ملتقى الشرق والغرب: قراءة إنسانية مجردة

  • | السبت, 12 نوفمبر, 2022
ملتقى الشرق والغرب: قراءة إنسانية مجردة

إن أمانة الكلمة وصوت الضمير هما مبعثان أساسيان للإصلاح الذي يرتجى لهذا العالم، في ظل ما يعتمل فيه من صخب وفوضى لا نهاية لهما على ما يبدو في القريب العاجل. ولطالما كان البحث عن التعايش المثالي طيفًا من خيال أو حلمًا بعيدًا في ظلال هذه الفوضى وذلك الصخب، وما يستتبعانه من تضارب في المصالح واختلاف في المشارب ومفارقة في الرؤى والغايات، لا سيما وأن صناع الحروب والنزاعات، والمنتفعين من ورائها، أحياء يرتعون على الأرض ويلعبون بمصائر البشر، وهو ما لا يمنحنا أو غيرنا الحق في أن نقول: إن السلام والتعايش هما منشود الجميع أو مقصود الكل. كلا؛ ليس هذا هو واقع عالمنا بأية صورة من الصور؛ فثمة باحثون عن الدماء متاجرون بها، وإن اجتهدوا في إظهار غير ذلك.
ولا شك أن تجربة "ملتقى الشرق والغرب" في البحث عن التعايش المنشود، تمثل حلقة جديدة في سلسلة جهود حثيثة لتحقيق التعايش السلمي والتواصل الحضاري بين الشرق والغرب، إذ تبدو كبحث الطبيب عن دواء ناجع لمريض اشتد به الألم، واستبد به اليأس. وقد امتدت هذه الأيادي الحانية لتطبب هذه الجروح وتخفف عن بني البشر –ما استطاعت- ألمهم ويأسهم، انطلاقًا من مسئولية جسيمة وضمير حي يدعوان إلى البحث عن قنطرة تصل بين شرق وغرب عاش كلاهما طويلا في عزلة عن الآخر.
ولقد رأى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور / أحمد الطيب - منذ سنوات طوال- أن الوقت لم يفُت لتأسيس حوار إنساني مع أطياف المجتمع الإنساني كافة على اختلاف مشاربهم وألوانهم وشرائعهم، فبادر إلى مد يده لإقرار السلام والدعوة إلى الحوار والتعايش، ونبذ الفرقة والاختلاف، والبحث عن مشتركات إنسانية تتسع للجميع، فدشن مرحلة جديدة، بدأها بجهود متواصلة ولقاءات ومبادرات، وزيارات لمختلف الدول، داعيًا إلى التقارب والسلام، وهي جهود كللت بوثيقة إنسانية فريدة في عام ٢٠١٩م وقعها مع بابا الفاتيكان، الذي جمعته به لقاءات سابقة ولاحقة مبتغاها نشر السلام وإقرار التعايش.
ومع انطلاق ملتقى البحرين للحوار مطلع شهر نوفمبر الجاري ٢٠٢٢م، وما حمله من رسائل حكيمة لفضيلة الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان، ما أثار تفاعلات كبيرة على المستوى الإقليمي والعالمي، تأكد لدينا أن التعايش السلمي ليس خيارًا، بل هو ضرورة إنسانية لا غنى عنها إذا كنا نطمح إلى حقن الدماء ومواجهة شبح الحرب الذي يحدق بشعوب لا ذنب لأبنائها غير أنهم جاءوا إلى هذا العالم، فوجدوا أنفسهم في بقاع مشتعلة بالنزاعات المسلحة والحروب التي تدور رحاها على العُزَّل والضعفاء من مواطني الدول الفقيرة. هذه هي قراءتنا وقراءة العقلاء لكل محاولة لنشر السلام ومباديء التعايش السلمي في كافة المجتمعات.
إن ملتقى البحرين هو انحياز مجرد إلى الإنسان وقضاياه، ودفاع باسل عن آدميته وحريته وكرامته، وهو نداء لكل عقلاء العالم الإسلامي والمسيحي بأن يجعلوا التعايش السلمي هدفًا لكل أشكال التواصل والتفاعل والحوار في شرق العالم وغربه. وهو صرخة في وجه تجار الحروب ومضرمي النيران في جسد البشرية، ومثيري الفتن بين بني البشر ليستفيقوا من غيّهم، وليعلموا أن رسائل السلام هي أطواق النجاة للبشرية كلها، وأن الحرب لا تجلب إلا الخسران والدمار مهما عظمت المكاسب المادية من ورائها.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة