هل يدعو الإسلام إلى المساواة بين الرجل والمرأة؟

  • | الخميس, 14 أبريل, 2016
هل يدعو الإسلام إلى المساواة بين الرجل والمرأة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل يدعو الإسلام إلى المساواة بين الرجل والمرأة؟

المبادئ:

  • المساواة والعدل ليسا بمعنى واحد.
  • العدل مع المرأة لا يعني مساواتها بالرجل من كل الجوانب.
  • أوجه المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام متعددة.
  • فرق الإسلام بين الرجل والمرأة في بعض الأحكام الشرعية.
  • ليس الذكر كالأنثى.

التفصيل:

(أولا) معنى المساواة والعدل والفرق بينهما:

(تعريف المساواة): يدور معنى المساواة على المماثلة والمعادلة يقول الراغب الأصفهاني: المساواة المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل، يقال هذا الثوب مساوٍ لذلك الثوب، وهذا الدرهم مساو لذلك الدرهم وساويت هذا بهذا، أي: رفعته حتّى بلغ قدرَهُ ومَبْلَغَه، كما قال الله عزّ وجلّ:{حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 69]

وقال ابن فارس السين والواو والياء أصلٌ يدلُّ على استقامةٍ واعتدال بين شيئين، يقال هذا لا يساوي كذا، أي لا يعادله، وفلانٌ وفلانٌ على سَوِيّةٍ من هذا الأمر، أي سواءٍ.

(أما العدل) : فهو ضِدُّ الْجَوْرِ يُقَالُ: عَدَلَ عَلَيْهِ فِي الْقَضِيَّةِ فَهُوَ عَادِلٌ. وَبَسَطَ الْوَالِي عَدْلَهُ وَمَعْدَلَتَهُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا. وَفُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْدَلَةِ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ. وَرَجُلٌ عَدْلٌ، أَيْ رِضًا وَمَقْنَعٌ فِي الشَّهَادَةِ.  فالعدل هو الإنصاف وهو إعطاء المرء ما له وأخذ ما عليه.

 

ثانيا: العدل مع المرأة لا يعني مساواتها بالرجل من كل الجوانب:

مما تقدم من التعريف اللغوي يتبين أن ثمة فرقًا بين المساواة والعدل فالمساواة تعني رفع أحد الطرفين حتى يساوي الآخر، أما العدل فهو إعطاء كل ذي حق حقه، وهناك من يخلط بين هذين المصطلحين ويظن أن معنى المساواة مرادف لمعنى العدل، وهذا ليس صحيحًا إلا في حالة تماثل المتساويين من كل وجه - وهذا لا يكاد يوجد - أما مع وجود الفروق, سواء كانت هذه الفروق دينية, أو خلقية, فإن المساواة بينهما تكون ضربًا من ضروب الظلم.

ولو نظرنا إلى - قضية مساواة المرأة بالرجل - لوجدنا أنه من الظلم أن تُساوى بالرجل من كل الجوانب؛ لأن هناك فروقًا واضحة بين الذكر والأنثى؛ ولذلك يقول الله عز وجل:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}[آل عمران:36]، فالإسلام لا يدعو إلى مساواة الرجل المرأة من كل الجوانب، ومن يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة ويتجاهل الفروق بينهما في الخلقة والتكوين ويغض الطرف عنها، يوقع المرأة في ظلم من حيث أراد إنصافها، لأنه بذلك يكلفها بما لا يناسب خلقتها وطبيعتها التي خلقت عليها.

فالعدل أن يكون لكل جنس خصائصه التي تليق به ويكلف بما يناسبه ومن الظلم أن يحمل فوق ما تحتمله خلقته التي خلق عليها، قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة :286]، ولهذا نهى الله عز وجل عن مطالب المساواة فقال تعالى{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }[النساء : 32 ]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)- أي : في الأمور الدنيوية وكذا الدينية، وأخرج الترمذي عن أم سلمة أنها قالت: يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.

فالسنة الإلهية هي المفاضَلة بين المخلوقات وفقًا لطبيعة الخلق لئلا يظلم أحد لحساب أحد، وليست المساواة.

ثالثا: أوجه المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام:
 ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في أمور تقتضي ذلك، وفرق بينهما في أخرى بالقدر الذي يتناسب مع طبيعة كل منهما، ومن الأمور التي ساوى فيها بين الرجل والمرأة:
أ- ساوى بينهما في القيمة الإنسانية:

يسوي الإسلام بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية، حيث خلق الله الاثنين من طينة واحدة ومن معين واحد، فلا فرق بينهما في الأصل والفطرة، ولا في القيمة والأهمية، والمرأة هي نفسٌ خلقت لتنسجم مع نفسٍ، وروح خلقت لتتكامل مع روح، وشطر مساو لشطر، قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا}، والإسلام يقرر أن قيمة أحد الجنسين لا ترجع كون أحدهما ذكرًا والآخر أنثى بل ترجع إلى العمل الصالح والتقوى.
قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
ب-  ساوى بينهما في المسؤولية الخاصة والعامة وفي الثواب والعقاب.
كل إنسان في ميزان الشرع مسؤول عن عمله، قال تعالى: { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]، وقال تعالى : {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء:15]، وقال تعالى:{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]، فالعمل الصالح سواء عمله الذكر أم الأنثى له الثواب والأجر عند رب العالمين -عز وجل- قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} النساء :124.

ج- ساوى بينهما في  الحقوق المدنية:
ساوى الإسلام بين الجنسين في الحقوق المدنية على كافة مستوياتها، من تملك وتعاقد وبيع وشراء ورهن وهبة وحق في توكيل الغير أو ضمانة؛ فللمرأة شخصيتها الكاملة مثل الرجل في الإسلام لها حق التصرف في حالها قبل الزواج وبعده كيفما شاءت في إطار الشريعة الإسلامية.
د- ساوى بينهما في حق إبداء الرأي:
الإسلام أعطى المرأة حقها كاملًا من حيث الحوار والمجادلة وإبداء الرأي، قال تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلاك في زوجها وتشتكي إلى الله}، وأيضًا أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استشارها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثناء صلح الحديبية أبدت رأيها وكان هو الرأي الذي أخذ به الرسول - صلى الله عليه وسلم-.

و- ساوى بينهما في حق الانفصال:
الإسلام كما أعطى للرجل حق الانفصال عن زوجته أعطى للمرأة هذا الحق، ولكن يفرق بينهما في كيفية وأسلوب هذا الانفصال " فهو يسوي بينهما في الحق، ويفرق بينهما في كيفية استخدام هذا الحق، حيث يعطي الرجل حق الطلاق ويعطي المرأة حق الخلع" .

رابعا: فرق الإسلام بين الرجل والمرأة في بعض الأحكام الشرعية.

إن الله الذي خلق الرجل والأنثى يعلم كل ما يصلح ويلائم طبيعتهما في كل ميادين الحياة، وبالتالي فأحكام الإسلام تبنى على أساس الاختلافات الطبيعية القائمة بينهما والتفرقة في بعض التكاليف التعبدية تهدف في المقام الأول والأخير مراعاة المرأة وصيانتها والتخفيف عنها، رحمة بها وتقديرًا لظروفها؛ فهناك أمور كثيرة تخالف فيها المرأة الرجل في الأحكام الشرعية ومنها:

  • أن الإسلام يسقط عن المرأة الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس دفعًا للمشقة ولأمور أخرى الله أعلم بها.
  •  عورتها تخالف عورة الرجل، حيث أن بدنها كله عورة أمام الأجانب إلا وجهها وكفيها.
  • نفقة المرأة واجبة على الرجل، فالإسلام أعفاها من جميع أعباء الحياة المعيشية والرجل هو المكلف بذلك، فما تحتاج إليه المرأة من طعام وشراب وكساء ومسكن،... إن كانت متزوجة فنفقتها واجبة على زوجها؛ وإن كانت غنية، قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}
     وإن كانت ليست متزوجة أو معتدة، فنفقتها واجبة على أوليائها.
  • جعلها على النصف من الرجل في الميراث، بما أن الرجل هو المكلف بالإنفاق في الأسرة مهما كانت المرأة غنية؛ فقد جعل الله تعالى للرجل ضعفها في الميراث، قال تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}
    وليس في ذلك أي محاباة للرجل، فمراعاة التوازن بين أعباء الذكر والأنثى هي التي جعلت الذكر يأخذ ضعف الأنثى فالمساواة العادلة هي التوريث حسب مقدار الحاجة.
  • كذلك فرق الله تعالى بين الرجل والمرأة في أداء الشهادة، فقال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}  البقرة 282، فشهادة امرأتين تعادل شهادة الرجل؛ لأن من طبيعة المرأة النفسية والعاطفية هي المحور الأساس الذي يوجه نفسها وتفكيرها وبالتالي "وجود امرأة أخرى كفيل بالقضاء على أي لون من ألوان الخضوع لأي انفعال أو تأثير أو إيحاء"، قال تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}؛ فهذا الأمر لا يعدو أن يكون من قبيل الحيطة والاستيثاق والضمان، وليس فيه مطلقًا ما يخدش كرامة المرأة أو يقلل من إنسانيتها وقدرها.
  • أيضا المرأة ليست كالرجل في تعدد الزوجات، فالإسلام أباح للرجل أن يجمع بين أربع نساء، واشترط العدل بينهنّ وهذا من رحمة الإسلام بالمرأة، فالمرأة يمكن أن تكون عقيمًا أو مريضة مرضًا مزمنًا أو غير ذلك، وبالتالي إمّا أن تطلق أو يتزوج عليها زوجها زوجة أخرى وتبقى في بيت زوجها معززة مكرمة بتكريم الله تعالى لها، لكن العكس لو أن المرأة تزوجت أكثر من شخص في نفس الوقت فهذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب فهي إن حملت؛ مَن صاحب الطفل؟
    والمرأة بطبيعتها تحن لأن تكون مع رجل واحد دون غيره.

خامسا: (وليس الذكر كالأنثى):

إن الله تعالى خلق الرجل وخلق المرأة، وجعل لكل خصائصه التي خلق من أجلها، وجعل بينهما فروقًا خلقية وجسمية.

 فالمرأة تختلف عن الرجل في القوام، والبنيان والمظهر والنمو وسائر التصرفات العقلية والنفسية والجسمانية، وفي مختلف الميول، والرغبات واتجاهات التفكير والتطبع والخلق، وذلك فضلًا على الصفات التناسلية الثانوية الخاصة بكل من الجنسين؛ فالأنثى في تكوين الحوض وفي أعضاء التناسل، ليست كالرجل، فالمرأة تحمل بخلاف الرجل، ويمثل الحمل أحد الفواصل الجذرية بين المرأة والرجل، قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمّه وهنا ًعلى وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير} وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمّه كرهاَ ووضعته كرهًا}.

والمرأة تحيض أيضًا بخلاف الرجل، قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإن تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}
ومما لا ريب فيه أن الحيض يمثل أيضًا أحد الفواصل الجذرية بين الرجل والمرأة.

فخصائص كل عنصر من الجنسين تختلف عن خصائص الآخر، إضافة إلى ذلك فإن نفسية المرأة ليست هي نفسية الرجل، وجسم المرأة ليس كجسم الرجل، وهيكل المرأة لا يستطيع أن يتحمل ما يتحمله هيكل الرجل، فالفروق بينهما بيولوجية، موروثة وليست مكتسبة، ومن ثم فإن محاولة المساواة بينهما من كل الجوانب مناقضة لطبيعة كل منهما.

وبناء على هذه الاختلافات العميقة والمتشعبة بين طبيعة المرأة وطبيعة الرجل، كان منطقيًّا أن ينشأ اختلاف حاسم بينهما في المهمة والأهداف، حتى يواجه كل منهما مطالب الحياة مواجهة عادلة حسب إمكانياته وقدراته، فإنّ الله تعالى خلق الجنس البشري من نوعين، يكمل أحدهما الآخر، وأن كلًا منهما يتجه في الحياة اتجاهًا يسير جنبًا إلى جنب مع اتجاه الجنس المقابل؛ ليؤدي كل واحد منهما الوظيفة التي تؤهله صفاته للقيام بها نحو المجتمع الإنساني،...، ولا شك أنّ رقي الإنسانية الحقيقي لا يكون إلا بتوزيع الأعمال، وملائمة كل جنس للوظيفة التي يقوم بتأديتها في هذه الحياة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا

والحمد لله رب العلمين .

 

طباعة
كلمات دالة: