مسوغات الحرب في الإسلام

  • | الخميس, 2 ديسمبر, 2021
مسوغات الحرب في الإسلام

      حرص الإسلام على حماية الفرد والمجتمع، واعتبر مبدأ السلام هو الأصل الذي تتعامل به الشعوب، وأمَّا الحرب فلظروف خاصة؛ ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول لصحابته فيما رُوي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي بَعْض أَيَّامه التي لَقِيَ فيها العدو انتظر، حتى إذا مالَتِ الشمس قام فيهم، فقال: "أَيُّها الناس، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدُوِّ، وَاسْأَلوا الله الْعافية " [متفق عليه].
ففي هذا الحديث نهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن تمني لقاء العدو؛ لأن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وعليه فإن المسلم الحق لا يبادر بالقتال، لكننا لو أردنا استقراء الأسباب الموجبة للحرب في الإسلام سنجدها لا تخرج عن هذه الأسباب:
السبب الأول: حالة الدفاع:
          يقول الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ} [الحج: 39، 40]، وما يفهم من هذه الآية أن المسلمين مأذون لهم في القتال، وذلك بعد ان يقاتلهم الأعداء، وساعتها لا بد من الدفاع عن النفس والأرض والدين، فعلة القتال واضحة في هذه الآية.
بل إنَّه سبحانه وتعالى قد أكد على هذا السبب في غير هذه الآية، نرى ذلك في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، فالأمر بالقتال في هذه الآية قد جيء إيذانا به بعد أن يقوم العدو أولًا بمقاتلة المسلمين؛ وقد ذيل سبحانه وتعالى الآية بقوله: {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] أي قاتلوا الذين يباشرون قتالكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان ومن لم يرفع عليكم السلاح، ويُفهم من الآية كذلك أنه تعالى لا يُحبُّ المعتدين، وبهذا تظهر رحمته تعالى بكل البشر.
ومما يجب التنبه إليه أنَّ حالة الدفاع عن الدين أو الدولة إنما يشمل مقاتلة أي معتدٍ؛ بمعنى أنه إذا اقتضت الحرب اعتبارات تتعلق بسلامة الدولة وأمنها؛ فلا بد من الدفاع حتى لو كان من نقاتله منتميًا إلى المسلمين.
فقد حارب علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه - طائفة منتمية إلى أهل الإسلام وهم الخوارج؛ وذلك حين بدأوا بسفك الدماء المحرمة، فقد ذكرت الروايات أنهم بعد خروجهم على علي بن أبي طالب وتكفيرهم له ولمعاوية بن أبي سفيان وللحكمين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص، وقاموا بعمليات اغتيال لكثير من الناس كان على رأسهم عبد الله بن خباب بن الأرتّ.
السبب الثاني: الدفاع عن المستضعفين:
وهؤلاء المستضعفين هم الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]؛ فمن الأسباب الموجبة للقتال تخليص المستضعفين ورفع العذاب والمعاناة التي يعيشون فيها، وعلى سبيل المثال، ففي أثناء فتح مصر على يد عمرو بن العاص حدثت مواجهات بين جيش المسلمين وبين الجيش الروماني الذي كان حاكما لمصر وقتها، وكان أهل مصر يدينون بالمسيحية، ومع أن الرومان كانوا يدينون بنفس الديانة، فإنهم كانوا على مذهب آخر؛ ولذلك كان الرومان يضطهدون المصريين المخالفين لهم في المذهب، ولقد كانت تلك الاضطهادات معلومة لدى العرب عن الطريق التجار الذين كانوا يفدون إلى مصر، ولذلك وقف أهل مصر بجوار الفاتحين المسلمين لأجل تخليصهم من ذلك الاضطهاد والعذاب.
وبالفعل تم إعادة الأمن والاستقرار إلى مصر، وتخلص شعبها من ذلك المغتصب الذي جثم على صدره عقودًا من الزمن (الرومان)، وقد ساوى عمرو بن العاص بين أهل مصر، وحكم بينهم على هدي من القرآن والسنة، وأعاد "البابا بنيامين" الذي اضطر إلى العيش في الصحراء ما يقرب من 13 عامًا هاربًا من بطش الرومان.
السبب الثالث: حالة نكث العهود والتعاون مع الأعداء:
وهذا السبب لا يقل أهمية عن سابقيه؛ فلقد أنزل الله تعالى آيات تُتلى في شأن بعض الناكثين في قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12]، فحينما دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة عقد معاهدات مع طوائف: (قينقاع، والنضير وقريظة)، أما بنو قينقاع فبعد توقيع المعاهدة معهم لم يتوقفوا عن إحداث الشقاق وإثارة المشكلات بين صفوف المسلمين، بل كانوا مصدر توجيهٍ للمنافقين، وتأييدٍ للمشركين. 
وأما بنو النضير فقد تعاونوا مع المشركين ضد المسلمين، حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد فعل بنو قريظة مثل إخوانهم السابقين، وذلك في غزوة الأحزاب عندما حاصرت قريش وحلفاؤها المدينة قاموا بنقض العهد مع المسلمين وتحالفوا مع المشركين.
وعلى ذلك فهذه هذه الأسباب الموجبة للحرب في الإسلام، وأما الحرب لمجرد الحرب، أو لمجرد السطو والاعتداء وأخذ الأموال والاستيلاء على الأراضي فهي محرمة في الإسلام.
ومن المهم أن نذكر أن الحرب في الإسلام ليس لها سبب ديني، ولقد ظهر ذلك في الأسباب التي ذكرناها، ويمكن ردُّها في النهاية إلى الحرب الدفاعية، أما الحروب الدينية فليس لها وجود منذ وجود الإسلام.

طباعة
كلمات دالة: