الأطفال وانتهاج السلوك العنيف.. الأسباب وسبل المكافحة

  • | الأحد, 5 سبتمبر, 2021
الأطفال وانتهاج السلوك العنيف.. الأسباب وسبل المكافحة

    ظاهرة حديثة على مجتمعاتنا لم نألفها من قبل، بل إن سرعة انتشارها تستدعي منا دَقَّ ناقوسِ الخطر، خوفًا من مستقبل مجهول ينتظر هذا الجيل وأجيالًا مِن بعده. إن سبب انتشار العنف لدى الأطفال لم يَعُد مقتصرًا فقط على سلوكيات شاذة تنتهجها بعض الجماعات المتطرفة، بل امتد الأمر ليصل إلى المجتمعات المحلية والأسر والعائلات حتى بات الخطر يهدد الجميع دون استثناء. ولعل لتلك الظاهرة العديد من الأسباب التي تحتاج إلى بحث عميق ودراسة مطولة، للوقوف على أفضل السبل لمواجهتها، لكن مقالًا قصيرًا كهذا لا يتسع لتناول كافة الأسباب؛ لذا نكتفي بذكر أهمها.
لا يمكن لأحد أن يشهد بناظريه حالات العنف المتكررة لدى الأطفال ولا تنتابه حالة من القلق والخوف، قلق على الطفولة البريئة العفوية أن تنتهكها الأفكار الهدامة والعنيفة، وخوف من أن تتحول تلك البراءة إلى طاقة من العنف والكراهية. لكن ما الذي يصل بالطفل لهذه الحالة من اللجوء للعنف؟ يقول بعض الخبراء: "إن أحد أهم الأسباب هو غياب الحوار والتواصل مع الوالدين، فلابد للوالدين أن يكونا أصدقاء لأبنائهم وملجأ أمان لهم". فحوار الآباء مع الأبناء والاستماع بعناية لكل ما يتعرضون له في حياتهم اليومية أحد أهم الأساليب التربوية المهمة في حماية الأطفال من التعرض لمخاطر ممارسة العنف أو الوقوع ضحية له دون وعي. لكن هل يمكن للطفل أن يمارس عنفًا دون أن يعي ذلك؟
بالطبع، فالعنف ليس سلوكًا ماديًا فحسب، بل هناك عنف معنوي، وقد يكون خطره يماثل خطر العنف المادي أو يكون أكثر خطرًا. ومن أمثلة العنف المعنوي التنمر ضد الآخرين ومعايرتهم سواء بسبب شكلهم أو مظهرهم أو ديانتهم أو غير ذلك. هذا النمط من العنف غير المرئي قد يؤدي بدوره إلى مظاهر أخرى مادية تتمثل في اعتداء المجني عليه على الجاني، وبالتالي يدخل الأطفال في دائرة لا تنتهي من العنف والعنف المقابل. 
تحتل التربية الدينية ثاني أهم العوامل التي تمنع الطفل وتحميه من العنف، وهنا قد يتساءل البعض أن المنع معروف، لكن ما المقصود بالحماية في هذا السياق؟ تتلخص الإجابة في أن الطفل الذي ينشأ وسط أسرة متدينة تدينًا حقًا لديها علم بقيم الدين ومبادئه التي ما جاءت إلا لتحسن من حياة الإنسان وتنشر السلام على الأرض، فهو يتعلم منذ صغره أن العنف أبغض ما يمكن أن يستخدمه الإنسان لتحقيق أهدافه أو نشر أفكاره، وبالطبع فهو سلوك مكروه ويحرم استخدامه ضد الأبرياء والمستضعفين إذن،  عندما ينشأ الطفل في حالة من الجهل بتعاليم دينه، يكون من السهل على الجماعات المتطرفة استغلال ذلك لدفع الطفل نحو ممارسة العنف عن طريق غسل دماغه، وإقناعه زيفًا بأن ما يفعله هو امتثال لأوامر الله وسبيل لدخول الجنة. ولقد رأينا ذلك بوضوح فيما فعله تنظيم داعش الإرهابي من استغلاله للأطفال في تنفيذ بعض الأعمال الإرهابية المروعة، وما نشره من فيديوهات لأطفال يحملون السلاح ويقتلون الأبرياء بدعوى تنفيذ أوامر الله. وحاشا لله تعالى أن يأمر بمثل تلك الأفعال اللاإنسانية. لقد سمَّى الله نفسه الرحمن الرحيم، فكيف يأمر عباده أن يفعلوا مثل تلك الأفعال الوحشية التي نُزعت منها كل رحمة؟! للأسف تستغل الجماعات المتطرفة والإرهابية النصوص الدينية وجهل البعض بتفسيراتها الصحيحة في نشر ممارسات العنف وتشجيع القتل والدمار والفوضى.
ومما لاشك فيه أن كِلا العاملين السابقين يتحدان سويًّا ويتسببان في حمل الأطفال على ممارسة العنف في ظل غياب القدوتين الأبوية والدينية اللتين يمكنهما تصحيح السلوكيات الخاطئة وإنقاذ الأطفال من براثن الوقوع في تلك الهُوة السحيقة. قد يستخف البعض بما ذكرناه سابقًا ويقول لكن طفلي لا يمكن أن يقع في هذا الفخ، أقول له: لا يا سيدي ففي ظل العالم الرقمي المفتوح الذي بتنا نعيش فيه اليوم، لم يعد هناك حاجز، ولا حاجب يحمي طفلك من براثن هذا الخطر سوى رعايتك وتربيتك السليمة له. 
ونضرب مثالًا لذلك بمقال كتبته إحدى الباحثات في علم النفس، وتحدثت فيه عن صدمتها عندما اكتشفت أن ابنها الذي لا يزال في مراحل التعليم يتحدث مع أحد أصدقائه مستخدمًا ألفاظًا عنصرية، لكن ما أثار خوف الكاتبة لم يكن فقط استخدامه لتلك الألفاظ ولكن عدم وعيه بأن تلك الألفاظ تحمل معنى عنصريًّا مهينًا. وهنا تكمن خطورة الأمر، وبمراجعة الكاتبة لنشاط ابنها وجدت أنه اكتسب تلك الألفاظ العنصرية وبات يتناولها بكثرة بعدما تداولتها بعض الصفحات في صورة "كوميك – كتابات ساخرة"، مما جعله يعتقد أن ذلك لفظًا عاديًّا يمكن تداوله بشكل طبيعي. وهنا لفتت الكاتبة النظر لخطورة وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت وما تقدمه للأطفال والشباب من معلومات قد تستدرجهم نحو طريق لا عودة منه، ومن هنا تتضح أهمية الصداقة الأبوية التي من شأنها أن تحمي الأبناء من الانجراف وراء كل شيء دون وعي ودون معرفة.
وفي الختام يقدم مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بعض النصائح الموجزة التي تساعد الآباء على حماية أبنائهم من التطرف: 
أولًا: كُنْ صَديقًا لابنك ومرساة أمان له، فالاهتمام بالأبناء لا يعني تقديم وسائل الرفاهية والحماية لهم، بل الأهم من ذلك الاستماع إليهم ومصاحبتهم والتعرف على جوانب حياتهم لا من أجل السيطرة عليهم، ولكن ليكون الآباء هم أول من يلاحظ أي تغيُّر غير محمود في سلوكيات أبنائهم، فلو شعر الطفل بالأمان في حديثه مع والديه، فلا شك أنه سيفضي إليهم بكل ما يحدث في حياته، وبالتالي يسمع لكلماتهم الناصحة. 
ثانيًا: احرص على تربية ابنك على تعاليم الدين الحنيف، ومبادئه الوسطية، وفِكره الصحيح بعيدًا عن موجات التطرف والمغالاة، فالدين هو الحامي الحقيقي لأبنائنا من خطر التطرف السلوكي. ونأمل أن تشهد الأيام المقبلة تحركًا اجتماعيًّا نحو مواجهة تلك الظاهرة الخطرة لنستعيد أولادنا ممن اختطفوهم ذهنيًّا وحادوا بهم عن الطريق القويم، ونعيدهم إلى طبيعتهم وفطرتهم البريئة. 


وَحدة الرصد باللغة الإنجليزية

طباعة