حكم الإسلام في قتل نساء وصبيان العدو

  • | الخميس, 14 أبريل, 2016
حكم الإسلام في قتل نساء وصبيان العدو

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم قتل نساء وصبيان العدو استنادا إلى قوله تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها"

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أما بعد:

المبادئ الحاكمة للقضية:

1- الأصل في العلاقات الدولية بين المسلمين وغير المسلمين قائمة على السلم, لا التعدي والحرب قال الله تعالى " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنفال:61), وقال تعالى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً"(البقرة:209).

2- الأصل في المعاملة بين المسلمين وغير المسلمين البر والعدل, قال الله تعالى "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"(الممتنحنة:8).

3- منهج الإسلام في السلم والحرب ينهى عن الغدر والخيانة, فالأصل في الشريعة الإسلامية ألا تقتل النساء والصبيان المقدور عليهم, لانتفاء خطرهم, وعدم الحاجة إلى قتلهم, لكن إذا قاتلوا, وأصبحوا يشكلون خطرا على المسلمين هنا تكون المعاملة بالمثل.

أما المبدأ الأول, وهو أن الأصل في العلاقات الدولية بين المسلمين وغير المسلمين قائمة على السلم, لا التعدي والحرب, فهو مبدأ مقرر عند فقهاء المسلمين.

 قال المرغيناني " وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقًا منهم، وكان في ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها وتوكّل على الله}، «ووادع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين»[1].

وقال الماوردي: "ثم إن الله تعالى أذن في مهادنتهم ومسالمتهم عند الحاجة إليها، فقال تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} [الأنفال: 61] .

وقال تعالى: {إلا الذين عاهدتم} إلى قوله {عهدهم إلى مدتهم} [التوبة: 4]، فوادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - يهود بني النضير وبني قريظة، وبني قينقاع بالمدينة؛ ليكفوا عن معونة المشركين، ويكونوا عونا للمسلمين فكان ذلك من أول عهوده"[2].

أما المبدأ الثاني وهو أن الأصل في المعاملة بين المسلمين وغير المسلمين البر والعدل, فالفقهاء متفقون على أن من لم يؤمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنع أذاه عن المسلمين, ليس لنا أن نكرهه على الدين, كما قال الله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ", بل له البر والإحسان والقسط, فيجوز أن نهدي إليه ونوصي له.

قال المرغيناني: (ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم) فالأولى لقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} [الممتحنة: 8] الآية. والثاني لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة فكذا بعد الممات"[3].

قال شمس الدين ابن قدامة "الوقف لا يصح إلا على بر أو معروف لولده وأقاربه والمساجد والقناطر وكتب الفقه والعلم والقرآن والسقايات والمقابر وسبيل الله وإصلاح الطرق ونحو ذلك من القرب، ويصح على أهل الذمة؛ لأنهم يملكون ملكًا محترمًا وتجوز الصدقة عليهم قال الله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) وإذا جازت الصدقة عليهم جاز الوقف عليهم كالمسلمين، وروي أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقفت على أخ لها يهودي"[4].

أما المبدأ الثالث وهو أن منهج الإسلام في السلم والحرب ينهى عن الغدر والخيانة, فلا تُقتل النساء والصبيان المقدور عليهم.

فالإسلام ليس متشوفا للدماء, ولا حريصًا عليها إلا بما يُدفع به الاعتداء, قال الله تعالى "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" (البقرة:194), فللجهاد ضوابط, وأخلاق, ورقي إنساني, فلا يُعاقب إنسان دون جريرة, ولا يُعتدى على نفس دون ذنب, ولا إهلاك للحرث والنسل.

ومن بين هولاء الأصناف نساء العدو, وأطفالهم, الذين لا يد لهم في قتال المسلمين, ولا في محاربة أولياء الله رب العالمين, فنجد التشريع الإسلامي حازمًا قاطعًا في النهي عن الاعتداء عن هولاء طالما كانوا مسالمين لا أذى منهم, فلا يؤاخَذون بجريرة كبرائهم.

فقتل النساء والصبيان من غير أن يصدر منهم قتال، ومن غير غرض ظاهر في القتال محرم, استدلالا بالآتي:

  • قال ابن عباس –رضي الله عنه- في قوله تعالى: {ولا تعتدوا}  يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان[5].
  • وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلا، ولا امرأة».
  • وقد رُوِيَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في بعض الغزوات: "الحقوا خالدًا، وقولوا له: لا تقتل ذرية، ولا عسيفًا، ولا امرأة، ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة مقتولة؛ فتغير لونه، وقال لمن بالحضرة: ما كانت هذه لتقاتل؟ "[6]

قال ابن عبد البر "وأجمع العلماء على القول بجملة هذا الحديث, ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم؛ لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب"[7].

  • ولأن هؤلاء ليسوا من أهل القتال، فلا يقتلون.

قال النووي "أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا"[8].

 

حكم قتل النساء والصبيان إن قاتلوا أو كانت لهم يد في إيذاء المسلمين:

إن صدر من هولاء الضعفاء تواطؤ على قتال المسلمين ومحاربتهم, ومحاولة هدم الإسلام, أو إيذاء المسلمين, جاز حينئذ أن يُقصدوا بالقتل, دفعًا لشرهم, لأنهم لم يعودوا مسالمين, بل باتوا محاربين.

وهذا محل اتفاق من الفقهاء, فقد قالوا لو قاتل واحد منهم قتل، وكذا لو حرض على القتال، أو دلَّ على عورات المسلمين، أو كان الكفرة ينتفعون برأيه، أو كان مطاعًا، وإن كان امرأة أو صغيرًا, استدلالا بالآتي:

  • فقد ثبت عن عكرمة، قال: «لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف أشرفت امرأة، فكشفت عن قبلها، فقال: ها دونكم فارموها، فرماها رجل من المسلمين، فما أخطأ ذلك منها»[9].
  • وقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال: من قتل هذه؟ قال رجل: أنا يا رسول الله، قال: ولم؟ قال: نازعتني سيفي. قال: فسكت"[10].

وهذا مما تتلقاه العقول, والأفهام بالقبول, حيث إن المرأة التي تُقْتل إنما هي المُقاتِلة.

وبذلك يتضح مسلك الدين الحنيف, تجاه الضعفاء, والنساء والأطفال, فليس الجهاد اعتداءً ولا ظلمًا, ولا إفسادًا وقتلا للأنفس بغير حق, ولا أخذًا لأحد بجريرة أحد, بل هو العدل, والقيم, والرقي حتى في أحلك الظروف, والأوقات, وهي حالة الحرب, فلا يجوز تعمد استباحة مدن عن بكرة أبيها, لما فيها من نساء وصغار لا ذنب لهم, بل ديننا يدعو إلى الحفاظ على كل الأنفس طالما كانت أنفسا بريئة من جرائم الاعتداء, ولم ترتكب محظورًا, قال الله تعالى " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"(المائدة:32).

 

 

 

[1] بداية المبتدي/ المرغيناني، 1/115 ط محمد علي صبح.

[2] الحاوي الكبير/ الماوردي،14/350 ط دار الكتب العلمية بيروت.

[3] بداية المبتدي/1/258

[4] الشرح الكبير/ ابن قدامة، 6/192 ط دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع.

[5] فتح القدير /الشوكاني، 1/220 ط دار ابن كثير بيروت.

[6] مسند أحمد/ 29/151، ط مؤسسة الرسالة.

[7] التمهيد/ابن عبد البر، 16/138 ط وزارة الأوقاف المغربية.

[8] المنهاج شرح صحيح مسلم/ النووي، 12/48 ط دار إحياء التراث العربي بيروت.

[9] سنن سعيد ابن منصور/ 2/311 ط دار الكتب العلمية بيروت.

[10] المعجم الكبير/ الطبراني، 11/388، ط مكتبة ابن تيمية القاهرة.

طباعة
كلمات دالة: