تواصل وحدة الرصد باللغة الإسبانية تسليط الضوء على الحملات الأمنية التي قامت بها السلطات الإسبانية خلال الأعوام الأخيرة، وفي هذا التقرير نستعرض الحملات والاعتقالات التي وقعت في عام 2021م، إذ واصلت إسبانيا حملاتها الأمنية المكثفة لمواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية المتتالية، وعلى رأسها تهديدات تنظيم داعش الإرهابي، للعديد من البلدان الأوروبية، لا سيما أن إسبانيا لها أسباب خاصة تجعلها محط أنظار هذه التنظيمات، وذلك يرجع إلى أن جزءًا كبيرًا من شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال حاليًا) كان حتى القرن الخامس عشر دولة إسلامية عظيمة "دولة الأندلس".
وتستغل العناصر المتطرفة خاصة من تنظيم داعش الإرهابي في مناسبات عديدة فكرة استرداد "الأندلس"، وتلعب على أوتارها، وتحاول تصدير هذه الفكرة إلى عقول الشباب. لكن السلطات الإسبانية تتمتع باليقظة وتقوم بحملات أمنية متواصلة لتفكيك أية خلايا إرهابية على أراضيها.
جدير بالذكر أن "مرصد الأزهر" كان قد حذَّر من شبح عودة تهديدات داعش الإرهابي؛ رغم إجراءات السلطات الأمنية الإسبانية للحد من أنشطة التنظيمات الإرهابية.
والمتتبع للوضع الإسباني يدرك استمرار عمليات المداهمة والاعتقال لمواجهة التنظيمات المتطرفة؛ حيث نجحت السلطات الإسبانية في تحييد (39) متطرفًا خلال (22) عملية مداهمة أمنية على مدار عام 2021م، الأمر الذي يؤشر بوضوح إلى يقظة القوات الأمنية ومتابعتها المستمرة لأنشطة التنظيمات المتطرفة حتى خلال فترة جائحة كورونا.
ومن خلال الإحصائيات فقد نجحت السلطات في تنفيذ (52) عملية أمنية خلال العام 2017م وهو الأكبر مقارنة بالأعوام (2018- 2019- 2020م) بواقع (24) و(32) و(23) عملية على الترتيب. في حين كان العدد (36) عملية أمنية في عامي (2015م- 2016م)، و(13) عملية في عام 2014م، و(8) عمليات فقط في عام 2013م. ومن هذه الأرقام يمكن أن نستخلص أنه بشكل عام، لا تزال عدد العمليات التي نفذت وعدد الأشخاص المعتقلين مماثلًا للسنوات الأربع الماضية، باستثناء العمل المكثف الذي قامت به قوات الأمن الإسبانية في عامي 2017م و 2015م.
وفي سياق متصل اعتقلت قوات الجيش والشرطة الإسبانية (439) متطرفًا منذ بداية عام 2013م وحتي نهاية 2021م بإجمالي (246) عملية أمنية، وفي الجدول التالي رسم بياني توضيحي للعمليات الأمنية وأعداد المعتقَلين منذ 2013م وحتى ديسمبر 2021م.
وبنظرة سريعة على مؤشر عمليات الاعتقال للعام 2021م، يتضح أن السلطات الإسبانية لم تنفذ أية عمليات أمنية ضد التنظيمات الإرهابية خلال شهر فبراير، الأمر الذي تكرر في الفترة (أكتوبر - نوفمبر) من العام 2019م، والمدة (مارس - أغسطس) في العام 2020م.
في المقابل شهدت المدة (مارس- أكتوبر) للعام ٢٠٢١م أكبر عدد من عمليات الاعتقال بلغت (18) متطرفًا عبر (9) حملات أمنية. كما أن هناك تباينًا في أعداد المعتقلين بين يونيو وسبتمبر ونوفمبر وديسمبر، حيث أُلقي فيهما القبض على اثنين من المتطرفين وواحد في يوليو وأغسطس وفي الشهور: يناير وأبريل ومايو أُلقي القبض على (11) متطرفًا بواقع (4) متطرفين في أبريل ومايو ٢٠٢١م، و3 في شهر يناير٢٠٢١م، وفي الجدول التالي رسم توضيحي لأعداد المعتقَلين والعمليات الأمنية من يناير وحتى ديسمبر 2021م.
كما ذكرت جهات التحقيق أن عمليات الاعتقال لـــ(39) شخصًا خلال العام الماضي 2021م كانت بتهمة التخطيط لارتكاب هجمات إرهابية في إسبانيا ونقل الأفراد إلى مناطق الصراع، وتمويل التنظيمات الإرهابية، وبصفة عامة القيام بتجنيد مقاتلين جدد ليصبحوا جزءًا من هذه العناصر الإرهابية.
كما برز خلال هذا العام العديد من العمليات الأمنية داخل السجون الإسبانية والتي أصبحت أحد المصادر الرئيسة للاستقطاب والتجنيد والتطرف، حيث وقعت (5) عمليات أمنية اعتقل خلالها (9) متطرفين، وهو ما يمثل حوالي 25% من إجمالي عدد المعتقلين.
وكان السجن الأبرز هذا العام هو سجن "مرسية" حيث نُفِّذت فيه (3) عمليات أمنية؛ ولهذا تُولي الداخلية الإسبانية اهتمامًا كبيرًا بهذا الموضوع وتراقب السجناء الأكثر تطرفًا منذ سنوات مراقبة صارمة، وتعمل على مكافحة التطرف فكريًّا داخل السجون من خلال الدورات التي تنظمها مؤسسة السجون لتدريب المسئولين على منع انتشار الفكر المتطرف داخل السجون، وكان من بين المعتقلين (3) سجناء متطرفين، كانوا - طبقًا لما أعلنته وزارة الداخلية الإسبانية- يحرضون السجناء الآخرين ويهددونهم للانضمام إلى خليتهم التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، كما قاموا بضرب سجين آخر رفض الانضمام إليهم، مما تسبب في إحداث إصابات خطيرة له.
وتواصل السلطات الأمنية الإسبانية العمل على تجفيف مصادر تمويل تنظيم "داعش" في إسبانيا حيث تمكَّنت من الحد من مصادر التمويل عن طريق نظام "الحوالة" المصرفية- وهو أسلوب قائم على الثقة للتحويلات غير الرسمية لمبالغ مالية كبيرة أو صغيرة، وبفضله ليست هناك حاجة للجوء إلى البنوك كوسطاء. ووقعت آخر عملية قام بها الأمن الإسباني في شهر نوفمبر 2021م، عندما اعتقل شقيقين بتهمة تمويل تنظيم داعش، حيث كانا يحصلان على النقود بهدف تمويل أنشطتهما، وكذلك إرسال أموال من أنصار التنظيم الإرهابي من داخل إسبانيا إلى سوريا وأجزاء أخرى من أوروبا، وذكرت التحقيقات أن العديد من الأموال التي دخلت في دائرة التمويل للتنظيمات المتطرفة جاءت من أعمال قانونية في إسبانيا مثل الاستثمارات العقارية أو وكالات بيع الشاحنات التي استحوذت على المركبات في أوروبا لتوزيعها لاحقًا في البلدان التي يكون لتلك التنظيمات فيها "مصالح إستراتيجية".
كما كشف التقرير الجديد للشرطة الأوروبية "اليوروبول" في يوليه 2022م عن حالات لمنظمات إرهابية تستخدم منظمات غير ربحية لجمع التبرعات تحت ستار "جمع التبرعات الخيرية"، حيث لا تزال التبرعات الفردية إحدى الوسائل الرئيسية لتمويل المنظمات الإرهابية، وأشار التقرير إلى أن جهاز المخابرات الإسبانية نظم العديد من العمليات لقطع مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية المتطرفة، حيث ألقي القبض على (3) مشتبه بهم لتمويل الإرهاب باستخدام هذه الوسائل في مارس 2021م، وذكر التقرير أن معظم الأموال التي تم توجيهها من إسبانيا إلى التنظيمات الإرهابية قد جُمعت من خلال حملات التمويل الجماعي عبر الإنترنت، ولهذا السبب كرست المخابرات الإسبانية جزءًا من جهودها لتحليل حملات التمويل الجماعي عبر المنصات الرقمية، وإجمالًا خلال هذ العام تمكنت قوات الأمن الإسبانية من اعتقال (6) متطرفين بتهمة تمويل داعش في (3) عمليات أمنية اعتُقل فيه (8) من المتطرفين.
وفيما يخص أماكن تمركز العمليات الأمنية في إسبانيا على مدار العام، نجد أنه تم تنفيذ (4) عمليات مختلفة على مدار العام في إقليم "قطلونية" اعتقل خلالها (10) متطرفين، وفي العاصمة "مدريد" تم تنفيذ (3) عمليات أمنية، ومثلها في "مرسية"، ونُفذت واحدة في "مليلية" وأخرى في "سبتة" والتي دائمًا ما ينظر إليهما على أنهما معقل للمتطرفين، إضافة لإلقاء القبض على آخرين في بلديات مثل "توليدو" و"قرطبة" و"ألمرية" و"إشبيلية" وغيرها، كما اتضح أن واحدًا من كل ثلاثة معتقلين في عام 2021م كان على صلة بآخرين تم القبض عليهم بسبب أنشطة إرهابية، وخمسة منهم على صلة مباشرة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب.
الحملات الأمنية ضد التنظيمات المتطرفة في إسبانيا 2021م.. قراءة تحليلية
وفيما يتعلق بالدور الذي تلعبه النساء والأطفال القُصر في صفوف التنظيمات المتطرفة، في البداية هناك حقيقة مهمة وهي أنه لم يتم اعتقال أي طفل قاصر أو امرأة خلال عام 2021م وهو نفس الأمر بعد عام 2017م والذي اعتُقل خلاله (3) من القُصر، في حين اعتقلت (8) نساء (6) إسبانيات وواحدة مغربية وأخرى مكسيكية في السنوات الخمس الماضية بواقع واحدة في عام 2019م، وكانت تبلغ من العمر (45) عامًا، وأخري في عام 2020م وكانت تبلغ من العمر (24) عامًا، والبقية اعتقلن في 2017م، وكانت أصغرهن تبلغ من العمر (19) عامًا؛ ولهذا ينبغي أن لا ننسى أن النساء ما زلن يلعبن دورًا مهمًّا في داعش عن طريق تجنيد النساء الأخريات عبر إقناعهن بالانتقال إلى مناطق الصراع، سعيًا وراء أحلام زائفة أو من خلال نشر الدعاية المتطرفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إضافة لزيادة عدد الزيجات بين أعضاء المجموعة وإضفاء الطابع الرسمي على الزواج، وأن يَكنَّ مستقبلًا أمهات لأشبال الخلافة كما يطلقون عليهم، وكذلك لسهولة عملية عودة المقاتلين إلى أوروبا، عن طريق الزواج الشرعي ليكون من السهل عبورهم بين حدود دول تلك المنطقة.
وفيما يخص الفئات العمرية للمعتقلين: في عام 2021م تبين أن متوسط عمر العنصر المتطرف في إسبانيا قد انخفض ليتراوح ما بين (18) إلى (24) عامًا، بينما كانت تتراوح في العام السابق 2020م ما بين (32) و(38) عامًا، وفيما يخص جنسيات المعتقلين في إسبانيا عام 2021م، نجد أن الغالبية العظمى منهم يحملون الجنسية المغربية بنسبة 44% ثم الإسبانية بنسبة 23%، تليها الجزائرية بنسبة 26%، ثم الباكستانية بنسبة 5% ثم الفرنسية بنسبة 2%، فضلًا عن الترابط والصلة بين المعتقلين، حيث إن واحدًا من كل ثلاثة كان على صلة بمعتقلين آخرين بسبب ممارسة أنشطة إرهابية، ومن النتائج الأخرى في تحليل ملف المعتقلين المتطرفين في إسبانيا عام 2021م هي أنهم جميعًا رجال، إضافة إلى أن 56٪ عازبون، و62٪ منهم عاطلون عن العمل، و42٪ منهم لديهم سجل جرائم عادية، كما أن 71٪ منهم كان انتمائه الأيديولوجي لصالح تنظيم "داعش" الإرهابي، علاوة على ذلك فإنه من بين الـــ(39) معتقلًا العام الماضي 2021م، وجد (13٪) على صلة بمقاتلين أجانب، وكانت نسبة من لديهم جرائم خاصة بتمجيد الإرهاب (32٪)، والتلقين العقدي (26٪) والانضمام لتنظيم إرهابي (21٪).
وتعتبر الذئاب المنفردة والعائدون من صفوف التنظيمات المتطرفة في مناطق الصراع من أبرز ما يثير قلق الجهات الأمنية في إسبانيا، حيث لا يمكن استبعاد الخلايا المتطرفة مثل التي قامت بتنفيذ عملية الهجوم في قطلونية في 2017م. ومن هذا المنطلق، نجد أنه في نهاية عام 2021م، سلط موقع "نويسترا إسبانيا" في يوليه 2022م الضوء على تقديم المركز التذكاري لضحايا الإرهاب معلومات في تقريره عن الإرهاب في إسبانيا ووضع مقاتلي تنظيم داعش من الإسبان، حيث بلغ عددهم (258) شخصًا انتقلوا إلى مناطق الصراع للانضمام إلى صفوف التنظيمات داعش والقاعدة، وقد عاد منهم (57) إلى أوروبا، بينما لقي (76) آخرون مصرعهم، وما زال هناك (125) شخصًا في مناطق النزاع. ومن الجدير بالذكر أن معظم العائدين يعاقبون بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية، وتتراوح أحكام بالسجن عليهم ما بين (6) و(12) عامًا.
ويرى مرصد الأزهر أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها قوات الأمن لمكافحة الإرهاب، فإن أوروبا لا تزال هدفًا مهمًّا للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، وأن الذئاب المنفردة والعائدين يمثلان خطرًا كبيرًا على القارة العجوز، كما نشدد على أهمية الوقاية من حدوث هجمات إرهابية، وأنه يجب على قوات الأمن توخي الحذر لتجنب خطر إزهاق مئات الأرواح، وخلال عرض الكتاب السنوي لمكافحة التطرف لعام 2021م، أشار مدير إدارة الأمن القومي الجنرال "ميجيل أنخيل باليستيروس"، إلى أنه لا يمكن تقليل الحذر من "الإرهاب المتطرف"، مع التركيز على منطقة الساحل وأيضًا على التهديد المزدوج الذي تشكله عودة المقاتلين الأجانب والمعروفين بـ "الفاعلين المنفردين" أو "الذئاب المنفردة" من العناصر المتطرفة في إسبانيا.
وأوضح التقرير أن "المواطنين من ذوي الأصول المغربية يمثلون الغالبية العظمى من المهاجرين إلى مناطق النزاع، حيث بلغ عددهم (157) شخصًا، بينما بلغ عدد الإسبان (48) شخصًا، فضلًا عن (53) من جنسيات أخرى، وبالنسبة لتقسيمهم الجنسي يضم هذا العدد الإجمالي (227) رجلًا و(31) امرأة.
ويبرز من بين هؤلاء كل من "محمد ياسين بيريث" والملقب بـ"القرطبي"، و"يولاندا مارتينيث " وهي مواطنة من مدريد تزوجت من عمر الحرشي، وهو إسباني من أصل مغربي ومجند بارز في تنظيم داعش، جدير بالذكر أن العدد الإجمالي للمقاتلين الأجانب من أوروبا والذين انضموا إلى صفوف تنظيم داعش والقاعدة وغيرهما من المنظمات الإرهابية يتراوح بين (5500) و(6000) شخصًا.
وختامًا نرى ضرورة العمل على تضافر الجهود وتعزيز التعاون المشترك في مجال مكافحة التطرف بين مختلف المؤسسات والهيئات الرسمية وغير الرسمية؛ للحد من انتشار هذه الظاهرة وللقضاء على أذناب التنظيمات الإرهابية، كما ندعو إلى احتضان الجاليات الأجنبية المختلفة داخل إسبانيا وتشجيعهم على الاندماج داخل المجتمع الإسباني، والتعاون مع السلطات من خلال الإبلاغ عن أية حالة يُشتبه في تطرفها لتجنيب المجتمع ويلات العمليات الإرهابية التي حصدت العديد من أرواح الأبرياء في الأعوام الأخيرة.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية