زيارة الوفد الألماني لمشيخة الأزهر

  • | الإثنين, 11 أبريل, 2016
زيارة الوفد الألماني لمشيخة الأزهر

قام وفد سياحي ألماني مكون من 14 فردًا بزيارة مشيخة الأزهر يوم الثلاثاء الموافق 5 أبريل 2016م، والتقى أعضاء مركز الحوار الذي كان قد أبدى استعداده لاستقبال وفود أجنبية وإجراء حوارات معها والاستماع إلى تساؤلاتها عن الإسلام والمسلمين.

كان في استقبال الوفد الدكتور محمد عبد الفضيل عضو مركز الحوار وعدد من أعضاء قسم اللغة الألمانية بمرصد الأزهر، ثم تحدثوا للوفد عن الأزهر وجهوده قديمًا وحديثًا في نشر صحيح الدين الإسلامي ومحاربة الفكر المتطرف والتفسيرات المنحرفة لنصوص القرآن والسنة.

كان الوفد قد طرح في البداية تساؤلًا حول الدين الإسلامي والفرق بين الإسلام والمسيحية.

أجاب الدكتور محمد عبد الفضيل أن الدين الإسلامي هو دين الفطرة، وانطلاقا من ذلك فهو يتفق مع جميع الأديان في ترسيخ القيم الإنسانية العليا التي خلقها الله للإنسان، حيث قال الله سبحاتنه وتعالى "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك"، ولكن الاختلاف يكمن في التفاصيل التشريعية التي قال فيها القرآن "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، ومع ذلك فالمسلم مطالب بالإيمان بجميع الرسل والأنبياء، ولا يكتمل إيمانه بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا بإيمانه بما سبقه من رسل الله ورسائله، وإن كان القرآن الكريم ينتقد العقائد المسيحية ويرى فيها خطأ وانحرافًا عما أرسله الله على رسوله، فهو في ذات الوقت يأمر المسلمين باحترام أصحاب الديانات الأخرى ومجادلتهم بالتي هي أحسن والبر بهم والقسط إليهم.

 ثم تطرق الحوار إلى الحديث عن داعش وعلاقتها بالإسلام وسبل مواجهتها ومصادر تمويلها، وكذلك دور الأزهر في مواجهة هذا الفكر المتطرف.

أجاب الدكتور محمد عبدالفضيل مؤكدا أولا على سماحة الإسلام وإعلائه مبدأ الرحمة والإحسان، ثم تطرق إلى آيات القتال التي يستشهد بها دائمًا غير المسلمين لإظهار أن الإسلام دين عنف، موضحًا أن القتال المعني في الآيات هو الدفاع عن النفس من هجمات غير المسلمين، وما يحدث الآن هو تسليط الضوء على الجزء الخاص بالحرب وتجاهل الأسباب التاريخية التي أدت لتلك الحروب، وهناك من يستغل الفهم الخاطئ لآيات القرآن والترويج لها ليستخدمها في أغراض سياسية.

وفيما يخص الفكر الداعشي فهو لا يمت إلى الفكر الوسطي الإسلامي المعتدل بصلة، وفكرهم ما هو إلا تفسير منحرف متطرف أدانه الأزهر وفنده شيخه في كثير من لقاءاته، لاسيما لقاءه الأخير في البرلمان الألماني، الذي أوضح فيه أن الإسلام لا ينتهج منهج القتل والتدمير وإسالة الدماء. كما أكد الدكتور محمد عبد الفضيل على أن داعش تقتطع النص من سياقه الذي وضع فيه، كما فعل كثيرون في العصور الوسطى مع بعض آيات الإنجيل التي فصلت عن سياقاتها لتبرير الحروب الصليبية، فهل سنعتبر إذًا أن المسيحية نفسها دين متطرف، أو أن الإنجيل كتاب يدعو إلى العنف؛ لأنه تسبب في نهاية الأمر إلى إشعال الحروب التي راح ضحيتها ملايين البشر.  

وعن سؤالهم عن موقف الأزهر من داعش وهل داعش تمثل الإسلام

أوضح عضو مركز الحوار بأن موقف الأزهر واضح، وأنه يرى فيهم أنهم إرهابيون لا يفهمون دينهم على النحو السليم، وأضاف أن داعش لا تقاتل غير المسلمين فقط، ولكنها تقاتل أيضا المسلمين الذين لا يعترفون بهم، ولا يبايعونهم على حد قولهم، ولهذا أسس الأزهر مرصدًا يعمل على الرد على ادعاءاتها بعد تعقبها وتفنيدها، والسؤال هنا لماذا لا نرى أحدًا من هؤلاء الدواعش تخرج من الأزهر؟ الإجابة هي أن الأزهر لا يدعو إلى هذا الفكر المتطرف الانتقامي، ولا ينتهج منهج الإرهاب، ويقوم مع ذلك بتحسين مناهجه التعليمية على الدوام، وحتى لو كان هناك قراءة متطرفة من أشخاص أو جماعات لبعض آي القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيبقى السؤال حول الداعم لهذا الفكر المتطرف بالمال أو السلاح، وهي منابع يجب أيضًا تجفيفها تمامًا كالتفاسير والمفاهيم المغلوطة التي تنشر هذا الفكر.

ومن جانبه أكد أحد أعضاء الوفد الألماني ويدعى كريستيان أن الإسلام يساء فهمه من قبل كثير من الأوربيون، وكثير من المسلمين في أوربا أيضا يسيئون فهمه وهم المتطرفون، الذين يفعلون جرائم باسم الدين ويعتقدون أنهم سيدخلون الجنة، وهنا عقب أحد أعضاء مرصد الأزهر من القسم الألماني أن الإسلام دين سلام، فالنبي أخبر أصحابه بعدم قطع الأشجار حتى في الحروب، وعدم تدمير الكنائس.

ثم طرح الوفد سؤلًا حول فهم الإسلام للأديان الأخرى وهل يريد المسلمون العيش وحدهم؟ وما موقف الإسلام من المسيحيين أو الملحدين؟

جائت الإجابة تقول بأن القرآن يقر مبدأ "لا إكراه في الدين" ولعلنا نجد في القرآن مجموعتين من الآيات، الأولي: هي التي تنتقد الأديان، والنقد دومًا مباح، فعيسى عليه السلام انتقد فهم اليهود آنذاك لكثير من تعاليم التوراة. بينما نجد نوعًا آخر من الآيات تبين للمسلمين الطريقة التي يتعاملون بها مع غير المسلمين على المستوى الاجتماعي، ففي قوله تعالى عندما سأل المسلمون: "يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم"، أوضح القرآن أن حتى طعام الذين أوتوا الكتاب مباح للمسلمين، وهذا يعني أن إذا تم دعوة المسلم من قبل مسيحي يجب عليه قبول الدعوة، كما قال تعالى: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"، وعن معاملة الآخر أشار الدكتور محمد عبد الفضيل أن المنطلق القرآني في التعامل مع الآخر أنهم أخوة في الإنسانية، وحتى لو كان مشركًا فله حق الجوار والأمن، وهو ما أكدت عليه سورة التوبة في قوله تعالى "وإن استجارك أحد من المشركين فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"

وتساءل أفراد الوفد عن مصادر الدخل لتنظيم لداعش؟

فأجاب أعضاء المرصد بالإشارة إلى التقرير الذي نشر من قبل بهذا الصدد، حيث تتنوع مصادر الدخل لدى التنظيم، فأهمها حقول البترول التي تسيطر عليها في العراق وسوريا، والنفط المهرب التي تبيعه، بجانب الجزية والضرائب.

حاول الوفد الوقوف على الأسباب التي تجعل الشباب ينضم إلى داعش

أجاب أعضاء المرصد عن هذا السؤال بالإشارة إلى الإغراءات التي تقدمها داعش إلى الشباب المنضمين إليها، من عمل بمرتب كبير وثابت، وزوجة وجوارٍ إلى جانب "الجنة" بعد الموت، ويوجد كثير من الشباب الضائع الذي لا يجد هدفًا له في الحياة، فنجده ينضم إلى التنظيم لأنه يقدم له الهدف الذي قد يموت من أجله، ألا وهو في سبيل الله.

وتسائل الوفد: هل يبعث الأزهر بأئمة إلى ألمانيا؟ أشار الدكتور محمد عبد الفضيل وأعضاء المرصد إلى أن هناك أئمة تخرجت في الأزهر ويعملون الآن في ألمانيا، على سبيل المثال في "مونستر" و"كاسِل" وغيرها من البلدان المشهورةهناك.

وعن سؤالهم حول ما يذكر من اضطهاد المرأة المسلمة

أوضح أعضاء المرصد أن كل ما يذكر من اضطهاد للمرأة وما يظهر في هذا الشأن ما هو إلا تأثر بعادات وتقاليد مجتمعية لا صلة لها بالإسلام، ولم يذكر القرآن الكريم ما من شأنه أن يفهم أنه اضطهاد للمرأة.

وفي نهاية اللقاء تحدث الوفد عن الفكر المغلوط المنتشر في ألمانيا، وعن بعض دعاة الكراهية المنتشرين في المساجد، كما عبروا عن سعادتهم لوجودهم في مشيخة الأزهر الشريف وعلمهم بجهود الأزهر الأخيرة لاسيما التواصل والتعاون بين الأزهر وألمانيا الذي تبلور في زيارة شيخ الأزهر الأخيرة لألمانيا ووزير الداخلية الألماني للأزهر وجامعته، كما عبر الوفد عن تطلعه لاستمرار الحوار بين الشرق والغرب وسماع المؤسسات الدينية المعتدلة للتساؤلات الموجودة في أذهان كثير من الأوربيين.

طباعة