتْرِه، حتى يَنْعَمَ المجتمع الأفغاني بالأمن والسلام.
ثانيًا: رفض التنظيمات المتطرفة عمل المرأة في القضاء
إن التنظيمات المتطرفة ترفض عمل المرأة وخروجَها من بيتها، فما الحال لو كانت هذه المرأة قاضية وتشغل منصبًا رفيعًا تؤدي خلاله أداءً متميزًا فاعلًا؟ فبناء الأوطان يعتبر خروجًا على قواعد المتطرفين، فيقفون حائلًا أمام التقدم، فتذهب عقولهم المريضة إلى قطع أيادي البناء والتعمير، وعليه تتم عمليات الاغتيال الممنهجة للقاضيات بهدف إرهابهنَّ وبَثِّ الرعب في قلوبهنَّ. ومن أمثلة ذلك حادث إطلاق النار على قاضيتين، صباح يوم الأحد الموافق 17 يناير ٢٠٢١، إحداهما تسمى "زكية هروي" والأخرى "قدرية ياسيني"، وهما قاضيتان لديهما خبرة كبيرة في العمل القضائي، وكانتا تعملان في سلك القضاء منذ عدة سنوات برفقة (٢٠٠) قاضية أخرى، وفقا لما ذكره المتحدث باسم المحكمة العليا.
من جانبه، عَلَّق شقيق القاضية "زكية هروي" على حادث اغتيال شقيقته قائلا: " سبَّب حادث الاغتيال الألم والحُزن للأسرة كلِّها، فتبدّل حالها من الفرح والبهجة إلى الحُزن والألم"، وأما بالنسبة للسيدة "قدرية ياسيني" فقد تلقت (٥) رَصاصات اخترقت جسدَها، والغريب أنه بمراجعة كاميرات التصوير تبيَّن أنَّ القَتَلَة مجموعةٌ من الفِتيان الصغار، بُنِيَتْ عقولهم الخاوية على عقيدة الاستخفاف بالقتل وسفك الدماء. 
ثالثًا: القتل بهدف الابتزاز المالي
تعتمد التنظيمات المتطرفة في تمويل عملياتها الإرهابية على جمع الضرائب والإتاوات التي تفرضها على من يقطنون بالمناطق التي تقع تحت سيطرتهم، ومن يرفض هذه الممارسات يلقى منهم عقاب القتل، وهذا ما فعلته "طالبان" مع أحد مُدَّعي العموم بمحكمة استئناف "بكتيا"، فتَمَّ اغتياله في شهر مارس الماضي ٢٠٢١ بعد أن رفض دفع أموالٍ كانوا قد طلبوها منه. 
ويُستنتج مما سبق أن حركة طالبان تستهدف بعملياتها الوصول لعدد من النتائج منها:
إثارة الذعر والقلق بين القضاة:  حيث إنَّ اغتيال الشخصيات البارزة في السلك القضائي  يمثل تهديدًا للمجتمع، ويُثير الذعر في نفوس من يقع على عاتقهم مسئولية الحُكم بالعدل وإثبات حقوق الناس؛ لذا يسعى المتطرفون إلى بثِّ حالة من الخوف بين القضاة، ظانِّين أن هذا سيغيِّر من مواقفهم.  هذا ويَشُدُّ "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" على أيدي القضاة، ويَقِفُ خلفهم ليكونوا عونًا لانتشار الأمن بين الناس، كما يَحُثُّهم المرصد على عدم مغادرة بلادهم حتى لا يصل المتطرِّفون إلى مُرادِهم الخبيث.
محاولة التأثير على حرية إصدار الأحكام تجاه عناصرهم: حيث تحاول التنظيمات المتطرفة التدخل من خلال عملياتها في شئون القضاء، مستهدفة فرض سيادتها وسيطرتها دون محاسبة أو محاكمة لأي من عناصرها، فيَسُود قانون الغاب، الذي ينشر الفزع في ربوع الدولة.
- إضعاف الروح المعنوية لدى القاضية التي تَتَطلَّع لخدمة وطنها: فقد ظنَّ المتطرفون أنَّ الروح المعنوية لدى النساء ضعيفة، إلا إنَّ التاريخ يذكر مواقف كثيرة تشهد بوقوفهنَّ تجاه بلادهن وقت الأزمات، ومساندتهن لدول في أصعب الظروف، كما أنَّ شريعة الإسلام لا تَمنع عمل المرأة النافع، ولا تمنع تَوَلِّي الكفاءاتِ منهنَّ المناصبَ العُليا في المجتمع، لأنَّ النساء شقائق الرجال في هذه الحياة.    
وختامًا، يؤكد "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" رفضَه التامَّ لكافَّةَ هذه الأعمال الإرهابية على أيدي التنظيمات المتطرفة ضد القضاة، والتي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار، مشددًا على ضرورة إرساء قواعد الدين الصحيحة، ونشر الفكر الوسطي بين الصغار والكبار، للحد من استدراجهم أو استقطابهم، حتى لا تستغلهم التنظيمات المتطرفة، وتجعلهم وقودًا للحرب، وخرابًا على الوطن.

وحدة الرصد باللغة الفارسية

طباعة