العلاقة بين التدين واندماج المسلمين في ألمانيا

  • | الخميس, 23 سبتمبر, 2021
العلاقة بين التدين واندماج المسلمين في ألمانيا

 

Image

 

يعيش في ألمانيا ما يقرب من 6 مليون مسلم، ينتمون بطبيعة الحال إلى المذاهب الإسلامية المختلفة، ويمثل المسلمون السنّة حوالي 74% من إجمالي عدد المسلمين هناك، والباقي من طوائف إسلامية متعددة، مثل الشيعة والعلويين والأحمدية وغيرهم من المذاهب، ودائمًا يتكرر السؤال حول مدى اندماج المسلمين داخل المجتمع الألماني، وهل يؤثر تدينهم على اندماجهم أو لا، وهو ما سيتم إيضاحه فيما يلي وفقًا لدراسة ألمانية حديثة حول هذا الموضوع:

نسبة المهاجرين المسلمين في ألمانيا:

 

Image

 

أكدت دراسة أعدها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بأن عدد المسلمين في ألمانيا يتراوح بين 5.3 و5.6 مليون، وهو ما يمثل نسبة بين 6.4 و6.7 ٪ من السكان، وقد شهدت ألمانيا هجرة أكثر من مليون مسلم إليها خلال الخمس سنوات الأخيرة، الأمر الذي يُسهم في تعزيز التنوع العرقي والمذهبي في أوساط المسلمين، لكن لا يزال المسلمون من أصل تركي يشكلون العدد الأكبر بنسبة 45٪، غير أنهم لم يعودوا يشكلون الأغلبية المطلقة؛ وذلك لانخفاض نسبتهم بشكل كبير مقارنة بعام 2008م حيث كانت 64.4٪، لأن عدد المسلمين من بلدان الشرق الأدنى والأوسط قد ازداد بمعدل فوق المتوسط ​​خلال السنوات الست الماضية ليعيش 1.5 مليون شخص من الدول العربية في ألمانيا، ووفقًا للدراسة فإن ما يقرب من نصف أعداد المسلمين في ألمانيا تقل أعمارهم عن 24 عامًا، كما أن نسبة من يحملون منهم الجنسية الألمانية تلامس الـ 50%.

مستوى تديُّن المسلمين:

 

Image

 

ووفقًا للدراسة فإن الدين يمثل فاعلًا رئيسًا في الحياة اليومية للمسلمين في ألمانيا، حيث يلتزم حوالي 70٪ من المسلمين بالتعليمات الدينية الخاصة بالطعام والشراب، ويحافظ حوالي 39٪ منهم على الصلاة يوميًّا، بينما هناك قرابة 25٪ من المسلمين في ألمانيا لا يصلّون ولا يصومون.

العلاقة بين التديُّن والاندماج:

حظيت قضية تأثير التدين على اندماج المهاجرين باهتمام كبير في النقاش العام في ألمانيا لسنوات، وتم مناقشة العديد من الأسئلة، مثل إلى أي مدى يؤثر التدين أو التعددية الدينية في التماسك الاجتماعي؟ هل يمكن للتعددية الدينية أن تضعف تماسك المجتمع ككل؟ إلى أي مدى يؤثر التدين في مشاركة الأفراد في مجالات الحياة الاجتماعية، وهو ما يسمى الاندماج الاجتماعي؟ هل للدين أو التدين آثار إيجابية أو سلبية على المشاركة في المجتمع؟

اندماج الشباب المسلم داخل المجتمع الألماني:

وفقًا للدراسة التي أجراها مركز الأبحاث التابع للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بعنوان: "حياة المسلمين في ألمانيا 2020م" والتي تم فيها استطلاع (4600) رجل وامرأة من المهاجرين المسلمين ينحدرون من (23) دولة إسلامية، بالإضافة إلى (600) مسلم ليس لديهم أصول مهاجرة؛ أصبحت حياة المسلمين في ألمانيا أكثر تنوعًا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وازداد عدد المسلمين وأصبح اندماجهم أفضل بكثير في المجتمع.

وأكد "هانز إيكارد سومر" رئيس المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، بأن التحليلات أظهرت أن تأثير التديُّن على الاندماج غالبًا ما يكون مبالغًا في تقديره، لأن عوامل أخرى مثل طول الإقامة أو أسباب الهجرة أو الوضع الاجتماعي تؤثر في عملية الاندماج بشكل أقوى من الانتماء الديني، كما تلعب اللغة دورًا مركزيًّا في الاندماج، وتُظهر الدراسات أن المسلمين الذين ولدوا في ألمانيا مهاراتهم اللغوية جيدة جدًّا، خلافًا للمسلمين الذين لم يعيشوا في ألمانيا لفترة طويلة، وفقًا للدراسة؛ فإن كثيرًا منهم بحاجة إلى الالتحاق بالمدرسة والتدريب المهني، لأن نسبة المسلمين الذين ليس لديهم شهادة مرتفعة نسبيًّا.

كما أوضحت نتيجة أخرى للدراسة بأن العديد من المسلمين يشعرون بارتباط وثيق بألمانيا، وأكد "سومر" أن غالبية المسلمين الأعضاء في الجمعيات الإسلامية ناشطون في الجمعيات الألمانية، كما أن ثلثا الذين شملهم الاستطلاع على اتصال بألمانٍ ليسوا من أصول مهاجرة.

مستوى تديُّن شباب المهاجرين وتأثيره على عملية الاندماج:

هل المسلمون أقل اندماجًا كلما كانوا أكثر تدينًا؟

  تشير العديد من الدراسات إلى أن اللاجئين المسلمين الشباب متدينون، وأكدت نتائج دراسة تجريبية أجرتها جامعة إرلانجن نورنبرغ (FAU) وجود تحيز واسع الانتشار ضد تدين اللاجئين، ويرى رئيس المجموعة القائمة على إعداد الدراسة "مانفريد بيرنر" أن تدين اللاجئين الشباب يحمل في طياته إمكانية الاندماج، وبالتعاون مع معهد لايبنيز للمسارات التعليمية في بامبرغ تم إجراء مقابلات مع العديد من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و24 والذين كانوا متواجدين في ألمانيا لمدة تتراوح بين 11 و45 شهرًا وقت إجراء الاستطلاع، وقد جاء معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان.

وتُظهر نتيجة دراسة المقابلة أن معتقدات وممارسات اللاجئين الشباب تغيرت خلال فترة وجودهم في ألمانيا، حيث تغيرت تصورات جميع الذين تم استطلاع رأيهم؛ إذ ذكر 42% منهم أن مستوى تدينهم أصبح أقوى، في حين يرى 15% منهم أن مستوى تدينهم أصبح ضعيفًا، ويرى 42% منهم أن معتقداتهم وطريقة تفكيرهم قد تغيرت، ولا يستطيع عدد كبير من المستطلع رأيهم تخيل شخص دون معتقد ديني على الإطلاق بعد فترة طويلة في ألمانيا، وصرح 44% منهم أنهم بالكاد كانوا يعرفون عن الأديان الأخرى قبل وصولهم إلى ألمانيا.

وقد صرح "مانفريد بيرنر": "قدمت دراستنا التجريبية رؤى أولية حول أهمية التديُّن لللاجئين الشباب، ومن الواضح بالفعل ما للدين من إمكانات إيجابية عالية للتعامل مع الحياة والاندماج وهذا مخالف تمامًا للتصور العام الذي ينظر إلى دين اللاجئين في الغالب على أنه مشكلة". ولذا ينادي "مانفريد بيرنر" بتعميم تدريس الدين الإسلامي في المدرسة، وهذا ما أكدته نتائج الدراسة، حيث ذكرت أن تدريس الدين في المدارس يجب أن يؤخذ على محمل الجد.

ووفقًا لدراسة أخرى أجراها مركز "إيسن" للدراسات التركية، حيث قام بتقييم (33) دراسة حول العلاقة بين الانتماء للدين الإسلامي والاندماج في ألمانيا بعد 11 سبتمبر، تبين أن تأثير تديُّن شباب المهاجرين على الاندماج منخفض نوعًا ما،  وأن أقلية من المسلمين هي التي لديها "مواقف أصولية متطرفة"، وبشكل عام يشعر المسلمون بالانتماء إلى ألمانيا بدرجة لا تقل عن المهاجرين الآخرين، وتوضح الدراسة أن المسلمين في المتوسط ​​أكثر تسامحًا مع الأشخاص من الديانات الأخرى بالمقارنة بالمهاجرين الآخرين، كما أكدت الدراسة أن الشك العام في اندماج المسلمين بشكل خاص هو شك غير مبرر، وهذا يزيد من إحساس المسلمين بالبعد عن المجتمع.

من جانبه يكرر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تسليط الضوء على قضية اندماج المسلمين في المجتمعات، وذلك من خلال تقاريره ومقالاته التي أكدت على أن الاندماج مسئولية مشتركة تقع على عاتق الحكومات والمسلمين المعنيين، ولا يمكن تحميل المسلمين المسئولية الكاملة تجاه تلك القضية. فعلى الرغم من أن الحكومة الألمانية تبذل جهودًا كبيرة في دمج اللاجئين بشكل عام، وهي جهود تستحق الإشادة والتقدير، إلا أنه ما زال يوجد هناك بعض المعوقات. وقد بيّن المرصد في دراساته المعوقات الرئيسة لاندماج المسلمين وغيرهم من المهاجرين؛ والتي من أهمها اللغة، والتمييز في مجالات العمل والدراسة، والقبول المجتمعي، والخطاب المتطرف بكل أنواعه وصوره، وغير ذلك من المعوقات الأخرى. في حين لم يكن التديُّن العادي أبدًا أحد تلك المعوقات، بل على العكس يمكن للدين (والحديث هنا عن الإسلام)، أن يلعب دورًا إيجابيًّا في دعم الاندماج؛ حيث ترتكز مبادئ الإسلام وقواعده العامة على قيم التسامح مع الآخر، وقبوله واحترامه والمساواة بين الناس جميعًا، ومنها قول سيدنا علي رضي الله عنه: «النّاسُ صِنْفانِ؛ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ»، وهو ما عملت على إبرازه وثيقة الأخوة الإنسانية، كما يدعو الدين إلى العلم والعمل، وينهى عن التواكل والسلبية، وهما من أهم العوامل المؤثرة بالسلب على الاندماج، ويجب على الجمعيات والمراكز الإسلامية في أوروبا أن تعمل على إبراز تلك القيم للمسلمين، وأن تسهم في تطبيقها على أرض الواقع، وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى ما نادى به فضيلة الإمام الأكبر في أكثر من مناسبة ولقاء؛ حيث دعا فضيلته المسلمين الذين يعيشون في أوروبا إلى الاندماج الإيجابي الواعي في مجتمعاتهم والمشاركة في صياغة وصناعة حاضر ومستقبل البلدان التي يعيشون فيها.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

 

 

 

 

 

 

 

 

طباعة