مردود الحرب الروسية الأوكرانية على التنظيمات المتطرفة

  • | الثلاثاء, 15 مارس, 2022
مردود الحرب الروسية الأوكرانية على التنظيمات المتطرفة

ما إن عمَّت جائحة كرونا وتأثر بها العالم إلا وأعقبتها جائحة أخرى أشد منها وأقوى، وهي الحرب الروسية الأوكرانية، والتي ترتب عليها إلى الآن أكثر من مليون لاجئ بالإضافة إلى مئات القتلى والجرحى، ومعلوم أن تلك الأحداث تؤثر على العالم أجمع، ليس اقتصاديًا وسياسيًّا وعسكريًّا فقط، وإنما حتى على صعيد الفكر والمعتقدات بالإضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية التي قد تمتد إلى عشرات السنوات.

ومرصد الأزهر في متابعته لتك الأحداث رصد العديد من التخوفات التي من الممكن أن تستغلها التنظيمات المتطرفة وأن تستفيد منها جراء تلك الأزمة، لا سيما مع التحذيرات التي أطلقتها منظمة العدل والتنمية حول احتمالية انتقال عناصر من داعش والقاعدة للقتال في أوكرانيا.

والسؤال الآن كيف يمكن للتنظيمات المتطرفة أن تستغل الظروف الدولية التي يمر بها العالم للاستفادة منها واستغلالها لخدمة أغراضها؟

ويمكن أن نجيب على ذلك في أربع نقاط:

النقطة الأولى: أي قتال أو مناوشات عسكرية بين أي من الدول سواء عربية إسلامية أو أجنبية أوروبية تعتبره التنظيمات المتطرفة فائدة لها، فهي تروج لذلك على أنه عقاب من الله تعالى أنزله على تلك الدول التي حاربت التنظيم وهزمته وأذلته وشردته، فهم يستغلون الأحداث لإثبات وجهات نظرهم التي يروجون لها، ومن ناحية أخرى فإن ذلك يخفف الضغط العسكري والاستخباراتي عنها لبعض الوقت، مما يتيح لها متنفس تستطيع من خلاله أن تجد لنفسها بدائل متعددة أو مقرات جديدة، لا سيما وأن تنظيم داعش بالأخص يعيش الآن مرحلة شديدة التخبط بعد مقتل زعيمه في فبراير 2022م.

النقطة الثانية: التنظيمات المتطرفة تنمو وتترعرع في جو مشحون بالكراهية والقتال، فأي مجتمع هذه صفاته يكون أرضًا خصبة ومقصدًا أساسيًّا للتنظيمات المتطرفة، والميادين الآن مغلقة في أوجه تلك التنظيمات وخاصة تنظيم داعش بعد هزيمته في سوريا والعراق، فتعمد تلك التنظيمات إلى البحث عن موطئ جديد لها.

وعليه فإن الأحداث الجارية تتيح لهم موقعًا يُمَكِّنُهم من الاقتراب من أوروبا أكثر لممارسة إجرامهم بسهولة، ويزيد من تلك الخطورة قرب مسرح الأحداث من المواقع التي قاتل فيها أولئك المتطرفون الاتحاد السوفيتي السابق في أواخر التسعينيات، كما أن تلك الأحداث تسهل لهم فرص الحصول على أسلحة متطورة وحديثة، يمكن من خلالها إعادة دعم صفوفهم وتقويتها.

 النقطة الثالثة: عناصر تنظيم داعش الأوربيين يمثلون محورًا شديد الخطورة، لا سيما إذا عرفنا أن عدد المنضمين لداعش من شرق أوروبا يزيد على و 7,252  حسب بيانات الأمم المتحدة، فقد يجد هؤلاء في تلك الأحداث فرصة سانحة للعودة إلى بلادهم أو الانخراط في القتال.

النقطة الرابعة: استغلال الأحداث للدعوة إلى الانحياز والانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، حيث جاء في العدد الأخير من مجلتهم الأسبوعية تحت عنوان: "حروب  صليبية - صليبية"، تساؤلًا مفاده:

 إلى أي فئة ينبغي للمسلم أن ينحاز، هل إلى روسيا؟ أم إلى أوكرانيا؟

ليأتي الجواب من تنظيم داعش بأنه  على المسلم أن ينحاز للتنظيم؛ باعتباره الطائفة الوحيدة المؤمنة الآن، حيث  جاء في مجلتهم: "على المسلمين أن يختاروا الانحياز والتبعية المطلقة لدين الله تعالى وحده، والولاء للمؤمنين فقط، وأن تعليق الآمال يجب أن يكون على الفئة المؤمنة التي كانت كل هذه الأحلاف (يقصدون الدول الأوروبية) قبل بضع سنوات تقاتلها كتفًا إلى كتف".

وكأن التنظيم يستغل فرصة وقوع هذه الحرب ليجدد دعوته إلى الناس بأن ينحازوا إليه ويتبعوه، جاعًلا نفسه السبيل الوحيد الذي يجب أن تتعلق به آمال المؤمنين. فالتنظيم لا يبرح يكفر العالم أجمع، ويرى أنه وحده الطائفة القائمة على الحق، مع أنه أبعد الناس عنه.

لذا فإن المرصد في هذا الصدد يؤكد على ما قاله فضيلة الإمام الأكبر في هذا الشأن من أن الحروب لن تجلب لعالمنا سوى مزيد من الدمار والكراهية، وأن تسوية تلك النزاعات سبيله الحوار.

وقد توجه فضيلة الإمام الأكبر بدعوة روسيا وأوكرانيا إلى الاحتكام لصوت العقل، وطالب قادة العالم والمؤسسات الدولية بدعم الحلول السلمية لإنهاء النزاع بين الجارتين، كما اهتم فضيلته بقضية اللاجئين وأن هؤلاء الأبرياء هم أكثر من يقع عليهم ضرر الحرب، فقال في تغريدة له: "ما نشاهده من ترويع الأوكرانيين الآمنين وخروجهم من ديارهم بحثًا عن الأمن والأمان؛ لهو اختبار حقيقي لإنسانيتنا، أدعو المجتمع الدولي لمضاعفة المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، وبذل مزيد من الجهد لوقف الحرب، وأسأل الله أن يُعجِّل بذلك ويعود هؤلاء الأبرياء إلى ديارهم سالمين".

فكما أن الوصول سريعًا لحلٍّ في هذه الأزمة ينعش الاقتصاد العالمي ويقضي على المخاوف الدولية ويقلل من خطورة نشوب حرب عالمية، فإنه أيضًا يقلل من مخاطر استغلال التنظيمات المتطرفة للأحداث ويقضي على أملها في أن تطفوا على السطح مرة أخرى أو تطل على العالم بوجهها القبيح الذي لا يقل في قبحه عن وجه الحرب.

حفظ الله الإنسانية جمعاء، وحماها من الشرور، وأبعدها عن الحروب.


وحدة اللغة العربية

طباعة