هل سقطت "القاعدة" من الحسابات الدولية بوصفها تهديدًا إرهابيًّا قائمًا؟!

  • | الأحد, 31 يوليه, 2022
هل سقطت "القاعدة" من الحسابات الدولية بوصفها تهديدًا إرهابيًّا قائمًا؟!


      تتضافر الجهود الدولية في سبيل مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة على جميع المستويات، وتتنوَّع صور المكافحة، فمنها الأمني ومنها الفكري، كما أنه من الملفت للنظر - في الفترة الأخيرة- وجودُ تنسيق أمني واستخباراتي بين العديد من الدول المعنيَّة، والتي عقَدت مؤتمراتٍ دولية، وشكَّلت وَحَداتٍ عسكرية لمكافحة التطرُّف، كما أنشأت تحالفات للغرض ذاته، مثل التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، في محاولة لوقف أنشطة تلك التنظيمات، وتجفيف منابعها اللوجستية والفكرية. وتُعَدُّ إسبانيا من الدول الرائدة في هذا الملف، لِما لها من خبرة طويلة في محاربة منظمة "إيتا" الانفصالية، وبعض التيارات المتطرفة والإرهابية الأخرى، ودائمًا ما تحرص إسبانيا على التنسيق مع الدول المجاورة لها -والتي تشكِّل بُعدًا إستراتيجيًّا معها- مثل المغرب والجزائر وموريتانيا، كما أن قضايا السيطرة على تدفُّق الهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات والمتطرفين إلى القارة الأوروبية، دائمًا ما تكون على رأس أَوْلوِيَّاتها. 
وفي إطار تعزيز التعاون بين إسبانيا والمغرب -في هذه المرحلة الجديدة من التحدِّيات - تقرَّر توسيع الاتفاق بين البلدين، في اجتماع بين وزراء خارجيتهما في مايو 2022م، فيما يخصُّ السيطرة على تدفُّقات الهجرة، وتحديد مناطق انتشارها، وكذلك العمل على إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم، ومنعهم من التوجُّه إلى جزر الكَناري، ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر وتفكيكها. 
وفي سياق محاربتها للتطرف والإرهاب، استضافت ‏المغرب اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء أو ممثليهم في "التحالف الدولي ضد ‏داعش" وعددها (84) دولةً، ضمَّت إسبانيا وإيطاليا والعراق، بهدف تحليل تهديدات التنظيم الإرهابي. 
ومن جانبها، ذكرت وزارة الشئون الخارجية والتعاون المغربية في بيان لها، أن ‏الاجتماع يشكِّل مرحلة جديدة من التنسيق الدولي في مكافحة داعش، مع التركيز على القارة الإفريقية؛ فضلًا عن عقد مؤتمر آخر في 10 مايو 2022‎م، في مدينة "مالقة" ‏الإسبانية تحت عنوان: "من أجل عالم خالٍ من الإرهاب: دور حقوق الإنسان وسيادة القانون، ‏والتزام المجتمع المدني بجهود فاعلة لمكافحة الإرهاب"، نظمته وزارة الشئون الخارجية ‏والاتحاد الأوروبي والتعاون ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (‏UNOCT‏)، وذلك على مدار ‏يومين لمناقشة قضايا الإرهاب، ودور حقوق الإنسان والمجتمع الدولي في مكافحة تلك الآفة ‏العالمية.  ‏
وحضر المؤتمر وزير الخارجية الإسباني "خوسيه مانويل ألباريس"، ونائب الأمين العام ‏للأمم المتحدة "فلاديمير فورونكوف"، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتييرش" عبر مداخلة افتراضية، أكَّد فيها أن الإرهاب ليس فقط هجومًا على الأبرياء، لكنه يمثِّل اعتداءً ‏على حقوق الإنسان، وخطرًا عالميًّا متزايدًا، داعيًا المجتمع الدولي إلى ضرورة الالتزام ‏بالمساعدات الإنسانية، والتي سيُتاح من خلالها الاستثمار في الصحة والتعليم، للقدرة على محاربة ‏هذا الطاعون، وفتح الباب أمام المجتمع المدني للانخراط في جهود مكافحة الإرهاب. وهو أمر ‏يلفت أنظارنا إلى العلاقة الوثيقة بين التنمية ومكافحة التطرف، وكذلك الخطر الذي يمثله ‏الإرهاب على حقوق الإنسان. كما تظهر إسبانيا في هذه السياقات حليفًا أمنيًا متميزًا، نظرًا لكفاءتها ‏وخبراتها في مكافحة التطرف على كافة مستوياته. ‏
ولعل الغريب في ملف مكافحة الإرهاب هو تركز الجهود الدولية على مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، وإغفال تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يتوسع في منطقة الساحل الإفريقي وتتزايد فيها أنشطته، فقد أشارت جريدة "إل ديَّا" الإسبانية، في ‏‏7 مايو 2022م، إلى أن منطقة الساحل الإفريقي تستحوذ على اهتمام الأمم المتحدة، وخاصة منذ ‏انسحاب القوات الأوروبية منها، حيث أصبحت من النقاط الحرجة، وهو ما يرجح تراجع قدرة دول تلك المنطقة على السيطرة أمنيًّا في المستقبل القريب. كما أن انعقاد مؤتمر دولي في المغرب ضد داعش - وليس ضد القاعدة - كشف اللثام عن أن تنظيم القاعدة الإرهابي ربما لم يَعُدْ يشكل تهديدًا كبيرًا كما كان في السابق، وربما دفع ذلك الأمر زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" إلى إطلاق رسالة جديدة في مايو 2022م، يذكر فيها بالذكرى الحادية عشرة لمقتل أسامة بن لادن، زاعمًا أنهم تمكنوا من هزيمة الولايات المتحدة، في إشارة إلى قوة التنظيم واستمرار أنشطته الإرهابية على الساحة الدولية. 
لكن البعض يرى أن تنظيم القاعدة الإرهابي لم يَعُدْ بالقوة التي كان عليها في السابق، وهو ما يؤكده ‏موقع "وور أون روكس" الأمريكي المتخصص في القضايا العسكرية والأمنية حيث قدم تقريرًا حول مدى قوة ‏"القاعدة" بعد مرور أكثر من (20) عامًا على شنِّه هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ‏هذا الحدث الذي غير وجه العالم، حيث أشار التقرير إلى أنَّ بعض الخبراء يحذرون من أن تنظيم ‏القاعدة لا يزال قويًّا، وينتظر الفرصة المواتية لتوجيه ضربات دولية لبسط نفوذه وسيطرته، في حين يشكك محللون ‏آخرون في إمكانية حدوث ذلك. 
على العكس من ذلك، ذكرت جريدة "إندبندينت عربية" في تقرير لها في أواخر مايو 2022م، إلى أن كلًّا من "دونالد ترامب" و"جو بايدن"، يرى أن تنظيم "داعش" وليس "القاعدة" هو التهديد الأكبر لبلادهما، وأن "القاعدة" أصبحت قوة مستهلكة بعد مقتل مؤسسها أسامة بن لادن، لكن - طبقًا للتقرير- لا يزال هذا التنظيم من وجهة نظر كثير من المتخصصين في مكافحة الإرهاب هو القوة الملهمة والدافعة للإرهاب الدولي بصورة أكبر من "داعش" الإرهابي. 
ربما يرجع ذلك إلى أن تنظيم "داعش" الإرهابي يمارس عمليات قتل ضحاياه بوحشية منقطعة النظير، مما يدعو الصحافة والإعلام العالمي للتركيز على عملياته الدنيئة أكثر من أي تنظيم آخر، لكن قدرة "داعش" على التوسع لا تزال محدودة مقارنة بتنظيم "القاعدة". 
ولا شك أن الحذر الأوروبي من الوجود الإرهابي في منطقة الساحل، وغيرها من المناطق التي تشكل بؤرًا للتنظيمات الإرهابية، يشير إلى التخوف من تمدد أنشطتها، وهو ما يمثل خطرًا مباشرًا على دول الاتحاد. من هنا ‏نرى ضرورة محاصرة التحركات الإرهابية، وتضييق الخناق على وجودها وأنشطتها، منعًا لتكوين ‏بؤر جديدة، خصوصًا في القارة الإفريقية التي تئن من الإرهاب المنظم، خصوصًا مع ظهور وانتشار ‏تنظيمات إرهابية مثل "بوكو حرام".
‏كما ننبِّه إلى ضرورة وضع تنظيم القاعدة الإرهابي في الحسبان، وأنه لا يقل خطورة عن "داعش" الإرهابي، بل ربما خطره أشد، لا سيما في إفريقيا، الأمر الذي يستلزم تنسيقًا أمنيًّا واستخباراتيًّا كبيرًا على مستوى دولي، ومواجهةً للأفكار المتطرفة والمغلوطة لهذا التنظيم ومن على شاكلته وتفنيدها، وكذلك العمل على تجفيف منابع دعمه وتمويله، منعًا لتمدده وانتشاره، حيث باتت ظاهرةُ الإرهاب والتطرف آفةً تهدد المجتمعات، ويُعَدُّ أثرُها أشدَّ فتكًا من أية جائحة، فخطرها يمتد لأجيال، ويورِث حالةً مِن عدم الاستقرار.

وحدة رصد اللغة الإسبانية  

طباعة