مرضى نفسيون أم مُشوَّهون فكريًّا؟!.. محاولة لفهم الشخصية الإرهابية

  • | الثلاثاء, 15 مارس, 2022
مرضى نفسيون أم مُشوَّهون فكريًّا؟!.. محاولة لفهم الشخصية الإرهابية

 

يتناول هذا المقال إشكالية طرحتها البحوث والدراسات التي سعت إلى محاولة فهم الشخصية  الإرهابية، حيث إن أول كلمات تتبادر لأذهاننا عند سماع أو مشاهدة أخبار عن تفاصيل لأعمال إرهابية، أن مرتكب هذه الأعمال ليس بشرًا ولا يتحلى بأدنى سمات المشاعر الإنسانية أو حتى الشعور بالتعاطف مع غيره من البشر، ومعظم  أولئك الإرهابيين كانوا من قبل شخصيات عادية في مجتمعاتهم، فما سر هذا التحول الجذري في نمط حياة هؤلاء؟! وكيف تتعامل عقولهم بعد التغيير الفكري الذي يطرأ عليها، أي بعد الانتقال من نمط الحياة الطبيعية إلى العنف والإرهاب؟ وما الذي أدى إلى التحول في هذه الشخصية هل هو مرض نفسي أم تشوه معرفي؟

أولًا: يجب أن نفرق بين مصطلح الإرهاب وغيره من المصطلحات الأخرى، حيث نادى باحثون ومتخصصون في دراسة الإرهاب بضرورة الفصل بين مصطلحي (تطرف الرأي) و(تطرف الفعل)، بعد أن لاحظوا الخلط الواضح بين هذين المفهومين، حيث تم استخدام كلا المصطلحين بشكلٍ مترادف لدى العديد من الباحثين، وبالتالي جرى التعامل مع مَن لديهم أفكار متطرفة على أنهم إرهابيون محتملون، وهذا تعميم خاطئ؛ إذ ليس بالضرورة أن يتحول كل من يحمل أفكارًا متطرفة إلى شخص إرهابي، ولتوضيح الفرق بين المفهومين نعرض النموذج الهرمي الثنائي المحاور Two Pyramids Model من إعداد الباحثين (كلارك مكولي ، وصوفيا موسكالينكو) من كلية برين ماور الأمريكية، انتهيا فيه إلى الصياغة التالية:-

Image

ويتضح مما سبق أن هناك فرقًا واضحًا بين التطرف في الرأي والتطرف في الفعل، وأن الإرهاب هو قمة هرم التطرف بالفعل، ويعد الإرهاب ظاهرة واسعة الانتشار في مجتمعات العصر الحديث، وموضوع من موضوعات الساعة، حيث ارتفعت نسبته لدى مختلف الفئات العمرية، فالسلوك الإرهابي يُلحق الأذى بالآخرين ويسعى إلى تدمير المجتمعات بكافة الطرق؛ لذا فإن هذا المقال محاولة لفهم الشخصية الإرهابية وتحليل مكوناتها، وذلك من خلال عرض وجهتي النظر التاليتين:

وجهة النظر الأولى:

وفيها حاول المتخصصون في مجال علم النفس تقديم تفسير واضح ومحدد لفهم الشخصية الإرهابية، حيث نظروا إلى الشخص الإرهابي على أنه مريض نفسي، وذلك بسبب تشخيصهم السلوكيات التي يقوم بها والدمار والقتل بدم بارد والسيكوباتية أي تبلد المشاعر والعواطف إزاء ما يقوم به من سلوك عدائي غير مُسوَّغ ضد المجتمع، والوقوف ضد الحضارة والتقدم؛ كل هذه السلوكيات والمظاهر جعلت المتخصصين يميلون إلى فهم الشخصية الإرهابية بأنها شخصية أقرب ما تكون إلى المرض النفسي.

 وعرّفت الجمعية الأمريكية للطب النفسي American Psychiatric Association)) في النسخة الأخيرة من دليلها التشخيصي  DSM (edition:5)المرض النفسي على أنه: متلازمة ذات آثار ملحوظة على إدراك المصاب أو قدرته على التحكم بمشاعره أو السلوك الخاص به، الأمر الذي يعكس خللًا من الناحية النفسية أو البيولوجية أو التطور، وعادةً ما تُصاحب الأمراض النفسية صعوبات أو مشاكل واضحة في الجانب الاجتماعي أو الوظيفي أو الأشياء المهمة  الأخرى في حياة الشخص، ولذلك فإن تشخيص الإصابة بالأمراض النفسية تُركِّز على الأعراض التي يشكو منها المصاب والمرتبطة بسلوكه وأفكاره.

وجهة النظر الثانية:

ترى أن الشخص الإرهابي هو شخص يعاني من التشوه المعرفي، والذي يؤدي به إلى اعتناق أفكار ومفاهيم مغلوطة مع التمسك بها والدفاع عنها، وتُعرف التشوهات المعرفية بأنها الأفكار الكامنة التي تجعل الأفراد يرون الحقيقة بصورة غير دقيقة، وغالبًا ما يُقال: إن هذه الأنماط من التفكير تُعزز الأفكار أو المشاعر السلبية،  وتميل التشوهات المعرفية إلى التداخل مع الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى حدث ما، ولأن طريقة شعور الشخص تتداخل مع طريقة تفكيره، فإن هذه الأفكار المشوهة يمكن أن تغذي المشاعر السلبية، وتقود الفرد المتضرر من التشوهات المعرفية نحو نظرة سلبية عامة تجاه الحياة، وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه.

وهناك صور كثيرة للتشوه المعرفي منها:

  • التصفية الذهنية، حيث يتم تصفية الذهن من الصور  الإيجابية، والاحتفاظ فقط بالصور السلبية.
  • الاستقطاب؛ أي  أن يفكر الشخص بطريقة "كل شيء أو لا شيء."
  • التعميم المفرط في طريقة التفكير.
  • الانتقال إلى الاستنتاجات مباشرة.
  • التفكير الكارثي أو التهويل في أصغر الأمور.
  • مغالطات التحكم.
  • مغالطة الإنصاف.
  • إلقاء اللوم.

وختامًا فنحن أمام وجهتي نظر مختلفتين لتفسير وفهم الشخصية الإرهابية، فعند التعرض لوجهة النظر الأولى نجد أن أنصارها يسعون إلى وصم الإرهاب بالمرض النفسي، وذلك قد يكون لبشاعة السلوك الإرهابي وخروجه عن المألوف والسلوكيات العادية أو بسبب التبلد في المشاعر، وعدم العطف أو التعاطف وارتكاب الجرائم الإرهابية بدم بارد وهو ما يخالف الفطرة الإنسانية السوية.

ولكن فكرة قبول أن الشخص الإرهابي مريض نفسي أو يعاني من الاضطرابات العقلية أمر يصعب قبوله والتسليم به، بل قد يحيد بنا عن الطريق الصحيح في الفهم والتفسير والمعالجة أيضًا لهذه الظاهرة الخطيرة المنتشرة في العالم، فالمتأمل في ممارسات التنظيمات الإرهابية يجدها تتسم بقدر كبير من السرية والحيطة والحذر، وكذلك الحال بالنسبة لإستراتيجيات تلك التنظيمات التي تستخدمها في تجنيد الشباب واستقطابهم، وإستراتيجياتها في المراوغة والتخفي.

كل هذه أمور تجعل من الصعب التسليم بأن التنظيمات الإرهابية تسمح بإدراج مرضى نفسيين في صفوفها، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعرض هذه التنظيمات للخطر وإفشال خططها، وافتضاح أمرها، بل إن محاولات هذه التنظيمات الدفاع عن نفسها فكريًّا وتسويغ كل الجرائم التي ترتكبها، يدعونا إلى أن نعيد النظر في فكرة أن الشخص الإرهابي هو شخص مريض نفسيًّا، ما يقودنا إلى القول بأن التشوهات المعرفية والأفكار اللاعقلانية تسهم بنسبة كبيرة في تشكيل الشخصية الإرهابية، وإذا سلمنا بهذه الفكرة، فإن الطريقة الفعالة للتدخل مع الشخصية الإرهابية تكون فكرية عن طريق مراجعة أفكاره وآرائه بشكل أكبر من التدخل معه عن طريق العلاج النفسي، ما يرجِّح فكرة أن مرجع الإرهاب ما هو إلا تشوه معرفي وفقدان المرجعية التي تساعد الشخص على التمييز بين الخطأ والصواب، والتي في النهاية قد تؤدي إلى ضياع الهوية التي تجعل الإنسان كالريشة في الهواء تتلقفها الأيادي وتذهب بها حيث شاءت.

وفي هذا الصدد حمل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على عاتقه مسؤولية نشر الوعي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار والتشوهات المعرفية باعتباره أحد دروع للأزهر الشريف في مكافحة التطرف والإرهاب بأشكاله؛ حيث وصلت مخرجات المرصد على مدار (٦) سنوات منذ إنشائه عام (2015) إلى (35062) منتجًا، ما بين (حملات توعوية بـ١٣ لغة، وتقارير ومقالات باللغة العربية واللغات الأجنبية، ودورات تدريبية، ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركات إعلامية، وبحوث ودراسات ومؤلفات مختلفة، وندوات وورش عمل، ومبادرات ولقاءات مع فئات المجتمع) اضطلاعًا بدوره في مكافحة الفكر المتطرف، وتحصينًا لعقول الشباب ضد محاولات التشويش والتشويه الفكري التي تحاول التنظيمات الإرهابية ممارستها؛ لتحقيق مآربها الخبيثة واستغلال طاقات الأمة وقودًا لنيران تحرق المجتمعات وتهدد أمنها.

وحدة البحوث والدراسات

طباعة