الإسلام يدين الانتهاكات وسفك الدماء بغير حق

  • | الثلاثاء, 12 أبريل, 2016
الإسلام يدين الانتهاكات وسفك الدماء بغير حق

المبادئ العامة :

  1. الإسلام دين السلامة  والإنسانية ، والمبادئ والمثل الأخلاقية .
  2. اعتبر الإسلام سفك الدماء بغير حق فسادا في الأرض ، وأنَّ الاعتداء على نفس واحدة بمثابة الاعتداء على البشرية جمعاء .
  3. حبّب الإسلام في الرحمة وحرَّم الاعتداء والعنف .

 

التفصيل :

أولا : الإسلام دين السلامة والإنسانية ، والمبادئ والمثل الأخلاقية .

وجاءت تعاليم الإسلام  كلها رحمة وشفاء لما في الصدور، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [1].

ولأن شفاء الصدور إنما يتحقق بالأمن والسلامة كان الإسلام هو دين السلام لجميع البشر ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، فهذه الآية تحضُّ على الدخول في السلم العالمي ، وبالتالي  فلا يجتمع الإسلام مع العنف والاعتداء أبدا ؛ لأنهما ضدان متناقضان، ولذلك فالمسلمون مأمورون بالبداءة بالسلام لكل من يقابلهم ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص ــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ  أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»[2] ، والسلام كلمة أمان ورحمة واطمئنان ، وإشاعة للأمن بين الناس جميعا، فلا يجتمع الضدان: السلام والعنف.

 بل إن المسلمين مأمورون بالبحث عن السلام والجنوح إليه إذا جنح العدو إليه ، وذلك في حال الحرب المعلنة ، فكيف بغير ذلك قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [3] ولما  كان العدل أساس السلام في الأرض وعنصرا قويا في تحقيق الأمن العام  أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل صريحا ، حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [4] .

ولمعنى العدل في الإسلام مفاهيم كثيرة ، والمعنى في هذه الآية هو الحكم المنصف، أي: أداء كل شيء إلى من هو له على وجه الإنصاف، أو إيفاء الناس حقوقهم التي تجب  حتى تستقر السلامة لكل الناس وتُحقن الدماء .

ولم يفرق الإسلام بين الناس في مسألة العدل بسبب الجنس أو الديانة أو العرق، فحقوق الإنسان في نفسه وماله وعرضه مكفولة في الإسلام باعتبار أن كل البشر عند الله بمكانة واحدة من حيث العدل بينهم، ولا تمييز بين الناس إلا في مسألة الطاعة لله سبحانه وتعالى والتقوى قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [5] ، وفي ذلك أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم: " أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ " [6].

وانطلاقا من مبدأ إنسانية الإسلام العالمية ، فإن الله يأمر المسلمين بالعدل الشامل والكامل، حتى مع من يسيئون إليهم؛ حقنا للدماء وترغيبا في الأمان ، قال تعالى {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8] لأن العدل حق لله، ولا ينبغي تجاوزه ، ولا النقص منه .

 

ثانيا : اعتبر الإسلام سفك الدماء بغير حق فسادا في الأرض ، واعتبر الاعتداء على نفس واحدة بمثابة الاعتداء على البشرية جمعاء .

اعتبر الإسلام العدوان على برئ واحد بمثابة الاعتداء على البشرية كلها ، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ] [7] ، وقال رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ [8].

فأي وعيد أعظم من هذا الوعيد؟ ! إنه لوعيد تنخلع من هوله القلوب ، ويُوجِد في النفس رادعًا قويا، ووازعًا ذاتيًا، يمنع من التعدي على الغير ، وإزهاق النفوس  ظلمًا وعدوانًا.

ولا يفهم من التنصيص على المؤمن في الحديث السابق جواز قتل المعصومين من غير المؤمنين، كالذميين والمعاهدين والمستأمنين، ولكنه نص على المؤمن ليبين أن قتل المسلم للمسلم أعظم وأشنع .

ويؤكد ذلك أحاديث كثيرة تدل على تحريم الكفار غير المحاربين من الذميين والمعاهدين والمستأمنين، ومنها ما ثبت عن  عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عامًا»[9] .

 

ثالثا : حبّب الإسلام في الرحمة ، وحرَّم الاعتداء والعنف .

جاء دين الإسلام ليرسي دعائم الرحمة في دستوره الذي هو القرآن الكريم قال تعالى {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [10]، وأخبر الله تبارك وتعالى أن الغاية التي من أجلها أرسل الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تحقيقُ الرحمة بين كافة الخلق قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[11] ، أي رحمة للبشرية كلها، وأعلن القرآن الكريم أن تكاتف المجتمع وتشييد البنيان الإنساني إنما يقوم على الرحمة واللين في القول وأن الغلظة والعنف سبب للتفرقة والصخب ، وإلى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة في قوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [12] ، فأشارت الآية إلى أن الشدة والغلظة والعنف سبب رئيس من أسباب التفرق والتشتت وعدم الاجتماع .

بل إن الإسلام قد أعلن أنه لا عنف ولا إكراه للناس على الدخول في الدين ؛ لأن الإكراه ضرب من ضروب الترويع فلا يستعمل في مسألة اعتناق الإسلام قال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [13] ؛ ذلك أن  الإيمان قناعة وقبول قلبي، والقلب لا سلطان عليه إلا لخالقه الذي يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [14] .

 والقناعة الذاتية ، وحرية الإنسان في الاختيار هما الأساس في تحمل المسئولية، ولن تتحقق القناعة ولا الاختيار إلا بالدعوة الحكيمة والحوار المقنع للوصول إلى الحق  ويكون إيمانه قويا، وفي هذا يقول الله تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [15] .

وللتأكيد على منهج اللين في القول والرحمة في الدعوة في التعامل الإنساني حرَّم الإسلام العنف بكافة أشكاله وجميع صوره سواء العنف اللفظي أم الجسدي ، بل إن الإسلام حرم امتهان الآخرين عن طريق احتقارهم أو ازدراء شأنهم حتى ولو كانوا على باطل ، ويمكن عرض ذلك فيما يلي :

العنف اللفظي :

دعا دين الإسلام إلى تخيّر العبارة الحسنة عند مخاطبة الآخرين ، فقال الله تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } [16] ، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ، وَلَا الطَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ " [17] .

إن الإسلام ينهى عن العنف اللفظي لأنه يؤذي مشاعر الآخرين ، وما كان كذلك فينبغي أن يبتعد عنه المسلم ، وقد اشتد غضب النبي صلى الله عليه وسلم على من قالت كلمة لم تدرك خطورتها ، فعَنْ عَائِشَةَ ــ رضي الله عنها ـ  قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»[18] .

فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه اللفظة " قصيرة " من الخطورة بمثابة شئ لو اختلط بماء البحر ــ الذي لا يمكن حصره ــ لغيًّره ؛ تنفيرا من الاعتداء على الغير باللفظ .

والإسلام يأمر باتباع الحسنى عند مخاطبة الآخرين ، حتى وإن بدت منهم بوادر الإيذاء للمسلمين ، وذلك أن العنف اللفظي في حق الآخرين محرم لحق الله تعالى ، فعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ يَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ, قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ.فَفَهِمْتُهَا, فَقُلْتُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمْ الله وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ. فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ, عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ» [19].

ولم يجعل الإسلام الاختلاف في العقيدة مبررا لسب آلهة غير المسلمين ، قال تعالى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [20]

وهذا النهي حتى لا يكون سب آلهة الآخرين  ذريعة للفتنة في الدين ، والعيب في الذات الآلهية عن جهل وحمق ، وليس ذلك من باب الضعف أو الاستكانة ، وإنما من باب درء الخطر وإعلاء شأن السلام الاجتماعي ومن يتخذ ذلك منهجا فهو القوي ، وقد أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال: «تحجزه ، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره» [21]

العنف الجسدي :

حرَّم الإسلام الاعتداء على الأخرين ، وانتقاص كرامتهم ، ومن الأحكام التي قررها الإسلام في هذا الصدد :

  1. تحريم الضرب على الوجه :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ " [22] ، وقد أفتى الأئمة بحرمة الضرب على الوجه حتى ولو كان بحق ، رعاية لحق الكرامة الإنسانية .
  2. تحريم الإشارة بالسلاح : شدد الإسلام في النهي عن هذا الفعل. وجاء في الحديث عن المصطفى أن الإشارة بالسلاح من موجبات الاستحقاق لعذاب الله الأليم في جهنم، فقد روى الإمام النسائي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أشار المسلم على أخيه المسلم بالسلاح، فهما على جرف جهنم، فإذا قتله خرا جميعا فيها» [23] .
  3. تحريم التمثيل بجثث الأعداء : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغْزُوا بِسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا [24] ، والمراد من المثلة في الحديث قطع بعض الجوارح للتنكيل [25] ، وَهِيَ حَرَامٌ فِيمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَهُوَ الْحَرْبِيُّ فَمَا ظَنُّك بِمَا لَا تَحِلُّ عُقُوبَتُهُ[26] .
  4. تحريم العنف مع النساء : أمر الإسلام بإكرام النساء ، وشدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإحسان إليهن فقال " فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» [27]، ونهى عن الاعتداء عليهنَّ ، رحمة وشفقة، وأمر المسلمين إن حاربوا أعداءهم أن يكفوا عن قتل النساء غير المحاربات ، ففي صحيح البخاري : أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً، «فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَان . [28]
  5. تحريم الاعتداء على أماكن العبادة : لأماكن العبادة قدسيتها في نفوس الناس ، وقد راعى الإسلام هذا المعنى فحرّم الاعتداء عليها سواء كانت لموافقين في العقيدة أم للمخالفين ، قال أبو بكر الصديق لقائد جيشه «إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ. فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ " [29] إذ لا ضرر منهم طالما لم يقاتلوا ، أو يظاهروا ، أما ما تفعله عصابات العنف من الاعتداء على دور العبادة لغير المسلمين ، بل وتفجير المساجد على المصلين لأنهم يخالفونهم الرأي فهذا إجرام ، ولا يمتُّ للإسلام بأدنى صلة .
  6. تحريم الاعتداء على المنافع العامة وتخريب الممتلكات : دين الإسلام ، يدعو إلى البناء ويحثُّ على التعمير ، ومن ثَمَّ حرَّم الإسلام بحسب الأصل كل أشكال الاعتداء على المنافع والممتلكات  ، جاء في وصية أبي بكر رضي الله عنه : لَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخُرِبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تَحْرِقَنَّ نَخْلًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ " [30]فعلى هذه المُثُل الأخلاقية ، وبهذه المبادئ العادلة قامت دولة الإسلام حضارة وبناء واحتراما للإنسانية ، لا بالقتل والتدمير والتخريب والعنف .
  7. الاعتداء على المدنيين : نهى الإسلام عن أخذ الإنسان بذنب غيره ، وقرر أنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، وأرشدنا إذا صارت الحرب بين المسلمين وبين غيرهم أمرا واقعا أن نُجنِّب المدنين وجميع من يبتغي طلب الرزق شرور الحروب وويلاتها ما دام هؤلاء ليسوا محاربين ولا عونا للمحاربين فقد جاء في أوامر النبي صلى الله عليه وسلم لقائده على جيشه خالد بن الوليد «قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا» . [31]. وعند مصنف ابن أبي شيبة : " نَهَانَا أَنْ نَقْتُلَ الْعُسَفَاءَ وَالْوُصَفَاءَ " [32] ، والعسيف : هُوَ الْأَجِير . [33]والوصفاء : هم الخدم الذين لا يحملون السلاح ولا يقاتلون مع العدوّ [34] ، والنهي عن قتل هؤلاء ؛ لأنهم لم يخرجوا لطلب العدوان ، وإنما لطلب الرزق لأولادهم ومن يعولون.
  8. بل قد ثبت تحريم الاعتداء على الحيوان : لقد دلت السنة النبوية على أن التعدي على الحيوان بإزهاق روحه ظلمًا وعدوانًا، جريمة يستحق فاعلها دخول النار، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض» . (1) وفي رواية لهما: «عذّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» . فإذا كانت هذه عقوبة قتل الحيوان بغير حق، فكيف بقتل الآدمي المعصوم، وكيف بالمسلم، وكيف بالتقي الصالح؟!! .
  9.  مرَّ ابْنِ عُمَرَ على فِتْيَةٍ قد نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا، فقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَنْ فَعَلَ هَذَا؟» إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا "[35] ، وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا شيئا، فيه الروح، غرضا»[36]

 

وهذا غيض من فيض وكل نصوص الإسلام تدعو إلى نبذ العنف وإشاعة الأمن والسلام ، فكل دعاوى العنف وإلصاقه بالإسلام ما هي إلا مجرد أباطيل ، وما تنتهجه الجماعات الإرهابية لا يحسب على الإسلام وإنما يحسب على مقترفيه ؛ إذ لا يجوز عقلا ولا قانونا أن يوصف دين يتبعه مئات الملايين من البشر بالإرهاب بسبب شذوذ شرذمة من الخارجين عن آداب الإسلام وتعاليمه.

 

[1] [يونس: 57]

[2] صحيح البخاري (1/ 12)

 

[3] [الأنفال: 61، 62] .

 

[4] [النحل: 90]

[5] [الحجرات: 13] .

[6] سنن أبي داود : 4/ 331 .

[7] [المائدة: 32]

[8] سنن الترمذي (3/ 69)

 

[9] رواه البخاري: 2995.

[10] [الأعراف: 203]

[11]  [الأنبياء: 107]

[12] [آل عمران: 159]

[13] [البقرة: 256]

[14] [الأنفال: 24]

[15] [النحل: 125]

[16] [البقرة: 83] .

[17] مسند أحمد (7/ 60)

[18] سنن أبي داود (4/ 269)

[19] صحيح البخاري (5/ 2242)

[20] [الأنعام: 108]

 

[21] صحيح البخاري (9/ 22)

[22] سنن أبي داود (2/ 244)

[23] السنن الكبرى للنسائي (3/ 462)

[24] سنن الترمذي (3/ 75)

[25] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 95)

[26] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 47)

[27] صحيح البخاري (7/ 26)

[28] صحيح البخاري (4/ 61)

[29] موطأ مالك (2/ 448)

[30] السنن الصغير للبيهقي (3/ 387)

[31] سنن أبي داود (3/ 53)

[32] مصنف ابن أبي شيبة (6/ 482)

[33] فتح الباري لابن حجر (1/ 156)

[34] مختار الصحاح (ص: 340)

 

[35] صحيح البخاري (7/ 94)

[36] سنن ابن ماجه (2/ 1063)

 

طباعة
كلمات دالة: