قراءة في مقتل زعيم "داعش" .. هل انتهى التنظيم الإرهابي بموت "القرشي"؟!

  • | الأربعاء, 9 فبراير, 2022
قراءة في مقتل زعيم "داعش" .. هل انتهى التنظيم الإرهابي بموت "القرشي"؟!

     أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس الماضي استهداف عملية عسكرية نفذتها قوات أمريكية خاصة بمكافحة التطرف منزل قائد تنظيم «داعش» الإرهابي أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، بمحافظة إدلب السورية، قائلًا: «بفضل مهارة وشجاعة قواتنا المسلحة، أزحنا عن ساحة المعركة أبا إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم تنظيم داعش، وقد عاد كل الأمريكيين من العملية بسلام».

بقي القرشي كالبغدادي -وإن لم يكن بحجم البغدادي- مقصدًا وهدفًا للقوات الأمريكية وقوات أمنية أخرى في المنطقة تحاول القضاء على ما تبقى من تنظيم داعش الإرهابي، وقد رصدت مكافأة قدرها (10) مليون دولار للمساعدة في القبض عليه.

معلوم أن الزعيم الأول لهذا التنظيم الإرهابي كان "أبو بكر البغدادي"، وقد قتل في غارة جوية شنتها القوات الأمريكية في عام 2019م، وقد بويع لأبي إبراهيم الهاشمي القرشي بعده، وأعلن عن اختياره بواسطة «مجلس شورى التنظيم» في 31 أكتوبر 2019م.

من هو القرشي؟!

 هو أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولي، صاحب الألقاب الرنانة منها (البروفيسور، والمدمر)، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس"، وكان له دور مهم في الإرهاب الذي قام به التنظيم نحو الأقلية الإيزيدية في العراق، وبان من خلاله أنه أحد أخطر منظِّري التوحش الداعشي بحسب ما وصفت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية. وقد اختلف في تاريخ مولده إلا أن أغلب الآراء رجحت أنه ولد عام 1976م ببلدة تلعفر غرب الموصل، على بعد 70 كيلومترًا من الموصل لعائلة تركمانية الأصل.

أما عن مؤهله العلمي فقد تخرج "القرشي" من كلية العلوم الإسلامية جامعة الموصل العراقية، وعمل مجندًا بالجيش العراقي مدة، ثم انضم إلى صفوف تنظيم "القاعدة" الإرهابي، وتولي فيها دور المندوب الديني والقانون الشرعي العام، بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، وفق ما ذكره المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية.

وقد كان "القرشي" من أوائل الداعمين للبغدادي، ففي عام 2014م عند قيام دولتهم المزعومة أعلن دعمه الكامل له وتعهد بالولاء لداعش للسيطرة على الموصل، وسرعان ما أثبت نفسه بين صفوف التنظيم –بحسب ما ورد من تقرير صحيفة الإمارات اليوم- وحظي بثقة كبيرة بين أعضاء داعش بسبب وحشيته، وخاصة بعد القضاء على أولئك الذين عارضو قيادة البغدادي في بداية قيادته.

الأنانية والتلاعب بالمصطلحات

ورد في بيان الرئيس الأمريكي أن "القرشي" قام بتفجير نفسه غير مبال بمن حوله من الضِّعاف في أثناء العملية العسكرية، ما تسبب في مقتل (13) شخصًا على الأقل بينهم (4) أطفال و(3) نساء، حتى نعته "بايدن" بـ«الجبان اليائس» قائلًا: «بينما كان جنودنا يتقدَّمون للقبض عليه اختار الإرهابي في عمل جبان يائس أخير تفجير نفسه دون أيَّة مراعاة لأرواح أسرته أو الآخرين في المبنى، عوضًا عن مواجهة العدالة على الجرائم التي ارتكبها» .. مما طرح تساؤلًا هو أين حَميَّة العربي -فضلًا عن الإسلام- لأهل بيته الذين لا ذنب لهم من الصغار والنساء؟!

والواقع أن هؤلاء لا يفكرون إلا في مصلحتهم الشخصية، لا كما يزعمون في إقامة دولة عادلة يسود فيها الأمن ويُنتصر فيها للضعيف، بل يتخذون من الدين مطية لأهوائهم الخبيثة، وقد ظهر هذا في غير مرة في تقارير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وإصداراته المختلفة، ومجمل ما فيها أن كل من انضم إليهم واستفاق من غفلته، ورجع عن مذهبهم الساقط اللئيم يؤكد أن التنظيم -لا سيما قادته- أبعد ما يكون عن الدين والمبادئ الإنسانية، فلمَ لا يسلم القرشي نفسه لحماية هؤلاء الضعاف من القتل بتلك الطريقة الشنيعة؟! وهم من صدعوا رؤوسنا بالشجاعة والفداء والتضحية من أجل الأمة، واستقطبوا الشباب ودمروا حياتهم بناء على هذه المبادئ والشعارات المدغدغة للمشاعر، خاصة أنه وفق المعلومات المتداولة فإن القوات الأمريكية لم تبادر بالتفجير أو الهجوم حفاظًا على أرواح هؤلاء المدنيين.  

ولقائل أن يقول: إن أتباع التنظيم الإرهابي يعتقدون أن هؤلاء حتى ولو لم يتعرضوا للإيذاء بعد مقتل "القرشي" وتسليمهم فإنهم في "جهاد" وأن "الشهادة" أفضل لهم من هذا الأسر ـ وفق رؤيتهم الخاطئة عن مصطلحي الجهاد والشهادة ـ ويؤيد هذا ما علمناه من زجهم بالأطفال والنساء بل بالحيوانات والطيور في كثير من التفجيرات.

والواقع الذي يفسر لنا هذا بناء على ما سبق من التأكيد على أنهم بعيدون كل البعد عن الدين وتعاليمه ووضوح هذا لمن انضم إليهم، نجد أن إقباله على هذا الفعل لا يخرج عن أمرين:

الأول: أنه يؤمن ويعتقد بأن هذا هو الحق، فالإنسان قد يكذب مرة ويتمادى في الكذب حتى يصدق نفسه بأن هذا الكذب هو عين الصدق، وهو ما يسمى عند علماء النفس باسم تأثير "وهم الحقيقة"، وكما قيل "كرر الكذبة كثيرًا بما يكفي حتى تصبح حقيقة"، وهذه هي القاعدة التي كانت تنسب لجوزيف غوبلز، مسؤول الدعاية السياسية لهتلر في أثناء الحكم النازي.

الثاني: أنه جبُن وخار عزمه - مع إيمانه بفساد مسلكه - وعلم أنه لا نجاة من يد هؤلاء، ولا مسلك للفرار من تحت أيديهم، فأقدم على ذلك الفعل الشنيع غير مبال بالصغار والنساء.

والراجح عندنا الأول؛ لأن الأنسان لا ريب أنه ضنين بنفسه لا يضحي بها إلا بعد اعتقاد عميق بصحة مسلكه، وهو بهذا يشبه قصة "أبي جهل" عندما دعا يوم بدر على النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، قائلًا: «اللهم أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم».

فهذه القصة تجعلك تتوقف طويلًا حول هذا الأمر، فأبو جهل كان يعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم على حق، والشاهد على هذا كثير، فمنها عدم إنكاره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتصف بأنه الصادق الأمين، ويجلى الأمر أكثر من هذا ويؤكده ما دار من حوار بين الأخنس بن شريق وبين أبي جهل في سباق قومه مع بني عبد مناف في رياسة خدمة البيت الحرام وإليك ما روي فيه:

رُوي أن أبا جهل خرج ليلة مستخفيًا من قريش ليستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في داره وهو يقرأ القرآن، فجلس يستمع من الليل حتى أدركه الصباح، وتسلل عائدًا إلى داره، فجمعته الطريق برجلين من قريش -أبو سفيان بن حرب، والأخنس بن شريق- فعلا مثلما فعله من الاستماع للقرآن سرًّا، فتعاهد الثلاثة على ألا يعودوا إلى الاستماع إلى القرآن، لكنهم رجعوا في الليلة الثانية، وجمعتهم الطريق، فتعاهدوا ثانية، وفعلوا مثل ذلك في الثالثة، وتلاوموا من جديد، وعزموا على عدم العودة..! وراح الأخنس يسأل أبا جهل عن رأيه فيما سمع، فقال أبو جهل: «تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه"!

وهو الذي قال أيضًا فيما رواه ابن أبي حاتم: "والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعًا؟!"

وعليه فإن "القرشي" يتشابه مع "أبي جهل" في كون كل منهما كان يعلم بأن ما يدعو إليه هو الكذب، لكن لما تماديا فيه وصار نهجًا لهما صار هو الصدق والاعتقاد بالنسبة لهما، وخلاصة القول إن الشخص الذي يُصاب بما يعرف باسم تأثير «وهم الحقيقة» يعتقد بضرورة صدق ما كان يعلمه من كذب، وصدق فيهم قول الله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [الأعراف:1].

أين إعلام التنظيم من مقتل قائده وما هو مصيره؟!

منذ أن ذاع خبر مقتل القرشي ونحن ننظر ونترقب في إصداراتهم المختلفة خبرًا منهم حول مقتله وهلاكه بالتأييد أو التكذيب فلم نجد شيئًا من هذا! .. فما سر التكتم والتجاهل لخبر مقتله الذي ذاع وانتشر في أرجاء الدنيا؟! وهم من هم في الحملات الإعلامية واستغلالها لمآربهم، والحقيقة أن الأمر لا يخرج عن الاحتمالات التالية:

1) أن هذه الشخصية لم يكن عليها إجماع وهذا للأسباب التالية:

- النظر إليه على أنه خائن؛ ويؤكد هذا ما ذكره المرصد -من خلال تقرير لوحدة رصد اللغة الإسبانية- من مواقفه السابقة عندما كان عضوًا في تنظيم "القاعدة" الإرهابي؛ حيث اعترف على عناصر من التنظيم بعد إلقاء القوات الأمريكية القبض عليه؛ للنجاة بنفسه ما يجعله غير جدير بثقة التنظيم الإرهابي.

ومما يجدر الإشارة إليه أن هذا السبب يؤيد أن تفجير "القرشي" نفسه غير مبال بالصغار كان لأنه دنيء النفس قد تعود الجبن ومارسه غير مرة. 

- أنه تركماني الأصل وليس بعربي حتى يستحق الزعامة.

2) أن التنظيم لإدراكه أهمية الإعلام أراد أن يخفيه على الناس حتى لا يتأثر بموته كما حدث مع البغدادي، وبالتالي يسقط التنظيم الإرهابي من الناحية المعنوية.

3) كذلك من الأسباب التي قد ترد في هذا أنهم لا يريدون إعلان هلاكه إلا مع الإعلان عن قائد جديد يتولى بعده.

وفي المقابل نجد من يشكك في مقتل القرشي، ففي صحيفة رأي اليوم اللندنية نجد أنها نشرت مقالًا بعنوان: «هل قتلت أمريكا خليفة البغدادي فعلًا؟» استبعد فيه كاتب المقال قتل القرشي قائلًا: «لا يوجد أيّ دليل مادي ملموس يؤكد أن القوات الأمريكية اغتالت زعيم تنظيم داعش الجديد القرشي، فلا توجد له أية صورة شخصية، ولم يظهر علانية منذ أن تولى قيادة التنظيم في تشرين الأول / أكتوبر عام 2019م».

وأضاف: «أن العملية التي تتباهى أمريكا ورئيسها جو بايدن بتنفيذها إذا صحَّت، لن تحقق التأثير المطلوب على تنظيم داعش، بل ربما تعطي نتائج عكسية تمامًا من حيث كشفها لعودة التنظيم بقوّة».

وعلى كل يجب أن ننظر إلى مدى تأثير مقتل هذا الزعيم على التنظيم، في البداية لا بد أن نقرر أن تأثير مقتل القرشي ليس كمقتل البغدادي لما أسلفنا من أن شخصية القرشي ليست محل إجماع، إضافة إلى أن التنظيم بعد البغدادي أصبح ضعيفًا من كل النواحي سواء في الموارد البشرية أو المالية، والآلة الإعلامية التي كانت تستجلب له مزيدًا من الشباب، والدليل على هذا اقتحامه للسجون لإخراج عناصره التي يفتقر إليها.

ونظرًا للاختلاف بين مرحلتي القرشي والبغدادي، فإننا نرى أن مثل هذه الحادثة لن تؤثر بالسلب على التنظيم بل على العكس تمامًا ستؤثر عليه بالإيجاب؛ لأنها تكشف عن عودة التنظيم بقوّة مع قائد جديد ربما يكون عليه إجماع لم يكن متوفرًا في سابقه، كما أن التنظيم استطاع أن ينشأ فروعًا له تعمل بشكل لا مركزي ومستقل عن التنظيم الأصل حتى قبل هلاك البغدادي، لذا فإن القوة الحقيقية للتنظيم تتجلى في فروعه التي تعمل تحت لوائه لا سيما المنتشرة في إفريقيا، ويؤكد هذا ما ذكرته صحيفة الأخبار اللبنانية -على لسان علاء حلبي- من أن اغتيال القرشي «لن يؤثّر على عمل خلايا التنظيم .. حيث باتت عناصر داعش تعتمد على تنفيذ عمليات خاطفة يتمُّ تصميمها وتنفيذها من قبَل مجموعات صغيرة ومحدَّدة دون العودة إلى قيادة التنظيم».

وهو ما صرح به محمود عبد اللطيف في الصحيفة ذاتها بأن «القرشي لم يكن شخصية مؤثرة في مسار العمليات التي ينفذها داعش شرق الفرات أو غربه؛ إذ بحسب المعطيات المتوفرة، تعمل الخلايا التابعة للتنظيم بشكل منفصل، ونادرًا ما يتمُّ التنسيق فيما بينها لشنِّ عمليات ضخمة».

ولعل البعض يمكن أن يرى أن التنظيم سيتجه نحو المصالحة والاندماج مع تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي وُلِد «داعش» الإرهابي من رَحِمه، ويمكن الاستشهاد بما حدث في أفغانستان أوائل التسعينيات من القرن الماضي دليلًا على إمكانية حدوث ذلك.

ألا أنه يمكن الرد على هذا التوجه بأن هذا لم يحدث بعد مقتل البغدادي وهو من هو، الزعيم الأول وأحد أهم منظري هذا التنظيم الإرهابي.

أخيرًا يرى مرصد الأزهر أخذ الحذر من "داعش" في هذا الوقت الذي يتوقع فيه قيام أفراد التنظيم بهجمات صغيرة لا سيما في المحيط الأوروبي بعد إثبات ضعف التنظيم الإرهابي أمام العالم عقب مقتل قائده بغض النظر عن كونهم مجتمعين تحت إمرته أم لا؛ إذ إن التجارب السابقة والمشابهة تؤكد أن الضغط على قادة هذه التنظيمات يكون له ردة فعل شرسة وخبيثة مقصدها إثبات الوجود واستعادة السمعة.

كما يرى المرصد أن تنظيم داعش الإرهابي مهما تم سحقه وهلاك قادته فإنه سيبقى ما بقي الفكر الذي أنتجه والعوامل التي ساعدت على ظهوره وتناميه، ومما يساعد على ضرب هذا الفكر من جذوره مناقشة الشباب واطلاعهم على ما استجد من معلومات عن خبايا التنظيم، ومدى خبثه ومسلكه الفاسد والمدمر للأخضر واليابس.

وحدة رصد اللغة العربية

طباعة