الدين بين إفراط المتطرفين وتفريط الحداثيين

  • | الأربعاء, 16 مارس, 2022
الدين بين إفراط المتطرفين وتفريط الحداثيين

     الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال في تشريعاته وقوانينه التي تُنظِّم علاقات الإنسان مع غيره من بني البشر، وقد وضع الإسلام عدَّة قواعد يمكن من خلالها تنظيم هذه العلاقة حتى يتحقق المجتمع المتوازن.
وقد وضَّح الإسلام أن كل إنسان مسؤول عن أعماله، وأنَّه قد أُعطي الحرية التي من خلالها يتصرف فيما أوكل إليه من أعمال، وأنَّ له حقوقًا وعليه واجبات لا بد أن يؤديها.
لكن دائمًا ما يظهر بين حين وآخر ما يعكر صفو هذا التوازن داخل المجتمع، إمَّا بالتفريط أو الإفراط، ولقد منيت الدول العربية والإسلامية بأعداء لا يريدون لها الخير ويسعون دائمًا إلى زعزعة أمنها، وخلخلة نظامها الاجتماعي وتهاوي نظامها الاقتصادي وغياب نظامها الأمني حتى يعم الفساد وتنتشر الفوضى.
ولن يحدث ذلك إلا من خلال وجود كيانات متناحرة يقتل بعضهم بعضًا على هذه الأرض ومن ثم يتحقق للأعداء ما سعت إليه، ومن بين الخطط التي سعى إليها هؤلاء الأعداء خلق كيانات متناحرة داخل الدول، إحداهما مفرطة ومضيعة والأخرى متطرفة ومتشددة.
نعم التطرف ليس مقصورًا على التنظيمات المتطرفة المنتسبة إلى الدين ولكنَّه يشمل كذلك الأفكار الحداثية التي تسعى إلى فصل الإنسان عن دينه وقيمه وأعرافه، بل تدعوا إلى نبذ الأديان وترك الشرائع والتخلي عن التراث واعتباره تخلفًا ورجعية؛ وأمَّا اعتبار هذا من التطرف؛ فلأنَّ هذا التيار لا يعترف بحق المؤسسات الرسمية الدينية في إرشاد المجتمع إلى ما ينفعهم في دينهم وآخرتهم، بل على العكس يسعى دائمًا إلى وأد هذه المؤسسات، واعتبارها مؤسسات عدائية وهذا بلا شك يمثل تطرفًا لا يقل خطورة عن تطرف التنظيمات الإرهابية.
وأمَّا الأخرى فتعتبر نفسها وصيَّة على الدين، مطبقة للسُنَّة والشريعة ساعية إلى دولتها المزعومة، ولتحقيق هذه الغايات ترى أنه لا بدَّ من القتال وسفك الدماء في سبيل تحقيق أهدافهم المزعومة.
ولا يشك أحدٌ أن المناوئين للأديان يسعون إلى نشر الفوضى باسم الحرية وإلى نشر ثقافة دخيلة على ثقافتنا وهويتنا، تذوب فيها الأخلاق، حيث لا يكون هناك قيمة للأديان ولا للأعراف، ويسعى إلى ذلك عن طريق نشر الشبهات حول عقائد الناس ومبادئهم، ويبث سمومه عبر وسائل الإعلام.
وأما الطائفة المتشددة فساعية إلى ما سعت إليها الطائفة الأولى، فالتنظيمات الإرهابية تنشر الفوضى بهدف التمدد في المنطقة، وتوظف الدين لمصلحتها الخاصة، فتقتل وتنتهك الأعراض، وتفتح باب الغلو والتشدد، وتبث الكراهية في المجتمع، وتتسبب في إرهاب الآمنين، وتهدد استقرار الدول الآمنة باسم الدين.
نقطة أخرى لا تقل أهمية عمَّا سبق وهي أنَّ كلا التيارين يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وكل تيار منهما يرى نفسه الأفضل، فالمتطرف المنتسب إلى الدين يسعى وبشتى الطرق إلى أن يصبغ المجتمع بصبغة معينة، دون مراعاة لروح الدين واختلاف المذاهب الفقهية، وكذلك التطرف الحداثي العلماني يسعى وبقوة إلى أن يخرج الناس عن دينهم وقيمهم، والتبرؤ من كل ما له صلة بالدين والوحي، وفي هذا دلالة على تشابه الفريقين.
ومن بين ما تشترك فيه التنظيمات المتطرفة مع التيارات الحداثية العلمانية أنَّ كلًّا منهما لا يقبل الحوار بالعقل والمنطق، فقد حجب كل تيار منهما عقله عن قبول الحق، فتجد العلماني يتعلق بالعلوم الطبيعية وليس له منها أدنى معرفة، وكذلك المتطرف المنتسب إلى الدين يتعلق بنصوص اجتزأها من سياقها وليس له بها أدنى علاقة.
والنتيجة التي ينبغي أن نصل إليها أنَّ التطرف الحداثي العلماني يعد أحد الأسباب التي تساعد نشر التطرف والإرهاب، لأنَّ تطاولهم على العقائد الإيمانية وإساءتهم للشرائع السماوية ونشرهم لخطاب الكراهية يجعل غيرهم من المتطرفين المنتسبين إلى الدين يتخذون أفكارهم حجة لهم لحمل السلاح والعنف مدعين الدفاع عن الدين وتطبيقه.
وبذلك شابهت دعوات التنوير والحداثة وربما وصلت إلى حد التطابق في الأهداف مع دعوات التنظيمات المتطرفة التي اتخذت من الدين ستارًا لها مثل داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
وفي هذا الصدد، يرى مرصد الأزهر أنَّ مواجهة الفكر المتطرف بكل أنواعه ضرورة للحفاظ على ثوابت الأمة التي نشأت عليها منذ قرون طويلة، وللحفاظ على أمن الوطن من انتشار الفوضى، وكذلك للحفاظ على الهوية الثقافية والاجتماعية للبلاد من أن تخترق من قِبَل هؤلاء أو أولئك، وأن تهدد عقائد المجتمعات وأخلاقهم بشبهات الحداثيين أو أهواء وتعصب ممن انتسب إلى الدين من المتطرفين.

وحدة الرصد باللغة العربية

طباعة