"الطائرات بدون طيار" استراتيجة داعش الجديدة في تنفيذ هجماته الإرهابية

  • | الإثنين, 29 نوفمبر, 2021
"الطائرات بدون طيار" استراتيجة داعش الجديدة في تنفيذ هجماته الإرهابية


         لا تألو التنظيمات المتطرفة جهدًا في استخدام الوسائل التقنية ‏والتكنولوجية الحديثة في سبيل تنفيذ مخططاتها الإرهابية وتسهيل وصولها إلى الأماكن الأكثر ‏أمنًا وتحصينًا، خاصة في أوروبا، وقد لاحظ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في الفترة الأخيرة أن ‏تنظيم داعش الإرهابي اتجه نحو استخدام أساليب وأدوات بسيطة ولكن مبتكرة، وذلك بسبب قلة موارده والعناصر ‏المتطرفة المنفذة للهجمات الإرهابية، ومن خلال المتابعة تبين أن تنظيم داعش الإرهابي يميل أكثر إلى ‏تنفيذ هجمات ذات طابع عشوائي بطرق سهلة وأدوات بسيطة وغير مكلفة، مثل: الطعن ‏بسكين، وعمليات الدهس بالشاحنات في الأماكن المزدحمة، أو استخدام قنابل محلية الصنع صممها المتطرفون بأنفسهم. ‏أما المناطق التي لديه فيها وجود حقيقي، مثل: العراق وسوريا ودول الساحل وأفغانستان، يلجأ التنظيم لى استراتيجية حرب العصابات، المتمثلة في الهجوم والاختفاء، مما يعطيه نتائج جيدة في نشر الإرهاب وزحزحة الأمن واستقرار البلاد. وفيما يتعلق بالغرب، فإن الخطط الإرهابية تقوم بشكل رئيسي على "الذئاب المنفردة"، أو عن طريق تسلل عناصره المتطرفة إلى أوروبا عن طريق الهجرة غير الشرعية.  
وبالتزامن مع التطور التكنولوجي في العصر الحديث، تصاعدت المخاوف الأمنية من وقوع بعض الأسلحة المتقدمة في أيدي التنظيمات المتطرفة، مثل "الطائرات بدون طيار"، والتي تتيح ‏للتنظيم تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية دون فقد أي من عناصره، وبتكاليف مالية زهيدة، وتحقيق عدة أهداف استراتيجية في زمن قياسي، وفي هذا الإطار، تابعت وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر عددًا من الإشارات ‏والتوجهات التي تؤكد وجود تغيير في استراتيجية تنفيذ الهجمات ‏الإرهابية للتنظيم مؤخرًا، والتي اعتمدت بشكل ملحوظ على استخدام تلك "الطائرات". ومن المعلوم أن هذه الطائرات تستخدم في مهام عسكرية وأمنية واقتصادية عديدة، وتكمن الخطورة عندما تتحول هذه الأداة إلى  وسيلة للقتل على أيدي الإرهابيين والمجرمين.

وفي هذا السياق، أفادت صحيفة "لاراثون" الإسبانية بتاريخ 9 نوفمبر 2021م أن التنظيمات المتطرفة مثل "داعش" و"القاعدة" يدرجان في كُتيباتهما الإرشادية للمتطرفين تعليمات لكيفية استخدام هذه الأجهزة، سواء كانت بخصوص مهاجمة أهداف محددة أو كعنصر للمراقبة والدعاية. كما أعلن تنظيم داعش الإرهابي خلال شهري يونيو ويوليو من عام 2021م مسئوليته عن تدمير وحدة توليد كهرباء في "سامراء" وعدد كبير من الأبراج المختصة بنقل الكهرباء في "كركوك" باستخدام "الطائرات بدون طيار". 
وقد لاحظ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف استهداف التنظيم للشبكات الكهربائية ومحطات توليد الكهرباء عن طريق استخدام "الطائرات بدون طيار"، ونشره أخبارًا تفصيلية عن كيفية تنفيذ عناصره الإرهابية لعمليات تفجير أبراج الضغط العالي عبر منصاته الإعلامية المختلفة، وذلك وفق ما جاء في صحيفة "لا راثون" الإسبانية في 6 نوفمبر 2021م. ويهدف التنظيم بذلك إلى ضرب اقتصاد الدول، واستغلال التغطية الإعلامية المصاحبة لهذه العمليات في بث صورة وهمية عن قدرات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" الذي طالما برع في استخدام الآلة الإعلامية في تسويق جرائمه.
 وبتحليل المرصد لبيانات وأخبار التنظيم الإرهابي، تبين اعتماده في تنفيذ عملياته على الطائرات بدون طيار، الأمر الذي شكل مصدر قلق للمواطنين؛ لكونها وسيلة سهلة تتيح للإرهابيين عمومًا على اختلاف انتمائهم التنظيمي تنفيذ هجمات إرهابية في العمق.

وباعتبار إسبانيا من الدول الأوروبية الرائدة في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، فقد تنبهت الأجهزة الأمنية الإسبانية إلى  الخطورة التي تشكلها "الطائرات بدون طيار" على الأمن القومي للعديد من الدول حال استخدام التنظيمات الإرهابية والإجرامية لها. وتأكيدًا على هذا، أشارت جريدة "بوث بوبلي" الإسبانية في 7 يونيو 2020م إلى تحذير الأمن الوطني الإسباني في تقريره السنوي لعام 2019م من احتمال وقوع هجمات إرهابية على الأراضي الإسبانية باستخدام "الطائرات بدون طيار" وذلك في ظل تحول هذه الظاهرة إلى خطر حقيقي. كما طالب التقرير بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب خطرها، خاصة مع ازدياد التهديدات التي تمثلها هذه النوعية من الطائرات، وابتكار بعض الحلول والأنظمة المضادة لتلك الطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد لمنع اختراقها المجال الجوي للدول.

وتصديقًا للتخوفات الأمنية بشأن هذا السلاح، تمكنت قوات الحرس المدني الإسباني من القبض على متطرف داعشي كان ينوي في مايو 2020م ارتكاب هجوم إرهابي باستخدام طائرة بدون طيار مع عبوة ناسفة مرفقة بها وتفجيرها داخل ملعب برشلونة لكرة القدم "كامب نو"، عندما كانت المدرجات مكتظة بالجماهير، وفق ما جاء في جريدة "لا راثون" الإسبانية بتاريخ 14 يوليو 2020م. وذكرت التحقيقات أن المتطرف تلقى أوامرًا صريحة من قيادة التنظيم بتنفيذ الهجوم، الأمر الذي يؤكد نية التنظيمات المتطرفة استخدام هذا النوع من الأجهزة التي يسهل الحصول عليها دون احترازات من الجهات الأمنية. 
وعلى صعيد المحاكمات القضائية لمجابهة هذه الاستراتيجية والحد من خطورتها، طالب المدعي العام الإسباني في مارس 2020م بتوقيع عقوبة بالسجن لمدة (١٧) و(٧) سنوات على زوجين بتهمة إنشاء مجموعة من الشركات لدعم وتمويل تنظيم "داعش" الإرهابي، فضلًا عن تسهيل شحن الطائرات بدون طيار إلى سوريا، وفق ما ذكرته جريدة "لا بانجوارديا" الإسبانية في 1 مارس 2020م. وأفاد المدعي العام أن الزوجين شاركا في توصيل المواد التكنولوجية إلى تنظيم داعش الإرهابي، مثل: الكابلات والبطاريات والماسحات الضوئية، وكاشفات التردد، ومنتجات التحكم اللاسلكي المستخدمة في هجمات الطائرات بدون طيار.
وفي هذا الصدد يمكن التأكيد على أن "الطائرات بدون طيار" تعد سلاحًا ذا حدين، فكما تستخدمه التنظيمات الإرهابية في تنفيذ هجماتها، فإن الأجهزة الأمنية لبعض الدول -من بينها إسبانيا- تستخدمه كوسيلة للمكافحة، حيث أشار خبراء مكافحة التطرف في إسبانيا لجريدة "لا راثون" الإسبانية في 14 يناير 2020م إلى أن الهدف الرئيس لتنظيم داعش، كان إنشاء منطقة حرة بين مالي والنيجر، من خلال مهاجمة المواقع الحدودية في كلا البلدين بشكل مستمر، كي يتمكن من الاستقرار في هذه المنطقة كقاعدة له؛ تمكنه من شن هجمات ضد أوروبا؛ لذا، برز من بين التدابير الوقائية التي يمكن أن تمنع وقوع مثل هذه الهجمات الانتشار الدائم للطائرات بدون طيار في مناطق الغابة، وخاصة في النيجر.
 وعلى المستوى الأوروبي، قررت المفوضية الأوروبية في ديسمبر 2020م تخصيص (٢٣) مليون يورو لتعزيز حماية دور العبادة والأماكن العامة الأخرى ضد الهجمات الإرهابية المحتملة، منها (٣) ملايين يورو لدعم مشروع اختبار الحلول الممكنة لمواجهة التهديدات الإرهابية الناتجة عن استخدام الطائرات بدون طيار، وفقا لما نشرته جريدة "لا بانجوارديا" الإسبانية في 21 ديسمبر 2020م. 
من جانبه يرى مرصد الأزهر أنه من الضروري متابعة ومراقبة التطور التكنولوجي فيما يخص صناعة "الطائرات بدون طيار"، وكيفية وصولها لهذه التنظيمات، والضغط على التنظيمات المتطرفة ومحاصرتها من خلال العمليات الأمنية المكثفة خاصة تنظيم داعش، الذي أثبت أنه يختلف عن كل التنظيمات المتطرفة في الدعاية التكنولوجية والترويج لها، وقدرته على استقطاب عناصر جديدة، ويدعو المرصد إلى ضرورة تشديد الإجراءات الأمنية على المنشآت العامة والحيوية، ونشر التوعية بين جميع أفراد المجتمع حول مخاطر الانسياق وراء الدعوات الخداعة التي تبثها التنظيمات الإرهابية على وجه العموم عبر المنصات الإعلامية المختلفة.  


وحدة الرصد باللغة الإسبانية
 

طباعة