في الأزمات.. كلمة توحد وشائعة تهدم

  • | السبت, 20 أغسطس, 2022
في الأزمات.. كلمة توحد وشائعة تهدم

     لا يستطيع عاقل أن ينكر تأثير الكلمة الطيبة، مسموعة كانت أو مكتوبة، على انتشار مشاعر الود والمحبة بين الناس، وتراجع معدلات العنف والخصومة باعتبارها الحل الأمثل للتعامل مع الخلافات، ناهيك عن دور الحوار والكلمة الطيبة في بناء وتعمير المجتمعات؛ حيث كانت الكلمة أداة الأنبياء في الدعوة إلى العمل الصالح. 
على العكس، تنشر الكلمة الخبيثة الدمار والخراب، وتثير الفساد والإفساد، وهي تتفاوت أثرًا بحسب ما يترتب عليها من ظلم للناس في أعراضهم وأموالهم، لا سيما في ظل الأوضاع الراهنة حيث تساعد وسائل التواصل الاجتماعي على نشر وترويج الإشاعات الكاذبة. ولا نبالغ حين نقول: إن الكلمة الخبيثة قد تفتح على البشرية باب الاضطرابات والفوضى، وتهدد السلم والأمن المجتمعي، وتنشر الرعب وبخاصة في أوقات الأزمات.   
وقد مثَّل القرآن الكريم الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة والكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 24- 27]. وقال عز وجل {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: من الآية 10].
وقد كانت الكلمة الطيبة تؤثر في نفس الرسول عليه الصلاة والسلام، ومثال ذلك ما جرى له عليه الصلاة والسلام بعد أن نزل عليه الوحي أول مرة وكان يعاني من شدة الخوف، يقول لزوجه خديجة (رضي الله عنها): "لقد خشيت على نفسي" فقالت له: "كلا، أبشر، والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق". بهذه الكلمات الطيبة الحانية ثبتت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخففت عنه حدة الضيق الذي أحسه في صدره وأكدت له عناية الله به، مُدللة على ذلك بخصاله الكريمة وسلوكياته الطيبة التي يمارسها في مجتمعه.  
والحقيقة لقد التفت الكثيرون منذ القدم إلى خطورة الكلمة، وخطورة سلاح الشائعات وترويج الأخبار الكاذبة، في هدم سياج الثقة الذي يربط أبناء الوطن الواحد، وإشاعة المشاعر السلبية نتيجة انعدام الإحساس بالأمان، وانتشار سوء الظن. والأمر يستلزم مراعاة الدقة في كل ما يُقال أو يُنشر، فقد يكون للمتحدث أغراض غير سلمية تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية. وقد عانى المجتمع المصري والكثير من المجتمعات الأخرى تبعات استغلال بعض الفصائل والتيارات سلاح الاستمالات العاطفية والدينية في خداع المتلقي وتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية.  
فنجد أن تنظيم داعش الإرهابي يركز بشكل أساسي على إستراتيجيات الحرب النفسية والشائعات؛ لأنها أسرع في تحقيق الهدف من العمليات العسكرية المكلفة، وهذه الإستراتيجيات التي تعتمد على الآلة الإعلامية تستهدف العقل البشري، وتثير الشكوك والتناقضات، وتؤثر على المعنويات النفسية. وقد نجحت هذه الإستراتيجيات في الاستقطاب والتجنيد من جهة، والتمدد على الأرض من جهة أخرى حيث اعتمد التنظيم سياسة اسقاط المدن نفسيًّا قبل أن تنهار عسكريًّا.   
ومن نماذج الكلمة الطيبة في مصرنا الحبيبة، وخاصة في وقت الأزمات، الأحداث المؤلمة في كنيسة "أبي سيفين"، وكيف كان تأثير الكلمة الطيبة في تهدئة قلوب إخواننا المسيحين، ومن بينها تلك التعزية التي تقدم بها مولانا الإمام الأكبر والتي أعرب فيها عن خالص تعازيه في الضحايا، وصادق مواساته لأسرهم وذويهم متمنيًا الشفاء العاجل للمصابين، مع تأكيد فضيلته على أن "الشدائد تجمع المصريين على قلب رجل واحد".
ومثال الكلمة الخبيثة ما ذاع وانتشر على لسان بعض الشخصيات من ترديد شائعات مغرضة دون معرفة، مُلقيًا بالتهم دون تأكد أو انتظار لنتيجة التحقيقات في مثل هذا الحادث، مما يشعل نار الفتنة بين المواطنين، وكان الأولى بهؤلاء الإشادة بالتضحيات ومواساة أسر الضحايا والتضامن مع المصابين. ولذلك يرى مرصد الأزهر أنَّ المطلوب منا دائمًا ولا سيما في أوقات الأزمات والحوادث أن نكون يدًا واحدة، وألا نلتفت إلى الشائعات، وأن نسعى إلى وحدة الصف، ولمِّ الشمل. 

وحدة رصد اللغة العربية

طباعة