"إسبانيا ومواجهة خطر الطائرات بدون طيار"

  • | الأحد, 13 نوفمبر, 2022
"إسبانيا ومواجهة خطر الطائرات بدون طيار"

تطورت تقنيات صناعة الطائرات بدون طيار "المسيّرات" أو "الدرونز" كما أُطلق عليها في السنوات الأخيرة وأصبحت تستخدم في العديد من المجالات، إذ تجاوزت الأغراض الأمنية والعسكرية مثل عمليات الاستطلاع والمراقبة والقيام بعمليات هجوم جوي، إلى الأغراض السلمية الأخرى، مثل التصوير الفوتوغرافي ومكافحة الحرائق، ومراقبة تغيُّر المناخ، ورش المحاصيل الزراعية بدقة عالية وغيرها من المهام المختلفة، كما أنه يمكن تطوير أدائها تقنيًا للقيام بالعديد من المهام الأخرى.

وطبقًا لما ذكرته جريدة "لاراثون" الإسبانية بتاريخ 4 يوليه 2022 فإن إسبانيا تعتمد على نحو (20) طائرة بدون طيار لإنقاذ الناس من الغرق بالشواطئ، وقد أثبتت كفاءة كبيرة بحيث تحتاج إلى نحو 30 ثانية فقط لإنقاذ شخص من الغرق، فيما يحتاج رجال الإنقاذ إلى حوالي دقيقتين ونصف.

لكن اللافت للانتباه في الفترة الأخيرة، اتجاه التنظيمات المتطرفة إلى استخدام "الطائرات المُسيرة" لتقليل تكاليف عملياتها الإرهابية، ولسهولة قدرتها على اختراق النظام الأمني لأية دولة تستهدفها، وكذلك بسبب أسعارها المنخفضة وسهولة تصنيعها بما يمنح تلك التنظيمات بدائل قوية لتنفيذ عملياتها الإرهابية. واستكمالًا للتأكيد على خطورة تلك الطائرات واستغلال العناصر المتطرفة لها، أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في تقرير سابق أن "الطائرات بدون طيار" تُعد سلاحًا ذا حدين، فكما تستخدمه التنظيمات الإرهابية في تنفيذ هجماتها، فإن الأجهزة الأمنية لبعض الدول -من بينها إسبانيا- تستخدمه وسيلةً لمكافحة الإرهاب. كما تكمن خطورتها في أنه لا توجد تقنية كشف واحدة بين تقنيات الأنظمة الجوية المضادة للطائرات بدون طيار قادرة على كشف وتعقّب أنواع المسيرات كافة في جميع الأحوال والظروف.

وعلى الرغم من أنه قد يبدو وكأنه سيناريو خيال علمي، إلا أن الحقيقة هي أن تهديد هجمات الطائرات بدون طيار حقيقي وواقعي أكثر مما يبدو، حيث أُحبطت العديد من المخططات لشن هجمات من هذا النوع في العديد من دول العالم والتي من بينها إسبانيا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وغيرها من الدول.

وبالفعل، كشفت الشرطة الإسبانية في السنوات الماضية عن خطط من هذا النوع في إسبانيا حيث إنه في عام 2017 ألقت الشرطة الوطنية القبض على رجل "بنغالي" في مدينة "ميريدا" كان يحاول شراء طائرات بدون طيار لإرسالها إلى داعش سوريا.

وفي عام 2020، ألقى الحرس المدني القبض على متطرف آخر في برشلونة كان يخطط لوضع متفجرات في طائرة مسيرة وتوجيهها نحو ملعب "كامب نو" وتفجيرها في أثناء إقامة مباراة بين فريقي برشلونة وريال مدريد؛ ولذا تواجه إسبانيا بعض المخاطر من انتشار تلك الطائرات، نذكر منها ما يلي:

  • مخاطر الطائرات بدون طيار على الأمن القومي الإسباني

سلطت جريدة‏ "إل كونفيدنثيال ديخيتال" الإسبانية، في عددها الصادر بتاريخ 15 أغسطس 2022م، الضوء على دراسة المجلس الوطني لسلامة الفضاء الخارجي بعنوان: "الطائرات بدون طيار والأمن القومي.. دراسة متعددة الأبعاد" والتي تهدف إلى تحليل طبيعة الواقع الحالي للطائرات بدون طيار في إسبانيا، وتحديد مجالات التطوير، والتأسيس لتطبيع السيناريو الوطني للطائرات بدون طيار واستخدامها الآمن.

وقد استعرض المحور الخامس من الدراسة السابقة، الجهود المبذولة لتحييد الطائرات بدون طيار المعادية، خاصة من جانب التنظيمات المتطرفة، واستخدامها تقنيات حديثة للهجوم من خلال بعض الأنظمة والتي من شأنها أن يكون من السهل إسقاط عبوة ناسفة من الهواء في مكان معين.

وبالتالي لم يكن مستغربًا أن تركز إستراتيجيات الأمن القومي الإسباني للأعوام 2017م و2019م و2021م على الاستخدام العدواني وغير المشروع للطائرات بدون طيار باعتباره أحد أكبر التهديدات إثارة للقلق على الأمن القومي. كما حذرت إستراتيجية الأمن القومي للعام 2022م من انتشار الاستخدام غير المشروع للطائرات بدون طيار، والذي يمكن أن يشمل استهداف المطارات أو التأثير على البنية التحتية الحيوية، وتحويلها إلى أداة أو سلاح للتخريب أو الأعمال الإرهابية.

ولمواجهة هذا التهديد، طورت الأجهزة الأمنية الإسبانية نظامًا لحماية المؤسسات والبنى التحتية الحساسة بشكل خاص، من خلال تقنية الكشف والاعتراض والاعتماد على عناصر التتبع ورصد الترددات اللاسلكية، والكاميرات الكهربائية البصرية، وأجهزة الاستشعار التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة الاستشعار الصوتية التي تكشف الصوت المميز الذي يصدره النوع الشائع من الطائرات بدون طيار. كما تشمل تشويش الترددات اللاسلكية، وتشويش أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) من خلال الاستحواذ على رابطة الاتصالات الخاصة بها للسيطرة عليها. وكذلك، وضع سلسلة من الإجراءات للحد من استخدام الطائرات بدون طيار لأغراض إرهابية مثل الحاجة إلى وجود مستشعرات صوتية وكهربائية ضوئية ذات تقنية عالية لمتابعة مسار الطائرات المسيرة، حيث تحذر تلك المستشعرات من وجود طائرات بدون طيار معادية، ولإيقافها يجب أن تكون هناك أنظمة حركية للتحييد المادي مثل الليزر، أو الحواجز وما إلى ذلك.

ومن خلال متابعة وتحليل المرصد، نرى أن خطورة الطائرات بدون طيار، تكمن فيما يلي:

  1.  القدرة التقنية على صنع أو تعديل ترددات الطائرات بدون طيار أو برمجتها للعمل بدون اتصال بالتردد اللاسلكي لاستخدامها بشكل غير قانوني وخارج سيطرة السلطات.
  2.  قدرة " قراصنة الطائرات بدون طيار" على استخدام تقنيات لإخراج أجهزتهم من سيطرة قوات الأمن، والهروب من نطاق الترددات القادرة على تثبيط أنظمتهم المضادة للطائرات بدون طيار.
  3. سهولة العثور عليها حيث أن سعرها يتراوح على المتاجر الإلكترونية بين 2000 و8000 دولار.
  4. وجود برامج تعليمية متداولة وصفحات إلكترونية تبيع وحدات التشفير والأنظمة الذاتية للطائرات بدون طيار، والتي يمكن من خلالها التحايل على تقنيات منع الإشارات وتثبيط التردد اللاسلكي التي تعمل بها قوات الأمن على تحييد الطائرات بدون طيار التي تعتبر معادية.

ولهذا، أكدت الدراسة على ضرورة تعديل القوانين الحالية لمعاقبة استخدام أو تصنيع الطائرات بدون طيار بشكل غير قانوني. وعلى الرغم من أنه يبدو من الضروري والممكن اتخاذ خطوات لتحسين نظام الحماية ضد الطائرات بدون طيار في إسبانيا، إلا أن التقرير لا يتردد في الاعتراف بأن "التغطية الكاملة صعبة للغاية أو مستحيلة التحقيق"، مشددًا على أن الحماية الكاملة غير ممكنة"، ولكن من الضروري محاربة هذا التهديد لإظهار أن قطاع الطائرات بدون طيار "منظم ومراقب وهناك معاقبة على الاستخدام الضار لها".

  • مخاطر استغلال الطائرات بدون طيار داخل السجون الإسبانية

توصيل الطرود المختلفة للمعتقلين بالسجون الإسبانية (والتي غالبًا ما تضم هواتف محمولة أو مواد مخدرة أو متفجرات) من أشكال الاستغلال الإجرامي للمسيرات بحسب تقرير صحيفة "إل كونفيدنثيال" الإسبانية، بتاريخ 22 أغسطس 2022م، الأمر الذي يتطلب احترازًا أمنيًّا مشددًا لمنع وصول مثل هذه المواد داخل السجون، كما يخشى المسؤولون من استخدام تلك الطائرات "المسيرة" في نقل الأسلحة والمتفجرات أيضًا فضلًا عن أية مواد أخرى محظورة. 

وتظهر البيانات الرسمية -التي حصلت عليها الصحيفة- زيادة مطردة في وقائع مشاهدات الطائرات بدون طيار في السجون الإسبانية. ففي النصف الأول من هذا العام 2022، تم التحقق من (33) مشاهدة لطائرات مسيرة بالقرب من بعض السجون، مقارنة بـ 23 مشاهدة في عام 2021 بالكامل. كما يوجد تصاعد في عدد تلك الحالات مقارنة بما كان عليه الحال في الفترات السابقة، لأنه خلال عام 2018 تم تسجيل حالة وحيدة في مالقة، بينما خلال عامي 2019 و2020 تم الكشف عن خمس حالات في كل منهما.

وفي المجمل فقد تم تسجيل (69) حادثة في السنوات الخمس والنصف الماضية، بزيادة قدرها 500% عن ذي قبل. ومن إجمالي (92) سجنًا في إسبانيا، أبلغ (18) منها فقط عن وجود هذا النوع من النشاط الإجرامي. وفي الجدول التالي رسمٌ بياني توضيحيٌّ لعملية تسجيل مشاهدات طائرات الدرونز بالقرب من السجون الإسبانية في الأعوام الخمس الماضية.

Image

وقد تمكنت الصحيفة من الحصول على بعض البيانات التي تفيد بأن سجن "سبتة" كان أكثر السجون تضررًا من هذا الأمر، وهناك تخوفات من تسلل أسلحة ومتفجرات إلى السجناء في الداخل بما يشكل تهديدًا وخطرًا محدقًا بأمن السجون داخليًّا.

وقد استحوذ السجن وحده على 34٪ من مشاهدات طائرات "الدرونز" بالقرب من السجون و54٪ من الأجهزة المضبوطة، ليصبح السجن الذي شهد أكبر عدد من تلك الحوادث. مع الأخذ في الاعتبار الخصائص الخاصة لنزلاء السجون وطبيعة جرائمهم، حيث إن أغلبهم من المتطرفين المصنفين على أنهم إرهابيون.  ولذا أصبحت مكافحة التطرف في سبتة، أحد ركائز خطة مكافحة الإرهاب في إسبانيا، والتي دائمًا ما يُنظر إليها من جانب السلطات الإسبانية على أنها معقل للمتطرفين.

Image

صورة لطائرة مُسيرة أسقطت في سجن سبتة

وفي هذا السياق، أوضح "محمد حيدور"، ممثل الهيئة الإدارية للمؤسسات الإصلاحية التابعة للاتحاد العام للعمال الإسباني في سجن سبتة، أن وحدة مكافحة الطائرات بدون طيار التابعة للحرس المدني أسقطت نحو ثلاثين جهازًا بين نهاية 2020 ونهاية 2021. وهذا لا يعني أن جميعهم كانوا متجهين إلى السجن، لكنه يعكس الاستخدام الإجرامي لهذه الأجهزة في المنطقة. ويعتقد الكثيرون أن السجون فرصة للقيام بأعمال تجارية من خلال إدخال جميع المحظورات باستخدام طائرات بدون طيار بديلًا عن الطرق التقليدية. ولمحاولة مواجهة خطر الطائرات بدون طيار داخل السجون، عقدت المؤسسات الإصلاحية في إسبانيا اجتماعًا في 7 يوليه 2022 في مدينة سبتة، وأعلنت إطلاق ‏مشروع تجريبي لتخصيص نظام لمكافحة الطائرات بدون طيار في المدينة بتكلفة (250) ألف يورو، شبيه بالموجود في المطارات؛ حيث بدأت ‏الاختبارات التمهيدية العام لقياس مدى فعاليته، على أن يبدأ التنفيذ حال نجاح الاختبارات.

  • مخاطر "الدرونز" على بعثات مكافحة الإرهاب الإسبانية في مناطق النزاع

تشكل "الطائرات بدون طيار" خطرًا على بعثات إسبانيا لمكافحة الإرهاب في مناطق النزاع، حيث سلطت صحيفة ‏"بوث بوبلي" الإسبانية، في عددها بتاريخ ‏24 يوليه 2022م‏، الضوء على تقرير جديد لـ"المركز التذكاري لضحايا الإرهاب" في إسبانيا، يفيد تعرض حوالي (3) ألاف جندي إسباني (ينتشرون في مناطق النزاع مثل: العراق ومالي والصومال ضمن قوات دولية) إلى عدد (11) هجومًا إرهابيًّا خلال العام 2021م، ووفقًا للتقرير كانت هناك هجمات مسجلة على مطارات في العراق باستخدام صواريخ "الكاتيوشا" والطائرات بدون طيار، وأحيانًا مزيج من كلتا التقنيتين. وقد أسقطت أنظمة الدفاع التي يحمي بها الموقع العسكري عدة طائرات بدون طيار كان المسلحون يعتزمون تنفيذ أعمالهم بها. إضافة إلى ذلك، وقع هجوم على مطار بغداد الدولي ثلاث مرات على الأقل باستخدام إجراءات مماثلة لتلك السابقة، بالصواريخ والطائرات بدون طيار.

وعليه لا بد من تحديث القوانين الدولية لمواجهة الانتشار والاستخدام غير المشروع للطائرات بدون طيار ومحاولة منع وصولها إلى التنظيمات المتطرفة، والعمل على الحد من تجارتها وسهولة تداولها، والتوعية بخطوة استعمالها بطريقة خاطئة والنتائج المترتبة على ذلك، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تضافر الجهود الأمنية وتبادل الخبرات خصوصًا بين الدول المعنية بقضايا الإرهاب. إضافة إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب خطرها، خاصة مع ازدياد التهديدات التي تمثلها هذه النوعية من الطائرات، وابتكار بعض الحلول والأنظمة المضادة لتلك الطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد لمنع اختراقها المجال الجوي للدول. وكذلك تحديث تقنيات الأنظمة المضادة للطائرات بدون طيار تحديثًا منتظمًا من أجل إضافة الأنواع الجديدة التي تطرح في السوق إلى بياناتها، وكذلك التمييز بين الطائرات بدون طيار الحليفة والعدوّة.

طباعة