وجه داعش الأوروبي

المتعاطفين مع داعش في ألمانيا

  • | الإثنين, 11 أبريل, 2016
وجه داعش الأوروبي

بينما تتزايد أعداد الشباب الأوروبي الذي يهاجر إلى الأراضي الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية ليقاتل في صفوفها حتى وصل وفقًا لبعض المصادر إلى 20000 مقاتل، تحاول تلك الدول بأجهزتها المختلفة معرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الموجة الغريبة من الهجرة إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط، ولم تكن الصحافة بعيدةً عن هذا البحث، إذ حاولت صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية البحث عن هؤلاء الشباب في معقلهم، وسائل التواصل الاجتماعي، فتواصلت الجريدة مع بعضهم على فيسبوك وتويتر وأسك لتطرح عليهم العديد من الأسئلة حول حياتهم وتعاطفهم مع هذا التنظيم الإرهابي وتعاملهم مع المحيط الذي يعيشون فيه، وقد ذكرت الجريدة أنها تحاور أشخاصًا قد يكونون في اليوم التالي في إحدى مناطق الصراع الدائر في الشرق الأوسط لتبحث عن إجابة لتلك الأسئلة.

 

 

صورة الشاب إرهان

المصدر: جريدة زود دويتشى تسايتونج

من بين هؤلاء نشرت الصحيفة نصًّا لمقابلةٍ مطولة مع شاب من أصلٍ تركي يبلغ من العمر 22 عامًا يدعى "إرهان" أتى مع والديه إلى ألمانيا في عمر الثانية ويعيش في مدينة كيمبتن الواقعة في ولاية بافاريا الألمانية، يرتدي الشاب كما في الصورة قلنسوة وكنزة تحمل شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وله أصدقاء سافروا بالفعل إلى مناطق سيطرة تنظيم داعش وبعضهم لقي مصرعه في المعارك الدائرة في سوريا، ماذا يفهم هؤلاء الشباب من الإسلام؟ وكيف ينظرون إلى أسرهم ومحيطهم الألماني؟ وما هو رد فعل المسلمين الآخرين في ألمانيا على هؤلاء المتطرفين؟ وما الذي يجذب هؤلاء الشباب إلى تنظيم داعش وكيف يؤثر عليهم التنظيم؟ نحاول في هذا المقال أن نجيب على هذه الأسئلة من واقع تلك المقابلة.

الإسلام الحقيقي والإسلام الوهمي

يتحدث الشاب المولود لأبوين مسلمين عن أنه لم يعتنق الإسلام إلا منذ سنواتٍ قليلة، ويرى أن حياته السابقة ليست من الإسلام في شيء؛ حيث كان يأكل لحم الخنزير، ولم يكتف الشاب بهذا إلا إنه يعتبر والده غير مسلم لأنه لا يؤدي الصلاة كما أن والدته ليست على طريق الإسلام الصحيح على الرغم من أدائها الصلوات، فهي تحاول أن تحرف الكلم عن مواضعه في القرآن، وهذا يعيد إلى أذهاننا صورة المتطرفين في مصر في القرن الماضي، الذين كفروا أسرهم لأنهم لم يتبعوا منهجهم وطريقتهم في فهم الدين الإسلامي، فآراء والدته التي غالبًا ما تتبنى مفهومًا وسطيًا عن الدين الإسلامي يراها تحريفًا للقرآن الكريم لمجرد رفضها لآرائه المتطرفة.

وبالعودة إلى القرآن نجد هذا الشاب يحاول أن ينسب كل ما يقوله إلى القرآن، دون أن يبين المواضع والآيات التي يستند إليها في اعتقاده؛ فهو يقول أن إعفاء اللحية مذكورٌ في القرآن، ويقول أنه لا يجري تطبيق آيات القرآن على مراد الله إلا في أراضي تنظيم داعش وأن داعش هي السبيل الوحيد الصحيح لتطبيق الإسلام، حتى تنظيم القاعدة يرفضه "إرهان" ولا يعتبره من ممثلي الإسلام الصحيح، ويرى "إرهان" أن داعش هي النموذج الوحيد والصحيح لتطبيق الدين الإسلامي، في مواجهة ما يسميه بالإسلام الأوروبي المائع الذي تتبناه دول مثل تركيا وغيرها، لا يكتفي "إرهان" بهذا بل يغض الطرف عن كل جرائم تنظيم داعش وأساليبه الوحشية ويقول أنه لا يعرف أي شيء عن الأساليب الوحشية للتنظيم التي طبقت شهرتها الآفاق.

بالطبع لم يذكر القرآن سطرًا واحدًا عن إعفاء اللحية وهذا يؤكد لنا ما نعرفه من جهل هؤلاء المتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية بأساسيات الدين الإسلامي، كما أن ما يقوله عن وحشية تنظيم داعش يشي بأنه لا يرى فيما يقوم به تنظيم داعش أي جرم أو مخالفة للدين الإسلامي، فأين يجد "إرهان" سندًا في القرآن الكريم لترويع الآمنين وقتل النساء والأطفال وإحراق البشر وغيرها من الجرائم التي يقوم بها هذا التنظيم الإرهابي، ولا يعد ما يقوله "إرهان" بخصوص الإسلام الحقيقي الذي تطبقه داعش في مقابل "الإسلام المائع" في باقي الدول جديدًا أيضًا، إذ سبقه فيه الكثيرون من المتطرفين الذين يكفرون الدول الإسلامية حكوماتٍ وشعوبًا ولا يرون الإسلام الحقيقي والصحيح إلا في جماعتهم الصغيرة، وكل ما يخالف هذا يراه إسلامًا وهميًّا لا يسمن ولا يغني من جوع، دون أي سندٍ منطقي أو دليل صحيحٍ، كل هذا الجهل بأمور الدين الإسلامي تؤكده تقارير نشرتها جريدة دي تسايت الألمانية في يوم السابع من إبريل، حيث أفادت بأن ثلاثة أرباع الشباب الذين يتم تجنيدهم من ألمانيا للانضمام إلى داعش يصفون علمهم الشرعي "بالضعيف".

ردود فعل المسلمين الألمان

تكاثرت بالطبع الاتهامات الموجهة للجاليات الإسلامية في الغرب بأنها حاضنات تفرخ الإرهابيين الذين يفجرون قنابلهم في قلب العواصم الأوروبية موقعين المئات بين قتلى وجرحى، تزايدت تلك الاتهامات في الفترة الماضية مع موجة اللاجئين التي رافقها صعود غير معتاد لليمين الأوروبي المتطرف في غير بلد، ولكن قصة "إرهان" تقول بعكس ذلك، فبالإضافة إلى رفض والديه لمسلكه المتطرف تحدث الشاب أيضًا عن رفض المسلمين الآخرين له ولرفاقه، تحدث الشاب عن سلوكهم في المساجد؛ إذ كانوا يكررون كلامهم حول اللحية وأنها فرض بنص القرآن وأنهم استمروا في تنبيه رواد المسجد على "أخطائهم" في الصلاة وغيرها، كما عابوا عليهم إيمانهم بالديمقراطية، فهي على حد قول "إرهان" لا تتفق أبدًا مع الإسلام، وهذا ما حدا بالقائمين على ثلاثة مساجد مختلفة أن يطردوهم منها بسبب سلوكهم المتطرف، وقد رأى الشاب ورفاقه في ذلك تأكيدًا على صحة مسلكهم لأنهم يلقون مقاومة من الآخرين، وهذا ما أشار إليه القرآن أيضًا.

إننا إذا لا نوافق بالضرورة على أن يطرد القائمون على المساجد في بلاد الغرب أمثال هذا الشاب من المساجد، بل نرى أن واجبهم تجاه هؤلاء هو الاحتواء ومحاولة تصحيح أفكارهم المتطرفة حتى لا ينتهي بهم المطاف مقاتلين في ساحات الصراع في الشرق الأوسط أو إرهابيين يفجرون أنفسهم في إحدى المدن الأوروبية، إلا إننا نرى في قصة "إرهان" دليلًا على رفض أغلب المسلمين في ألمانيا وفي بلاد الغرب لهؤلاء المتطرفين وما يقومون به في المساجد، وأن الكلام عن احتضانهم للإرهاب والإرهابيين ليس من الحقيقة في شيء.

أوروبا- تركيا-سوريا: رحلة الجهاديين إلى قلب الصراع

حاولت الجريدة أيضًا طرح أسئلةً على الشاب "إرهان" حول أسباب رغبته وغيره في السفر للانضمام إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي، فتحدثت معه عن الفارق بين أن الحياة الصارمة وفقًا لتعاليم الإسلام في ألمانيا وبين السفر إلى سوريا وبالتالي القتال في صفوف هذه التنظيمات، وكانت إجابة "إرهان" أنه ورفاقه لم تكن لديهم رغبة في بادئ الأمر في السفر، وكانوا يتابعون الأخبار من محطات التلفزة الألمانية، ولكن وضح لهم بعد فترة بأن ما تبثه هذه القنوات كذبٌ –على حد قوله- وبدأ في مشاهدة المقاطع المصورة التي يسجلها ويبثها أشخاص في قلب مناطق الصراع سواء ينتمون إلى تنظيم داعش أو جبهة النصرة الممثلة لتنظيم القاعدة في سوريا، ومن ثم بدأ يقتنع بالسفر إلى هناك وهذا ما فعله بعض رفاقه ومنهم صديقه المقرب دافيد.

تتشابه قصص سفر المنضمين إلى التنظيمات الإرهابية من أوروبا مع قصة دافيد؛ إذ سافر هذا الشاب بالقطار إلى تركيا في سبتمبر 2013م ومن هناك يسهل الوصول إلى الحدود السورية إما عن طريق الحافلات أو الطائرات التي تصل إلى المدن الحدودية، حتى أن خطوط المواصلات هذه قد أطلق عليها "جهاد- إكسبريس". استمر تواصل "دافيد" بعدها مع صديقه "إرهان" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحكى أيضًا عن المجموعات التي ينشئونها على تطبيق التواصل "واتس- آب" والتي تضم ما يقرب من خمسين فردًا بعضهم ما زال في أوروبا والبعض ساف بالفعل إلى سوريا والعراق، يعيش هؤلاء في البداية في رفاهية كبيرة وفقًا لما حكى "إرهان"؛ حيث يمتلكون الأسلحة والحواسيب المحمولة والوجبات السريعة وغيرها، إلا أنهم سرعان ما ينتقلون لميدان القتال وهناك لقي دافيد مصرعه على مشارف مدينة حلب السورية، وقد حاول "إرهان" نفسه السفر إلى هناك ووصل إلى تركيا ولكنه وجد الحافلة التي ستقله إلى سوريا محاطةً برجال الشرطة فخاف من تعرضه للاعتقال.

دائمًا تكون وسائل التواصل الاجتماعي والمقاطع المصورة التي يبثها المنتمون للتنظيم حاضرةً في قصص المنضمين إلى التنظيم، حيث تستغلها تلك التنظيمات لاستمالة الشباب وإقناعهم بالانضمام إليهم، كما نقلت صحف ألمانية قصصًا مشابهة مع الفتيات الأوروبيات وكيف يعمل هؤلاء المتطرفون على استمالتهم إليهم بوعود الزواج وتأسيس الأسرة في مناطق الصراع، كما نرى في قصة "إرهان" جانبًا آخر من محاولة التنظيم استمالة الشباب من خلال إقناعهم بالرفاهية التي سيعيشون فيها بمجرد انضمامهم للتنظيم وحرصهم على نقل هذه الصور للشباب المتعاطفين معهم في أوروبا أملًا في زيادة اقناعهم بالسفر إليهم، كما نرى أن عملية الانضمام للتنظيم في الأراضي السورية لا يزيد صعوبة عن حجز رحلةٍ سياحية عن تلك المنطقة وهذا ما قاله الشاب نفسه في المقابلة.

وجه التطرف

تعد قصة "إرهان" مثالًا جيدًا للشباب المتعاطف مع تنظيم داعش وتقدم لنا تصورًا عن العقلية التي تحكم تصرفاتهم، إن عدم التزام هؤلاء الشباب في بادئ الأمر بتعاليم الدين الإسلامي يسهل على مجندي التنظيمات الإرهابية إشعارهم بالذنب بسبب تقصيرهم في حق الدين ومن ثم نجد هذا الانقلاب الحاد في شخصيات هؤلاء الشباب من النقيض إلى النقيض، وأول ما ينعكس عليه هذا التطرف هو سلوكهم تجاه أسرهم ومحيطهم المسلم الذي يتهمونه بالتقصير في تطبيق تعاليم الدين وعدم فهمه فهمًا صحيحًا، وتأخذ المقاطع المصورة للتنظيمات المتطرفة ووسائل التواصل الاجتماعي دورها في إقناع هؤلاء الشباب بأفكارها الإرهابية ومن ثم السفر إلى مناطق الصراع.

إزاء هذا النشاط الذي تبذله التنظيمات المتطرفة نرى أنه من الواجب على الجمعيات الإسلامية والمساجد في أوروبا المبادرة إلى احتواء الشباب في هذه السن وعدم عزلهم عن محيطهم حتى لو كانوا هم يرغبون في ذلك، ومحاولة إقناعهم بالحسنى والأساليب المعاصرة بخطأ أفكارهم ومسلكهم المتطرف وتذكير هؤلاء الشباب بالتنظيمات القديمة المشابهة لهذه التنظيمات المتطرفة في البلاد العربية كمصر وغيرها في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن العشرين وكيف انتهى بهم الأمر إلى مراجعة أفكارهم والتراجع عنها، ولا يكفي في هذا الصدد إبعادهم عن المساجد والتخلي عنهم لتؤثر عليهم هذه التنظيمات المتطرفة، كما أن دور الدول المحيطة بدول الصراع لا يقل أهمية عن ذلك في منع هؤلاء المتطرفين من الانضمام إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق إذ نفهم من قصة "إرهان" أن السفر إلى هذه المناطق لا يختلف عن زيارة المناطق السياحية، وفي هذا وقاية لمناطق الصراع من مزيدٍ من المقاتلين ووقاية لدول الجوار نفسها من نار الإرهاب التي اكتوت بها تركيا المجاورة لسوريا عدة مراتٍ في الأشهر القليلة الماضية.

طباعة