الإسلام والمسلمون على الخريطة السياسية الألمانية- بين المشاركة والمعالجة

  • | الجمعة, 24 سبتمبر, 2021
الإسلام والمسلمون على الخريطة السياسية الألمانية- بين المشاركة والمعالجة

 تقف ألمانيا على أعتاب انتخابات برلمانية حاسمة تنطلق في 26 من سبتمبر الحالي، وتحتدم فيها المنافسة بين الأحزاب الألمانية لتحديد من يخلف المستشارة أنجيلا ميركل، التي سيطرت على المشهد السياسي الألماني طوال مدة 16 عام، استطاعت خلالها الحفاظ على منصب المستشارية لأربع فترات انتخابية متتالية، والآن بعد أن قررت اعتزال الحياة السياسية، يجري السباق لانتخاب قيادة جديدة لأحد أهم العواصم الأوروبية والعالمية؛ فألمانيا من كبريات الدول المؤثرة عالميًّا على المستوى الاقتصادي والسياسي.

وقد أعلنت ثلاثة أحزاب عن تقديمها مرشحين لمنصب المستشارية؛ وهي: ائتلاف حزبي المسيحي الديمقراطي (CDU) والمسيحي الاجتماعي (CSU) الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، ومرشحه هو السيد أرمين لاشيت Armin Laschet (CDU) حاكم ولاية شمال الراين- وستفاليا الحالي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) ومرشحه السيد أولاف شولتس Olaf Scholz، وزير المالية ونائب المستشارة في الحكومة الائتلافية الحالية، وثالثًا حزب الخضر (Die Grünen) ومرشحته السيدة أنالينا بيربوك Annalena Baerbock، التي تتولى رئاسة الحزب منذ 27 يناير لعام 2018.

ومن أجل أن نفهم طبيعة الوضع السياسي للمسلمين ومشاكلهم في ألمانيا قبيل الانتخابات العامة، تجدر الاشارة في البداية إلى أهم التطورات التي طرأت على المجتمع الألماني بخصوص الإسلام والمسلمين خلال العقد الأخير:

"الإسلام جزء من ألمانيا"

"الإسلام جزء من ألمانيا" كانت عبارة أطلقها الرئيس الأسبق كريستيان فولفChristian Wulf   في ذكرى عيد الوحدة في اكتوبر 2010، وأحدثت منذ ذلك الحين سيلًا من النقاشات والسجالات على المستويات كافة؛ السياسية والاجتماعية والإعلامية، فاعترض البعض ونفى صحة العبارة، وصحح البعض العبارة وقال: "إن المسلمين جزء من ألمانيا وليس الإسلام". مثلت تلك النقاشات في حد ذاتها مؤشرًا واضحًا على تحول كبير في نظرة المجتمع الألماني للمسلمين واعترافه بدورهم وأهمية اندماجهم، لدرجة أنه يمكن القول أن واقع المسلمين بعد ذلك التصريح اختلف عما قبله. 

ثم جاء عام 2015 واستقبلت ألمانيا أكثر من مليون ونصف لاجئ، معظمهم من سوريا وبلدان إسلامية، مما كان له تأثير ملموس على البنية الديومغرافية للسكان في ألمانيا، إذ قفز عدد المسلمين في البلاد بحوالي 20 في المائة، كما تضاعف عدد المهاجرين المنحدرين من منطقة الشرق الأوسط، مقابل تراجع نسبة الأتراك من عدد السكان المسلمين الإجمالي في ألمانيا من 67 إلى 50 في المائة، بحسب إحصاءات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، وأصبحت مشاهد رؤية الحجاب في الشارع والسؤال عن الأطعمة الحلال وسماع اللغة العربية، وغير ذلك من المظاهر التي لها علاقة بالوجود الإسلامي - مألوفةً للمواطن الألماني أكثر من أي وقت مضى.

مسلمون- صانعو قرار في ألمانيا (المشاركة)

يعيش في ألمانيا حوالي خمسة ملايين ونصف مليون مسلم، يحق لنصفهم المشاركة في الانتخابات العامة التي تجري يوم 26 سبتمبر 2021.

 

لكن ما هي نسبة المسلمين المشاركين في صنع القرار في الدوائر السياسية الألمانية!؟

يبلغ عدد النواب المسلمين في البرلمان الألماني (البوندستاغ-Bundestag) الحالي اثنين فقط، وهما ينتميان لحزب الخضر، وقد وصل عددهم في بعض البرلمانات السابقة إلى 6 أعضاء، وكانوا في الغالب ينحدرون من أصول تركية مهاجرة، ولم ينتم أحدهم إلى أحزاب الائتلاف الحاكم الرئيسة وهي حزبي (CDU) و(CSU) إلا مرة واحدة، حيث كانت السيدة سميل جيوزوف Cemile Giousouf أول عضو مسلم داخل البرلمان الألماني عن الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) في انتخابات2017. إلا أن أعلى منصب على المستوى الاتحادي تولاه مسلم، أو شخص ينحدر من أصول تركية مهاجرة، كان منصب مفوض الحكومة الاتحادية لشئون الهجرة، والذي تقلدته السيدة آيدان أوزغوز Aydan Özoğuz (الحزب الاشتراكي الديمقراطي- SPD) وذلك بين أعوام 2013-2018.

أما على مستوى الولايات، فقد أحدث انتخاب السيد صادق خان Sadiq Khan عام 2016 لمنصب عمدة مدينة لندن، بوصفه أول بريطاني مسلم يتولى عمدية عاصمة المملكة المتحدة، ضجة كبيرة على المستويات السياسية والإعلامية كافة ، مما حدا بالصحف ووسائل الإعلام الألمانية إجراء مقارنة مع الوضع في ألمانيا، وبالمقارنة نجد أن هناك عددًا قليلًا من المسلمين أو من المنحدرين من أصول مسلمة- تركية- مهاجرة نجح في تولي منصب عمدة بعض البلديات والمدن الصغيرة في الولايات الألمانية؛ وهم السيدة خديجة قراHatice Kara  والتي كانت أول مسلمة في تاريخ ألمانيا تشغل منصب عمدة بلدية، حيث عملت عمدةَ إحدى المدن الصغيرة في ولاية  شليسفيغ هولشتاين  Schleswig-Holstein عن الحزب (الاشتراكي الديمقراطي-SPD)  وذلك من 2012 حتى 2018، والسيد خليل أوزتاش  Halil Öztas  عمدة بلدة Heusenstamm الصغيرة الواقعة بالقرب من مدينة فرانكفورت وذلك عام 2015 عن الحزب (الاشتراكي الديمقراطي-SPD ).

وفي مطلع عام 2020 رفض الحزب المسيحي الاجتماعي(CSU) في مدينة فالرشتاين(Wallerstein)  دعم مرشح مسلم لمنصب رئيس بلدية، وهو السيد شانر شاهين Şener Şahin، أحد أعضاء الحزب النشطين، لا لشيء إلا لأنه مسلم، مما أجبره على سحب طلبه للترشح لمنصب العمدة عن حزب CSU، وقد أحدث ذلك ضجة واسعة وخيبة أمل لدى بعض الدوائر السياسية، ودافع البعض عن عدم دعم الحزب للمرشح المسلم، بأن الحزب المسيحي الاجتماعي حزب محافظ يقوم برنامجه على تلك الخلفية الدينية المسيحية المحافظة، غير أن الحزب عاد بعد ذلك وأعلن عن دعمه لأول مرة في تاريخه  أحد أعضاء الحزب المسلمين وهو السيد أوزان اييباش Ozan Iyibas لمنصب عمدة مدينة نويفارين Neufahrn وهي مدينة صغيرة تقع بالقرب من مدينة ميونيخ، وهو يشغل الآن المنصب.

 غير أن المدينة الأكبر والأهم في هذا السياق هي مدينة هانوفر، حيث فاز بيليت أوناي Belit Onay حزب (الخضر-Die Grünen) في انتخابات رئاسة مدينة هانوفر في عام 2019 ، وهو بذلك أول سياسي مسلم من أصل تركي يتولى رئاسة مدينة كبيرة في ألمانيا.  وعلى صعيد الولايات أيضًا  فإن أيغول أوزكان Aygül Özkan (الحزب المسيحي الديمقراطي-CDU) كانت أول وزيرة مسلمة في تاريخ  ألمانيا، حيث شغلت منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة ولاية سكسونيا السفلى من 2010 حتى 2013.

المسلمون وقضاياهم على أجندة الانتخابات العامة الألمانية (المعالجة):

كيف جاءت القضايا ذات الصلة بالإسلام والمسلمين في برامج الأحزاب للانتخابات المزمع إجراؤها في 26 من سبتمبر الحالي؟

نحاول في السطور التالية الإجابة على هذا السؤال:

أولًا: ائتلاف حزبي المسيحي الديمقراطي (CDU) والمسيحي الاجتماعي (CSU).

يمكن القول إن البرنامج الانتخابي للحزب لم يتغير كثيرًا فيما يتعلق بقضايا الإسلام والمسلمين عما كان عليه عام 2017، حيث يتطرق البرنامج إلى قضايا المسلمين من خلال المسائل التالية:

  1. مكافحة العداء للإسلام (الإسلاموفوبيا)، باعتباره خطرا داهمًا، لا يهدد حياة المسلمين وحدهم، ولكنه يهدد وحدة المجتمع الألماني واستقراره وأمنه.
  2. مكافحة "الإسلاموية" بكل قوة وعدم التسامح معها.
  3. الاندماج، ذكر البرنامج أن كل من يعيش في ألمانيا هو جزء من "مجتمعنا"، ولكن لهذا الغرض، يجب على الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة تلبية متطلبات معينة، مثل "الالتزام بالقيم والمعايير الأساسية لألمانيا، ودستورها، وقوانينها، ومؤسساتها، وتاريخها، ولغتها وثقافتها". كما تم التأكيد على أهمية دعم تدريب الأئمة في ألمانيا، مع تشديد الرقابة على تمويل مراقبة مصادر تمويل المراكز والجمعيات الإسلامية، من أجل تحقيق المزيد من الشفافية.

على أن البرنامج لم يتطرق بشكل مباشر إلى المشكلات الحياتية والاحتياجات المحددة للمواطنين المسلمين.

ثانيًا: الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)

رغم أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي هو حزب المهاجرين الكلاسيكي، إلا أن برنامج الحزب الانتخابي لم يتطرق إلى قضايا المسلمين بشكل واضح، حيث لم يرد فيه مصطلح الإسلام، ولكن الحزب أكد على ضرورة محاربة "الإسلاموفوبيا"، وذلك في سياق حديثه عن أهمية مكافحة كل التوجهات العدائية للآخر المختلف، وأشار إلى تبنيه سياسة إنسانية تضامنية مع اللاجئين وحرصه على العمل ضد التمييز والتحريض الشعبوي وكذلك تحسين تكافؤ فرص العمل، كما أن الحزب لم يتطرق إلى قضية اندماج المسلمين وكيفية التعامل معها في معرض حديثه عن الإجراءات والتدابير الضرورية لاستيعاب المهاجرين.

ثالثًا: حزب الخضر (Die Grünen)

ينطلق حزب الخضر في برنامجه الانتخابي من التأكيد على حقيقة أن الإسلام أصبح جزء من واقع الحياة في ألمانيا، وعلى الدولة ألا "تميز أو تفضل أي دين عن دين آخر"، ولذا يتطرق البرنامج إلى القضايا التالية فيما يخص الإسلام والمسلمين:

  1. مكافحة الإسلاموفوبيا، حيث يحذر الحزب من تزايد حدة العداء للإسلام، ويؤكد في هذا السياق على ضرورة مواجهة التمييز الذي يتعرض له المسلمون في سوق العمل، وضرورة توفير برامج حماية لهم، خاصة بعد الاعتداءات التي يتعرضون إليها، وذكر الحزب اعتداءات مدينة هانو التي وقعت العام الماضي وراح ضحيتها تسعة أفراد من خلفيات مهاجرة كدليل على أهمية توفير الحماية.
  2.  تدريب الائمة، دون التعاون مع الجمعيات الدينية الإسلامية مثل جمعية DITIB. وبديلًا عن ذلك يريد الخضر "إنشاء ودعم برامج التعليم الديني والتدريب الإضافي للأئمة بالتعاون مع معاهد الدراسات والعقيدة الإسلامية الموجودة في ألمانيا ". وإضافة إلى ذلك، يريد الخضر دعم الجمعيات والمراكز الدينية الإسلامية من خلال عقد اتفاقيات حكومية معهم بشرط استقلالهم المادي والسياسي عن أي جهة سياسية داخلية أو خارجية.

ومن الجدير بالملاحظة أن البرنامج لم يتطرق إلى قضايا الإسلام السياسي أو مكافحة الإسلاموية، وركز بشكل أكبر على مشاكل المسلمين اليومية والتمييز في سوق العمل.

 رابعًا:  الحزب الديمقراطي الحر (FDP)

لم يتطرق الحزب في برنامجه الانتخابي إلى مكافحة العداء للإسلام صراحة أو إلى قضايا المسلمين الحياتية، وإن كان تحدث عن مناهضة العداء للأجانب بشكل عام، لكن على الجانب الآخر ركز على أهمية مكافحة الإسلاموية بكل قوة، كما يدعم الحزب مواصلة دعم تدريب الائمة ودعم المسلمين الليبراليين، مع رفضه التعاون مع الجمعيات الإسلامية وضرورة تشديد الرقابة على تمويل الجمعيات الإسلامية.

خامسًا: حزب اليسار  (Die Linke)

يلفت حزب اليسار الانتباه في برنامجه الانتخابي إلى العداء المتزايد للإسلام والتهديدات والهجمات على المسلمين والمساجد التي أصبحت "شائعة ويومية" في ألمانيا، ويؤكد في هذا السياق على أن العنصرية ضد المسلمين وجميع أشكال العنصرية الأخرى "يجب ألا يكون لها مكان في المجتمع"، ويقول الحزب: إنه سيدافع عن المسلمين إذا تعرضوا للتمييز على أساس دينهم. إضافة إلى ذلك يدافع الحزب عن حق تقرير المصير للمرأة المسلمة، ويعارض فرض حظر عام للحجاب ويرفض أي تقييد لحقوق العمل على هذا الأساس. كما نبه الحزب في معرض حديثه عن مكافحة العداء للآخر إلى مكافحة الأصولية الدينية.

وهو يشبه ذلك إستراتيجية حزب الخضر نفسها فيما يتعلق بمعالجة قضايا الإسلام والمسلمين.

سادسًا: حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)

يعتبر البرنامج الانتخابي لحزب البديل من أجل ألمانيا (يميني شعبوي) أكثر البرامج التي تعرضت لقضايا الإسلام والمسلمين بشكل سلبي، لدرجة أنه خصص فصلًا كاملًا في البرنامج الانتخابي تحت عنوان "الاسلام" تحدث فيه  بشكل عدائي واضح للإسلام والمسلمين.

وأخيرًا يمكن القول إن تغييرًا وتطورًا كبيرًا طرأ على الساحة الألمانية، وهو أن قضايا الإسلام والمسلمين أصبحت جزءًا من مشاكل الحياة اليومية في ألمانيا، وهو ما انعكس على برامج الأحزاب بالسلب (مثل برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا) وبالإيجاب، بنسب متفاوتة، في برامج الأحزاب الأخرى، وبشكل عام حصرت البرامج الانتخابية للأحزاب قضايا المسلمين في قضيتين أساسيتين؛ وهما مكافحة الإسلاموية والعداء للإسلام (الإسلاموفوبيا)، غير أن مشاكل المسلمين الحياتية لم تحتل المكانة المناسبة لها في البرامج الانتخابية للأحزاب، وإن كانت بعض الأحزاب عالجتها ولكن بشكل مقتضب لا يتناسب مع حجم المشكلة على أرض الواقع  ودون تفصيل في آليات المعالجة.

ويظل وضع المسلمين تحت طائلة الشك العام، والذي يستثمر في تغذيته اليمين المتطرف بكل قوة، المشكلة الأبرز التي تواجه المسلمين في حياتهم اليومية، وعلى أثرها يتعرض الكثير منهم للتمييز والعنصرية في شتى مجالات الحياة (الدراسة، والعمل، والسكن، والشارع).

ولذا يأمل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من الحزب أو الائتلاف الحزبي الذي سينجح في الانتخابات أن يعمل على السيطرة على هذه الإشكالية من خلال تشريعات وقوانين واضحة تدعم مكافحة التمييز بحق المسلمين في الوظائف وشتى مجالات الحياة العامة وتجرم خطاب اليمين المتطرف العدائي، ومن الناحية الأخرى يدعو المرصد المسلمين في ألمانيا إلى المشاركة في القضاء على هذه الظاهرة السلبية من خلال الاندماج الواعي والبنّاء في المجتمع، ومن ثم المشاركة بقوة في الانتخابات وكل الفعاليات السياسية والاجتماعية.

طباعة