إسبانيا في مواجهة تحديات جرائم الكراهية والتطرف

خلال النصف الأول من عام 2021

  • | الأربعاء, 25 أغسطس, 2021
إسبانيا في مواجهة تحديات جرائم الكراهية والتطرف

 

     يعد انتشار خطاب الكراهية، لا سيما عبر الفضاء الإلكتروني، هو السبب الرئيس وراء زيادة معدلات جرائم الكراهية والاعتداء ضد فئات معينة في المجتمع بصفة عامة. ويضطلع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بدوره في متابعة الظواهر المجتمعية السلبية حول العالم المتعلقة بتغذية الفكر المتطرف بكل صوره وتحليلها، لا سيما في القارة الأوروبية، ومدى تأثيرها على تعايش المسلمين، واندماجهم في تلك المجتمعات، وكذلك مدى خطورتها على عملية الاستقرار والتعايش السلمي.

ومن خلال متابعة السياق الإسباني، يكشف المرصد عن وجود تزايد في معدل جرائم الكراهية في إسبانيا، وتحديدًا في النصف الأول من العام الجاري 2021، وهذا يعكس بشكل واضح تنامي الفكر المتطرف بين العديد من أفراد المجتمع؛ إذ إنه هو المحرك الرئيسي لارتكاب مثل هذه الجرائم التي تتنافى مع التعاليم الدينية، والقيم الإنسانية، ومفهوم السلم الاجتماعي.

ولم يكن تزايد الأخبار حول قضايا جرائم الكراهية، والتي ظهرت مؤخرًا في وسائل الإعلام الإسبانية، ‏من قبيل الصدفة؛ حيث أظهر تقرير يضم إحصائيات عن وزارة الداخلية الإسبانية أنه خلال الأشهر ‏الستة الأولى من العام الجاري، استقبلت الشرطة والحرس المدني الإسباني (610) شكوى ‏لمخالفات تتعلق بجرائم الكراهية، بزيادة قدرها 9,3٪ عن نفس الفترة من عام 2019، أي قبل انتشار ‏جائحة كورونا، حيث تم إحصاء (558) شكوى، وقد قدّم هذا التقرير ‏وزير الداخلية الإسباني "فرناندو غراندي مارلاسكا" في 28 يوليه 2021 خلال عرضه لاستراتيجية المكتب الوطني لمكافحة ‏جرائم الكراهية في إسبانيا للسنوات الثلاث القادمة.  ‏

 

Image

وزير الداخلية الإسباني "فرناندو غراندي مارلاسكا"

وتعكس الإحصائيات الواردة في هذا التقرير والخاصة بالنصف الأول من عام 2021 أن الشهر الذي شهد أكبر عدد ‏من الحوادث كان في مايو 2021؛ حيث تم الإبلاغ عن (153) جريمة كراهية، يليها شهر أبريل بواقع ‏‏(105) جريمة، ثم مارس من العام ذاته بواقع (101) جريمة. وتشير مصادر لوزارة الداخلية الإسبانية أن هذه الزيادة تأثرت ‏بالوعي الاجتماعي الذي دفع المزيد من الضحايا إلى الإبلاغ عن وقوع جرائم كراهية بحقهم، كما تشير دراسة داخلية حديثة إلى أن ‏شخصًا واحدًا فقط من بين كل (١٠) أشخاص يعاني من جريمة كراهية يبلغ الشرطة بذلك. ‏ومن بين نسب جرائم الكراهية المعروفة لا يزال 77,7٪ من هذه الجرائم تتركز في المجالات الثلاثة ‏الأكثر شيوعًا وهي: (العنصرية والكراهية ضد الأجانب) و(الأيديولوجيا) و(التوجه الجنسي). ‏

وعن الملف الشخصي للضحية، فإن أكبر عدد من الأشخاص الذين يبلغون عن ذلك هم من ‏الرجال بنسبة (59٪) و(34.3٪) منهم في الفئة العمرية ما بين (26) و(40) عامًا. أما الملف الشخصي للمعتدي، فالغالبية من الموقوفين ‏أو المتهمين بارتكاب جرائم الكراهية هم من الذكور بنسبة (81,5٪) و‏‏(%30,68) منهم أيضًا في الفئة العمرية ما بين 26 إلى 40 عامًا. أما ما يتعلق بجنسيات المعتدين فإن (77,4٪) منهم يحملون الجنسية الإسبانية، بينما من يحملون جنسيات أجنبية يشكلون (22,6٪). وكثيرًا ما يُتهم أصحاب الجنسيات الأجنبية بتوجيه التهديدات أو ‏التسبب في الإصابة أو التحريض العلني على الكراهية داخل المجتمع، وقد تمكنت القوات الأمنية من التحقق من ‏‏66,2 ٪ من الحالات المبلغ عنها.  

أنشطة التنظيمات المتطرفة في إسبانيا

وفيما يخص أنشطة التنظيمات المتطرفة في إسبانيا وطُرق استقطابها للشباب، فيمكن التأكيد على أن تلقين الفكر المتطرف بصوره المختلفة لم يعد مرتبطًا بوجود اجتماعات ومقابلات شخصية لنشره بين عقول الشباب، وهو الأمر الذي أكده الكاتب والصحفي الإسباني "مانويل باتشيكو" في كتابه الذي صدر في مطلع العام الجاري 2021، تحت عنوان: "الدعاية السياسية والترويج.. من توسع القرن العشرين إلى التحول في عصر الإنترنت"، حيث أفرد فصلًا تحدّث فيه عن استغلال الجماعات المتطرفة للدعاية ووسائل التواصل الحديثة لنشر أفكارها المتطرفة واستقطاب عناصر جديدة لصالحها، وألمح إلى أنهم استخدموا هذه الوسيلة بشكل مثير، وهو الأمر الذي كان قد أشار إليه مرصد الأزهر، وأكد عليه في العديد من إصداراته.

كما أكد "باتشيكو" أن القانون في إسبانيا قد تم تغييره حتى يكون قادرًا على الحكم على الأشخاص الذين يرتكبون جرائم تتعلق بالاستقطاب عبر الإنترنت، ومن خلاله تم القبض على العديد ممن يشتبه في تطرفهم، وقد حذّر "باتشيكو" من هذا الأمر نظرًا لخطورته، وأشار إلى أن تأثير التقنيات الحديثة كان واضحًا جدًا في نموذج الجماعات المتطرفة. وبحسب خبراء الشرطة، فإن معظم عمليات التجنيد كانت تتم في السجون قبل ذلك، ولكن مع الثورة التكنولوجية أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الرئيسة لعملية الاستقطاب، وأن الجماعات المتطرفة لم تعد بحاجة إلى التجمع، بل يمكن أن تتم عملية الاستقطاب للأشخاص وهم في منازلهم عبر الإنترنت.

وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى العوامل الرئيسة التي سهًّلت استهداف القارة الأوروبية بصفة عامة، وإسبانيا على وجه الخصوص من قبل الجماعات المتطرفة؛ حيث سلط موقع "تيتولارس" الأرجنتيني في بداية أغسطس 2021 الضوء على هجمات برشلونة ومدينة كامبريلس، والتي أدّت إلى مقتل (16) شخصًا وإصابة أكثر من (130) في منتصف أغسطس 2017، وغيرها من الاعتداءات التي سبقتها في عدد من المدن الأوروبية مثل لندن ومانشستر، والتي أسفرت عن العشرات من القتلى والمئات من المصابين. وفيما يخص العوامل التي سهَّلت استهداف أوروبا، فمنها صعوبة اندماج البعض نظرًا للاختلاف الثقافي واللغوي، ويتمثل جزء كبير من هذه الصعوبة أيضًا في البطالة وكراهية الأجانب.

 

 

Image

استهداف التنظيمات المتطرفة لإسبانيا

ومن العوامل الأخرى لتزايد الهجمات الإرهابية في أوروبا سهولة وصول عناصر التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم "داعش" الإرهابي والفارين من سوريا والعراق إلى أوروبا، فمن الناحية الجغرافية يعد الوصول إلى أوروبا أسهل بكثير من الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الغربية البعيدة مثل كندا أو أستراليا، والعكس صحيح. وتفيد البيانات أن حوالي (٥٠٠٠) أوروبي قد انضموا إلى صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا، وهو عدد أكبر بكثير من عدد الأمريكيين الذين انضموا إلى التنظيم والجماعات الإرهابية الأخرى. 

ويضاف إلى العوامل السابقة: سهولة تنفيذ العمليات الإرهابية بأساليب وأدوات بسيطة؛ حيث ازدادت عدد الهجمات الفتاكة في أوروبا بشكلٍ كبيرٍ خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى وجود تغيير في أساليب التخطيط والتكتيكات للإرهابيين. فبينما فضّل تنظيم "القاعدة" الإرهابي الهجمات المعقدة والمخططة جيدًا مثل هجمات 11 سبتمبر ٢٠٠١ على مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، وخطط لإسقاط طائرات ركاب فوق المحيط الأطلسي، أظهر تنظيم "داعش" الإرهابي ميلًا إلى العنف العشوائي بطرق سهلة وأدوات بسيطة وغير مكلفة، مثل الطعن بالسكين، وعمليات الدهس بالشاحنات في الأماكن المزدحمة أو استخدام قنابل محلية الصنع بواسطة المتطرفين. ومع ذلك، فإن أجهزة الأمن وإنفاذ القانون في أوروبا تتحسن في عملية تحديد وتعقب واعتقال الإرهابيين المحتملين بما يسهم في منع وقوع هجمات إرهابية.

ويؤكد مرصد الأزهر أن الجماعات المتطرفة تعتمد بشكل أساسي على الشباب، وتركز كل جهودها لاستقطابهم من خلال بث الأفكار المغلوطة بينهم، وتشويه التعاليم السمحة للدين وإخراجها عن سياقاتها لخدمة مآرب تلك التنظيمات الخبيثة؛ مما يضلل عقول الشباب من ناحية ويعيق تقدم الأمم ونهضتها من ناحية أخرى. ومن هذا المنطلق فإن انتشار التطرف العنيف بين الشباب يختلف حسب كل سياق ثقافي ومجتمعي، وبالتالي فعملية التطرف لا تتم بصورة واحدة في كل المجتمعات، كما أن عاملي الزمان والمكان لهما بالغ الأثر في انتهاج الشخص التطرف العنيف من عدمه، وذلك وفق ما أكده الخبير الأمني "أندريه ألفيس دوس ريس"، مدير الأداء والتأثير في "الصندوق العالمي لمنع التطرف العنيف"، الذي أكد على أن الربط بين التطرف العنيف والدين في كثير من الأحيان يكون خطأ، فالدين في كثير من الأحيان يكون عاملًا وقائيًّا من التطرف لا مغذيًّا له.

ومن بين الاستنتاجات المثيرة للاهتمام من إحدى الدراسات التي أجراها "الصندوق العالمي لمنع التطرف العنيف" في بنغلاديش مع طلاب جامعيين، أن الدين يعد درعًا من دروع الوقاية ضد التطرف، وقد استشهد الكثيرون بالدين كأحد الأسباب الرئيسية لعدم المشاركة في الأنشطة المتطرفة العنيفة، كما أن طلاب المؤسسات الدينية أكثر مقاومة للتطرف العنيف -في هذا السياق تحديدا- من نظرائهم في مؤسسات التعليم العالي الأخرى، مثل الجامعات الخاصة.

ختامًا

يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن بثّ رسائل الكراهية والتحريض على العنف ضد فئات معينة داخل المجتمع أمر مرفوض تمامًا من المنظور الديني والاجتماعي، لتنافيه مع تعاليم جميع الأديان التي تحث على التسامح والسلام، كما أن تلك الرسائل تتعارض مع تحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي. لذا فإن المرصد يدعو إلى ضرورة تشديد الإجراءات ووضع سياسات من إدارات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لتقويض انتشار الأفكار المتطرفة، والرسائل التي تحض على الكراهية، وتخرب عقول الشباب، وتهدد سلم المجتمعات وأمنها.

هذا ويثمن المرصد الجهود التي تبذلها إسبانيا في الحد من التطرف والعمل على وقف انتشار العنف والكراهية داخل المجتمع.  كما يحذر المرصد من تكثيف التنظيمات المتطرفة لنشاطها عبر المنصات الإلكترونية بشكلٍ كبيرٍ بعد تعرضها للعديد من الخسائر على الأرض، كما يشير المرصد إلى أن التقنيات الحديثة تحولت إلى وسيلة أساسية للمتطرفين في عملية الاستقطاب، مما يتطلب العمل على محو الأمية الرقمية كوسيلة لمنع التجنيد لصالح تلك التنظيمات المتطرفة، ويشدّد المرصد على ضرورة غرس قيم المواطنة والتسامح وقبول الآخر في نفوس الشباب والنشء، وتوعيتهم بمخاطر الفكر المتطرف لتحصينهم من الوقوع في براثن التنظيمات الإرهابية.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 

 

 

 

 

طباعة