تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في ألمانيا.. الواقع والتحديات

  • | الأحد, 4 ديسمبر, 2022
تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في ألمانيا.. الواقع والتحديات


     يعيش في ألمانيا ما يقرب من (6) مليون مسلم، ينتمون إلى المذاهب الإسلامية المختلفة، ويمثل المسلمون السنة حوالي 74% منهم، والباقي من طوائف إسلامية متعددة، مثل الشيعة والعَلويين والأحمدية وغيرهم من المذاهب. وطبقًا للإحصائيات الحديثة يزيد عدد العرب المسلمين في ألمانيا عن مليون، غالبيتهم من السوريين الذين بلغ عددهم حوالي 750 ألفًا، خاصة وأن ألمانيا استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا منذ انطلاق موجة اللاجئين التي شهدت ألمانيا ذروتها في الربع الأخير من عام 2015م.
"الإسلام جزء من ألمانيا" هذه العبارة أطلقها الرئيس الأسبق كريستيان فولف في ذكرى عيد الوحدة في أكتوبر 2010م، وعلى الرغم من أن هذه العبارة أحدثت منذ ذلك الحين سيلًا من النقاشات والسجالات على المستويات كافة، السياسية والاجتماعية والإعلامية؛ فاعترض البعض ونفى صحة العبارة، وصحح البعض العبارة وقال: "إن المسلمين جزء من ألمانيا وليس الإسلام" فإن هذه النقاشات في حد ذاتها مؤشر واضح يدل على تحول كبير في نظرة المجتمع الألماني للمسلمين واعترافه بدورهم وأهمية اندماجهم، لدرجة أنه يمكن القول: إن تناول قضايا المسلمين بعد ذلك التصريح اختلف عما قبله.
وفي هذا السياق جرت -ولا تزال- نقاشات موسعة، ودُشنت مشروعات ومبادرات متنوعة للعمل على دعم اندماج الأجانب عمومًا والمسلمين على وجه الخصوص في المجتمع والنظام الألماني، وكان من أبرز العناصر الحاضرة بقوة عند مناقشة مختلف جوانب دعم الاندماج عنصري اللغة والدين.
وفيما يخص الدين ودوره في عملية الاندماج فقد أكدت دراسة صادرة عن "معهد أبحاث الإرهاب" الألماني على أن تدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس في ألمانيا يمكن له أن يعمل بقوة على دعم اندماج المسلمين في النظام الألماني، حيث خلصت الدراسة إلى أن تدريس مادة الدين الإسلامي في المدارس الألمانية من شأنه أن يحمي البلاد من مخاطر الإرهاب والتطرف الديني؛ لأن هذا الأمر يُحسِّن من فرص اندماج المسلمين، ويُحصِّن أبناءهم من الوقوع في فخ التطرف.
الجانب القانوني
وفقًا للمادة 7 (الفقرة 3) من الدستور الألماني فإن لجميع الأديان الحق في تدريس الدين في المدارس. وبهذا فان الحق في الحصول على حصة تربية دينية حق دستوري راسخ في النظام القانوني الألماني، لذا فإن النظام التعليمي الألماني -على خلاف دول أوروبية عديدة- يتيح مادة التربية الدينية مادةَ تعليم نظامية في المدارس. كما أن الدستور الألماني ينص على تقديم مادة التربية الدينية بما يتوافق مع مبادئ وأصول مختلف الأديان والهيئات المعبرة عنها.
وقد مثل ذلك النص الدستوري مزية كبيرة للمسلمين في ألمانيا -وغيرهم من المؤمنين بالأديان- في المطالبة بأن يحصل أبناؤهم على حصة تربية دينية إسلامية تتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه، غير أنه في الوقت ذاته مَثَّل عددًا من المشكلات؛ لأنه يتطلب وجود جهة دينية إسلامية رسمية معترف بها من جانب الحكومة الألمانية؛ لتقوم بالمشاركة في عملية وضع وتحديد المناهج الدراسية والمحتوى التعليمي واختيار المعلمين وغير ذلك من الأمور اللوجستية المهمة في هذا الشأن. وهنا تكمن إحدى العقبات التي تواجه مشروع تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في ألمانيا، ألا وهي غياب الاعتراف الرسمي بالإسلام، أو بالتعبير الأدق لا يتمتع المسلمون بصفة "طائفة دينية معترف بها" في ألمانيا ومن ثم لا توجد هيئة أو تجمع إسلامي يمكنه تمثيل المسلمين أمام الدولة الألمانية، وذلك على خلاف دولة كالنمسا مثلًا، والتي يتمتع فيها المسلمون بصفة "طائفة دينية معترف بها" منذ عام 1912م، حيث تمثل جمعية IGGÖ المسلمين أمام الحكومة النمساوية باعتبارها الممثل الرسمي للمسلمين. إلى جانب تلك العقبة فهناك مسألة مهمة في هذا الصدد وهي أن شئون التعليم في ألمانيا تقع في المقام الأول في دائرة اختصاص الولايات وليس تحت سلطة الحكومة الاتحادية بشكل مباشر، حيث يتم تنظيم كل ما يتعلق بالشأن التعليمي من قبل كل ولاية على حدة، لذلك فنماذج تطبيق تدريس الدين الإسلامي في ألمانيا متنوعة.
لمحة تاريخية
بدأ تدريس مادة الدين الإسلامي في بعض الولايات الألمانية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكان ذلك تحت مسمى مادة "الإرشاد الديني" التي كانت يتم تدريسها باللغة التركية - نظرًا لأنها لغة الجالية الإسلامية الغالبة في ألمانيا حينئذ- ثم تطور الأمر إلى تدريسها باللغة الألمانية، ولكن تحت مسئولية الدولة وحدها. وفي عام 2008م أوصى مؤتمر الإسلام في ألمانيا (DIK) في دورته الثالثة بتدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في ألمانيا، ومنذ ذلك الحين شهد موضوع تدريس مادة الدين الإسلامي تركيزًا واهتمامًا كبيرًا من قبل الولايات الألمانية وانطلقت مشروعات تجريبية ونظامية لتدريس الدين الإسلامي في ألمانيا تحت مسمى "التربية الدينية الإسلامية".
التربية الدينية الإسلامية في الولايات الألمانية- نماذج متعددة
تتحدث التقارير عن أنه يوجد في ألمانيا حوالي 700000 ألف تلميذ وتلميذة يدينون بالإسلام، وبحسب إحصائيات ألمانية رسمية يرغب أكثر من 75% من التلاميذ المسلمين في الحصول على مادة التربية الدينية الإسلامية، غير أن الواقع يتحدث عن تمكن حوالي 60000 تلميذ وتلميذة فقط من المشاركة في حصص التربية الإسلامية، مما يبين حجم الفارق الهائل بين المتاح والمطلوب.
وقد أحدث - كما ذكرنا- غياب الاعتراف بالمسلمين بوصفهم طائفة دينية رسمية علاوة على مسألة أن التعليم يقع في دائرة اختصاص الولايات تنوعًا وبونًا كبيرًا في نماذج تطبيق تدريس الدين الإسلامي للتلاميذ في ألمانيا.
وفي ضوء هذا التنوع يمكن تقسيم الولايات الألمانية فيما يخص تدريس مادة الدين الإسلامي إلى خمس مجموعات:
1. ولايات تقدم مادة التربية الدينية الإسلامية بشكل نظامي بالتعاون مع جمعيات إسلامية محلية، وعددها ثلاث ولايات: برلين- ساكسونيا السفلى- هيسن.
2. ولايات تقدم مادة التربية الدينية الإسلامية مشروعًا تجريبيًّا بالتعاون مع جمعيات إسلامية محلية، وعددها أربع ولايات: بادن فورتمبيرغ - راينلند بالاتينات - شمال الراين - وستفاليا - سارلاند.
3. ولايات تقدم مادة التربية الدينية الإسلامية بشكل نظامي لكن دون تعاون مع شركاء مسلمين، وعددها ولايتان: بافاريا - شليس فيج هولشتاين.
4. ولايات تقدم مادة الدين للجميع متضمنة الدين الإسلامي، وعددها ولايتان: هامبورج - بريمن.
5. ولايات لا تتيح مادة الدين الإسلامي في المدارس تحت أي مسمى، وعددها خمس ولايات: تورنجن - ساكسونيا - ساكسونيا أنهالت - براندينبورغ - ميكلنبورغ فوربومرن.
ولأن مسألة تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية مهمة في إطار جهود مكافحة التطرف في ألمانيا، فإننا سنتناول بالتفصيل في المقال القادم التجارب المختلفة بالولايات الألمانية لبيان مدى نجاحها. كما سنتطرق إلى أبرز الملاحظات على تلك التجارب.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

طباعة