زيارة الإمام الأكبر للعراق نوفمبر المقبل.. تحديات وغايات

  • | الإثنين, 27 سبتمبر, 2021
زيارة الإمام الأكبر للعراق نوفمبر المقبل.. تحديات وغايات

     بدا في الوقت الراهن أن المواجهة التقليدية للتطرف بالرد على الشبهات التي تثيرها التنظيمات المتطرفة والإرهابية لا تفي بالغرض كاملًا ولا تلبي جميع الاحتياجات العملية والمعرفية للمجتمع، الأمر الذي يفرض على المؤسسات المعنية أن تنوع في الأساليب التي من شانها أن تُخرج من المنتجات العلمية والإجراءات العملية ما يغطي احتياجات المجتمعات المتنوعة في شتى بقاع العالم، ولمَّا كان الأزهر من ضمن المؤسسات التي تعمل على هذا الملف المهم والخطير، وهو مكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة، رأى الأزهر الشريف أن يجدد من وسائله في مكافحة الفكر المتطرف؛ باستحداث آليات جديدة من شأنها الاشتباك أكثر مع الفكر المتطرف، ويأتي على رأس هذه الأمور -الآن- "زيارة فضيلة الإمام الأكبر إلى العراق" المرتقبة خلال الشهور القادمة، وتأتي هذه الزيارة في وقت بدأ العراق فيه دخول مرحلة جديدة لما بعد تنظيم داعش الإرهابي، لا سيما بعد "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، والذي تم الاتفاق فيه من قبل الدول المشاركة على تقديم أوجه الدعم للعراق؛ لخلق حالة من الحوار والعمل المشترك.

إن زيارة الإمام الأكبر للعراق تأتي في إطار المشتركات الكثيرة بين الشعب المصري والعراقي، كما تأتي بعد زيارة البابا فرنسيس للعراق في مارس الماضي والتي قال عنها الإمام الأكبر: "زيارة أخي البابا فرنسيس التاريخية والشجاعة للعراق العزيز تحمل رسالة سلام وتضامن ودعم لكل الشعب العراقي". هذا يعني أن بنود وثيقة الأخوة الإنسانية ستكون حاضرة وبقوة في الزيارة التاريخية لفضيلة الإمام الأكبر لهذا البلد الذي هو في أمسِّ الحاجة إلى إعلاء روح الأخوة الإنسانية؛ لمواجهة التحديات المعاصرة.

إن زيارة شيخ الأزهر الشريف تحمل العديد من الدلالات، والتي منها أنه لا يقف بمنأى عن التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية، بل إنه يعاين الواقع عن قرب ليقف على التحديات والاحتياجات من جهة، كما يساهم في مسيرة الاستقرار والحوار والأمن الفكري لمجتمع نالت من وحدته واستقراره قوى الشر وتنظيمات التطرف والإرهاب من جهة أخرى، وهو الأمر الذي صرح به رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، الخميس الماضي الموافق 16 سبتمبر 2021م حين التقى مع فضيلة الإمام بمشيخة الأزهر الشريف بالقاهرة، حيث قال: "العراق يعول كثيرًا على زيارة شيخ الأزهر، وستكون زيارة تاريخية؛ لدعم العلاقات الأخوية بين القاهرة وبغداد".

إن تصريحات فضيلة الإمام حول هذه الزيارة تنبئ أنها ستكون زيارة مختلفة عن كل زيارات فضيلة الإمام، ووجه اختلافها يعود إلى سببين:

الأول: أن تنظيم داعش الإرهابي بدأ نشأته من العراق حتى احتل فيها مُدنًا بأكملها، الأمر الذي جعل العراق من أكثر البلاد تضررًا بالإرهاب على المستويات كافة.

الثاني: المكون العِرقي لشعب العراق؛ حيث يتمتع العراق بمكون مجتمعي مختلف إلى حد كبير، ففيه يعيش السنة والشيعة، والمسيحيون واليهود، والأكراد والأيزيديون ..."، الأمر الذي من الممكن أن يشكل ثراء فكريًّا وثقافيًّا كبيرًا للعراق كما كان من قبل في تاريخه.

مما يعني أن هناك تحديات كبيرة جدًّا أمام كلِّ الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن الفكري للعراق، مما يستدعي بذل جهود غير عادية للقضاء على توابع الفكر المتطرف، لا سيما مع الفجوة التي صنعها تنظيم داعش الإرهابي بين الأعراق والفصائل الذين عاشوا جنبًا إلى جنب في العراق على مدار قرون عديدة.

إن فضيلة الإمام حين قال عن العراق: " أتوق لرؤية بلد ومدن لطالما تعلقت بفكر شيوخها وعلمائها وجهودهم في خدمة العلم والدعوة"، فإنه يريد أن يلفت أن عراق الفكر والثقافة والعلم هو البلد الذي سكنه الكثير من علماء الإسلام الذين نشروا معاني التسامح والأخوة وقيمهما؛ ففيه عاش الحسن البصري، والإمام أبو حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، والجنيد البغدادي، وإمام أهل السنة "أبو الحسن الأشعري"، وغيرهم من أئمة المسلمين الذين حاربوا الغلو والتشدد والانحراف الفكري والسلوكي بأشكاله كافة.

إن مرصد الأزهر إذ يؤمن أن الإرهاب لا وطن له ولا دين له، ولا يمكن بأي حال نسبته إلى قطر معين أو شعب محدد، فإنه يرى أن هذه الزيارة الشجاعة والتاريخية لفضيلة الإمام من شانها أن توضح واجب الأزهر الشريف نحو الأشقاء، كما تأخذ شكلًا غير نمطي في مواجهة الأزهر الشريف الشاملة للفكر المتطرف، ويرى المرصد أن هذه المواجهة أمامها العديد من التحديات، منها:

- الردود على الأفكار المتطرفة وبيان زيفها وبعدها عن الإسلام الحنيف.

- تحصين أفراد المجتمع من الانخراط في التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.

- إعداد علماء وأئمة على قدر من الوعي والثقافة؛ لمواجهة هذه الأفكار، ولكي يمثلوا حائط صد أمام أية أفكار وافدة على المنهج الحنيف.

- توحيد الصف وإعلاء روح الإخوة الإنسانية وإزالة الترسبات الموجودة في نفوس بعض مكونات المجتمع.

- إضافة إلى بحث سبل المعالجة الفكرية للأطفال والنساء الذين نشأوا تحت وطأة التنظيم المتطرف، وخاصة في مخيمات اللاجئين.

 كما يُتوقع أن تفرز هذه الزيارة العديد من القرارات المهمة من قلعة الوسطية والاعتدال، وأن تكون امتدادًا للتعاون واللقاءات بين مدينتين من أعرق مدن الحضارة والثقافة في العالم أجمع هما (القاهرة وبغداد)، والله نسأل أن يكلل هذه الجهود بالنجاح والسداد، وأن يطهر العالم من التطرف والإرهاب، وعلى الله قصد السبيل وهو وحده الهادي إلى صراط مستقيم.

وحدة الرصد اللغة العربية

طباعة