اليوروبول: خطر الإرهاب في أوروبا لا يزال قائمًا

  • | الجمعة, 9 ديسمبر, 2022
اليوروبول: خطر الإرهاب في أوروبا لا يزال قائمًا

لم تولد ظاهرة الإرهاب فجأة أو بدون مقدمات، وليس من المتوقع كذلك أن تنتهي ببساطة، ولكن قد يكون من الصعب تغيير هذه الأيدولوجيات التي عانى منها العالم على مدار عقود. وفي السابق سعت جهات معينة إلى ربط العنف والإرهاب بالدين الإسلامي، لكن كان الوقت كفيلًا بإثبات العكس وتأكيد حقيقة لطالما نادت بها الشعوب الإسلامية وهي أن (الإرهاب لا دين له) حيث برزت الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تستبيح المقدسات والرموز الدينية وضرب تلك الجهات التي كانت تتنصل من المسؤولية قديمًا وكلفت مؤسساتها الإعلامية بنشر صورة سلبية عن الإسلام.
حاليًا تعاني القارة الأوربية وفق تقرير وكالة اليوروبول (وكالة تطبيق القانون الأوروبية) صادر في يوليو الماضي، خطر إرهاب المقاتلين الأجانب المستقدمين للقتال في أوكرانيا؛ حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بتهم إرهابية في القارة العجوز نحو (388) حالة خلال العام 2021م. ورغم الأثر الإيجابي للجهود الرامية للحد من الهجمات الإرهابية، لكن تشكل الذئاب المنفردة (كما تقول "كاترين دي بول" مديرة وكالة اليوروبول) على اختلاف توجهاتها وأيديولوجيتها خطرًا حقيقيًّا ومحدقًا بدول الاتحاد الأوروبي. وحذرت من تداعيات الحرب الأوكرانية وانضمام عناصر أجنبية للقتال على أمن الاتحاد الأوربي، وإمكانية تعرض الدول الأوربية للعديد من الهزات الإرهابية العنيفة. وشددت على ضرورة مراقبة هذه الحالات عن قرب والتعلم من دروس الماضي، والاستفادة مما حدث من قبل مع المقاتلين الأجانب الذين عادوا إلى أوروبا من ميادين القتال في الشرق الأوسط.
في السياق ذاته، نشرت وكالة التنسيق الشرطي في لاهاي، تقريرها السنوي عن وضع الإرهاب داخل الاتحاد الأوروبي بتاريخ 13 يوليو 2022م، استنادًا إلى بيانات الدول الأوروبية بخصوص الهجمات والاعتقالات وأحكام العقوبات بتهمة الإرهاب سواءٌ بسبب اليمين المتطرف أو الحركات اليسارية والفوضوية والانفصالية وغيرها؛ حيث نجحت قوات الأمن خلال العام 2021م في توقيف (388) شخصًا بتهم إرهابية خلال العام الماضي، فضلًا عن (362) حُكم إدانة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى تسجيل (15) هجومًا أو محاولة إرهابية، مقابل (57) هجمة إرهابية مكتملة أو فاشلة للعام 2020م، الأمر الذي يعكس الانخفاض الحاد في الهجمات ربما بسبب تراجع النشاط الإرهابي في العالم بشكل عام، لكنَّ ذلك لا يعني في الوقت نفسه زوال الخطر، أو اندثار تلك التنظيمات والحركات.
وطبقًا للتقرير، تُعَدُّ فرنسا الدولةَ التي كانت مسرحًا للعدد الأكبر من الحوادث الإرهابية، حيث شهدت (5) هجمات إرهابية، تليها ألمانيا بعدد (3) هجمات، ثم السويد بهجومين، وهجوم واحد في دول النمسا، والدنمارك، والمجر، وبلجيكا، وإسبانيا. وكان من بين هذه الهجمات (4) اعتداءات مكتملة، بينها (2) قام بهما منتسبون للدين الإسلامي أودت بحياة شخص واحد في إسبانيا، وشخص آخر في فرنسا. أغلب هذه الهجمات نفذتها الذئاب المنفردة بواسطة الأسلحة البيضاء والدهس، وأحيانًا استخدام عبوات حارقة بدائية الصنع.
الدعاية الخاصة بالتنظيمات الإرهابية
لقد أجبرت القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا الناس على قضاء وقت أكثر من ذي قبل على اتصال بالإنترنت، لا سيما في المدة بين الأعوام (2019-2021م) ما أتاح الفرصة لإعلام التنظيمات الإرهابية لاستقطاب وتجنيد الشباب للانضمام إليها، خاصة الأشخاص الذين لديهم ميول للتطرف، وهو ما حذرت منه وكالة اليوروبول؛ حيث أوضحت أن التنظيمات المتطرفة كثَّفت من دعايتها -المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي- خلال مدة انتشار جائحة كورونا.
كما أبرزت مديرة وكالة اليوروبول، السيدة كاترين دي بول، أن الانعزال الاجتماعي، والوقت الكبير الذي يتم قضاؤه على الاتصال بالإنترنت قد زادا من خطورة ما تطرحه الدعاية المتطرفة العنيفة والمحتوى الإرهابي، وخاصة بين الشباب والمراهقين، ولذلك فإنَّ التأثير الاجتماعي لجائحة كورونا شكَّل تحديًا طويل الأمد.
هذا، وقد أشارت الوكالة إلى أن التطرف العنيف ضد جائحة كورونا وضد الحكومات، والذي لا يتعلق بأنشطة إرهابية عنيفة تقليدية، قد ظهر في بعض الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، وبعض الدول من خارج الاتحاد. تلك الأشكال من التطرف العنيف قد تجسدت في تهديدات صريحة ورسائل كراهية منتشرة عبر الإنترنت، كما تجسدت -في بعض الحالات- في اللجوء لاستخدام العنف.
ومع ذلك، فإن التطورات الـ"جيوسياسية" التي حدثت في مناطق مهمة خارج الاتحاد الأوروبي قد أثَّرت في الروايات والدعاية الإرهابية المنتشرة في الدول الأوروبية. وفي نهاية التقرير أشارت السيدة "كاترين دي بول" إلى وجوب استمرار دول الاتحاد الأوروبي في إجراءاتها لمكافحة الإرهاب، أكثر من أي وقت مضى، مِن أجل التصدي للتحديات التي تُحدِق بها.
من جهته، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة تكاتف جميع دول العالم، لمكافحة كل أنواع الإرهاب، والقضاء على أسبابه، من خلال التصدي الحاسم لمروجي الفكر المتطرف، لأن انخفاض معدل العمليات الإرهابية في دول الاتحاد الأوروبي في عام 2021م لا يعني انتهاءَ التنظيمات وخروجَها من المشهد بلا رجعة، فأيًّا كان مصدر هذا الإرهاب ومرجعُه، فإنَّه يَتَحَيَّن الفرصة للعودة من جديد، لفرض رواياته الضالة، وأفكاره المنحرفة لتقويض أمن المجتمعات.
ويشير المرصد إلى أمر غاية في الأهمية، يتمثل في ضرورة التعامل مع الإرهاب -مهما اختلفت مسمياته وأيديولوجياته- على أنه فِكر منحرف في الأساس، ما يُحتِّم على الجميع التصدي للفِكر، قبل التصدِّي للفعل، والقيام بردة فعل، وتدشين تحالفات عسكرية لتعقُّب العناصر الإرهابية والقضاء عليهم؛ لأن الفِكر المتطرف هو الجِذر الذي يقوم بتغذية الإرهاب المتطرف، ولذا فالقضاء على هذا الفِكر أجدَى من القضاء على بعض المرتزقة مِن مدَّعي الدفاع عن ذلك الفِكر.
كما يجدِّد المرصد تأكيدَه على أن مفهوم "الإرهاب" لا يمكن اختزاله في الممارسات التي تقوم بها تنظيمات تنسب نفسها للدين، وما هي مِن الدين في شيء، بل ينبغي التعامل مع هذا الوصف بشيء من الإنصاف، وإجراؤه على كل من يتصف بمجاوزة الحد ممن يعملُ على تغيير القناعات والأوضاع والأنظمة بالقوة، لفرض رأي وفكر بعينه، حتى لو كلفه ذلك إراقةَ الدماء، والتشريد، وتدميرَ المجتمعات، وتهديدَ أمنها واستقرارها.

المصدر: تقرير وكالة اليوروبول

https://www.swissinfo.ch/spa/europa-terrorismo_europol--el-terrorismo-a%C3%BAn-representa--un-peligro-real-y-presente--en-la-ue/47748640                                                                             

وحدة البحوث والدراسات

طباعة