داعش والتطور المتوقع للسياسات الدولية

  • | الأحد, 17 أبريل, 2016
داعش والتطور المتوقع للسياسات الدولية

تناولنا في عدة تقارير سابقة كيف أن الإرهاب العالمي الذي نواجهه الآن والذي يُشن باسم الإسلام، هو في جزء كبير منه نتاج لعدة عوامل متشابكة، وقد يكون من الصعب تفكيك كل عامل من هذه العوامل على حدة، لكن الأمر الذي بات واضحًا للجميع أن السياسات الدولية الكبرى لها دور كبير - إن لم يكن الدور الأكبر- في صناعة هذا الإرهاب، والمتتبع لما ينشره مرصد الأزهر من أخبار يلحظ أن من بين أسباب انضمام الشباب المسلم الغربي لتنظيم داعش وما شابهه هو محاولة الثأر لما يجري لإخوانهم في البلدان المسلمة نتيجة هذه السياسات.

الأخبار الدولية تبدو متناقضة في حرب داعش، فبينما تقود الولايات المتحدة تحالفًا دوليًّا ضد داعش، نجد أن موقع ABNA نشر يوم 10 إبريل خبرًا بعنوان "طائرات أمريكية تسقط أسلحة لتنظيم داعش في العراق" جاء فيه تصريح أفراد بالشرطة العراقية أنهم قد رأوا طائرات أمريكية تسقط أسلحة وذخائر لتنظيم داعش في منطقة غرب محافظة الأنبار يوم الجمعة، وفي سياق متصل، صرح أحد أفراد الشرطة أن هناك طائرة أمريكية شوهدت في تمام الساعة الرابعة صباح الجمعة فوق ضاحية جزيرة الحديثة بمحافظة الأنبار تسقط أسلحة وذخائر على مقاتلي التنظيم"، وأضاف: "لقد استمرت الطائرة في التشويش على أجهزة الرادار الخاصة بالشرطة في جزيرة الحديثة لمنع الاتصال بين الأفراد والمراكز الرئيسية"، وأردف أنه قد شاهد مركبة عسكرية لتنظيم داعش تصل إلى المنطقة بعد دقائق وتنقل الأسلحة إلى المكان التابع للتنظيم.

ونحن وإن كنا لا نجزم بصحة هذه الأخبار، إلا أن ما بات مؤكدًا هو دور السياسات الدولية في ظهور هذه التنظيمات، وسنكتفي هنا بذكر دليلين فقط:

أولًا: نشر موقع The guardian مقالًا بعنوان "لورانس العرب وظهور داعش" جاء فيه أن "توماس إدوارد لورانس" المعروف بـ"لورانس العرب" كان قد تنبأ بصعود تنظيم داعش بعد غزو العراق؛ لأنه كان يعلم النتائج السيئة لانتهاك حدود الدول، وأضاف المقال أن "لورانس العرب" ندم على دوره فى خداع القوات البريطانية للقوات العربية، وعلى انضمامه للقوات البريطانية، ويذكر المقال أنه منذ حصول بريطانيا على فلسطين بدأت في جعلها دولة يهودية رغم أن 90% من سكانها كانوا من العرب فضلاً عن كونها مكانًا مقدسًا للمسلمين والمسيحيين واليهود وهو ما تسبب في خلق 100 عام من العدائية تجاه الغرب.

ثانيًا: نذكر جميعًا ذلك التصريح المثير الذي ذكره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في حوار أجراه على قناة CNN في أكتوبر الماضي عندما اعترف بأنه ارتكب خطأ مع جورج بوش في غزو العراق عام 2003م للإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين؛ حيث أقر بلير لأول مرة أيضا بأن الحرب الأمريكية البريطانية على العراق كانت واحدة من أسباب ظهور تنظيم داعش الإرهابي، فهذا التصريح يؤكد أن هذه التنظيمات وإن كانت تستند إلى أيديولوجيات تبرر أفعالها، إلا أنها نتيجة مباشرة ومنطقية لسياسات دولية كبرى، كانت تسعى لتحقيق أهداف خاصة في المنطقة، متجاهلة أي نتائج سلبية يمكن أن تنشأ عن قرارات كبرى مثل شن حرب على دولة بحجم وإستراتيجية العراق.

إن هذه السياسات الخارجية هي التي تشكل عقبات كبرى في مسار مكافحة الإرهاب في المنطقة، ولا يمكن الوثوق بأي سبيل للخروج من الأزمة ما لم تعدل القوى الغربية من مسارها، وتنصت لنصائح حكماء الشرق والغرب، ولعلنا نذكر كلمة فضيلة الإمام الأكبر في مؤتمر حكماء الشرق والغرب الذي انعقد في إيطاليا في يوليو الماضي؛ حيث قال "لدينا أمل كبير في أن تتوقَّف الدول القادرة الغنية عن الاستبداد والتحيز والكيل بمكيالين: مكيال للغرب وآخر للشرق، وأن تتوقف سياساتها التسلطية على الضعفاء والمستضعفين، هذه السياسات التي يبدو أنها أجمعت أمرها على تقسيم العالم إلى فُسطاطين: فُسطاطٍ للغِنَى والأمن والرفاهية والتقدم العلمي والثقافي والفني والحضاري، وفُسطاطٍ للحروب والدماء والإرهاب والخراب والفقر والجهل والمرض.

إذًا، جاءت هذه التنظيمات الإرهابية نتيجة لهذه السياسات الدولية الخاطئة، لكن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه ونسعى للإجابة عليه: هل أخطأت هذه السياسات في تقدير الموقف، أم أنها بالفعل تقصد ذلك لخلق مبدأ "الفوضى الخلاقة" الذي يضمن لهذه القوى الدولية الاحتفاظ بقوتها مقابل تفكيك الآخرين، أم أنها كانت تعمل وفق إستراتيجية "صناعة العدو" من أجل تعقيد الموقف واستحالة التوصل لحل جذري، ومن ثم الدخول في دائرة مغلقة من الصراعات؟

طباعة
كلمات دالة: مرصد الأزهر