فضل الجندية والشهادة دفاعًا عن الوطن

  • | الإثنين, 30 يناير, 2023
فضل الجندية والشهادة دفاعًا عن الوطن

     الوطن هو مكان الإنسان الذي يشعر فيه بالاطمئنان والارتياح، وترتبط روحه به وينتمي إليه، ويشعر أن حبه قد ملأ عليه قلبه، ووجدانه، ولم لا؟ وهو موضع مولده، فيه ذكريات الصبا، والشباب، وحياته مع أهله، وأصدقائه، وجيرانه، فيه تُحفظ كرامته، ويحصل على حقوقه.

وإذا كان المواطنون على اختلاف ألوانهم، وأديانهم سواءٌ أمام القانون، فإن كل مواطن له حقوق، وعليه واجبات؛ فمن حقوق أي مواطن أن يحيا حياة كريمة، وأن يُعامَل معاملة حسنة، وأن يتمتع بحرية التنقل، والتملك، والعقيدة، والتعبير، وغيرها.. كل ذلك في ظل ما يسمح به قانون البلاد.

وفي مقابل هذه الحقوق التي ينعم بها المواطن داخل الدولة، فمن الواجب عليه أن يلتزم بأمور تجاه وطنه، ويأتي على رأسها الولاء لبلاده، وحفظ أمنه، والدفاع عنه، والعمل على بناء الوطن، وخدمته بما يملك من خبرة، ومعرفة، والاستعداد للتضحية بالغالي، والنفيس في سبيل رقيه، وعزته، واحترام القوانين، وعدم مخالفتها، وأداء الخدمة العسكرية على أكمل وجه.

وليعلم القارئ أنَّ الجندية هي أشرف ما يقدمه الإنسان لدينه ووطنه، فالجندي مرابط في سبيل الله، والنصوص الشرعية في فضل الجندية كثيرة منها: قوله تعالى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء، آية: 95]، وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة، آية: 111]، ولقد ذكر النبي ﷺ فضل الرباط، وحماية الأوطان فقال: "رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتَّان"[رواه مسلم برقم 1913]. وعن النبي ﷺ أنه قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها"[رواه البخاري برقم 2892.]. وعنه ﷺ أنه قال: "من اغبرَّت قدماه في سبيل الله، حرَّمه الله على النار"[رواه البخاري برقم 907.].

ويؤخذ من مجموع هذه الأحاديث أنَّ ملازمة الجندي الحراسة لحماية البلاد خيرٌ من صيام شهر، وقيام ليله، ويبقي أجر عمله مستمرًا لا ينقطع في حال استشهاده، ويُرزق من الجنة؛ لأنه حي عند ربه، وتحصل له كرامة بأن لا يُسأل في قبره، وذلك لأنه مات مرابطًا في سبيل الله تعالى، مع العلم أن الرباط من الجهاد في سبيل الله، لأنه يعني ملازمة أماكن الحدود لحماية المسلمين من أعدائهم، وكذلك ملازمة الجندي مكانه لأجل حراسة الدولة من أن ينالها عدو من خارجها خيرٌ من الدنيا وما عليها، وأما الحديث الأخير فهو وعدٌ من الله تعالى لمن كان جنديًّا يحرس البلاد بأن يحرمه الله على النار. ومما تقدم يظهر لنا أنَّ شرف الجندية في الإسلام لا يدانيه شرف.

هذا وقد حاولت التنظيمات المتطرفة أن تنال من الجندية، وأن تصور المقاتل دفاعًا عن وطنه في سبيل بالشيطان، وأنها الوحيدة الساعية لإقامة الدولة الإسلامية المزعومة.. وغيرها من الشعارات التي يطلقها زيفًا تلك التنظيمات الإرهابية، لكننا نسوق لهم حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ" [أخرجه الترمذي، رقم: 1421]. ومن المعلوم أنَّ العدو إذا دخل البلاد فهو يسعى إلى سفك الدماء، وهتك الأعراض، وسلب الأموال، وهذا الجندي الذي يحرس الدولة هو من يتصدى لهذا العدو، ولذلك فهو شهيد إن قتل وله أجر الصائم النهار القائم الليل، يقول صلى الله عليه وسلم: " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام، ولا صلاة " [أخرجه مسلم (3: 1498)].

وقد حاولت التنظيمات المتطرفة كذلك أن تجعل حب الوطن مناقضًا للدين ولذلك فهم دائما يحرضون الجنود على ترك سلاحه وعلى ترك حراسته وخدمته، أو الوقوف في وجه القادة والدولة، ونقول: إن تحريض هؤلاء الإرهابيين الشباب على ترك الجندية فيه خيانة لله ورسوله؛ وفيه ترك صريح لقول الله تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال، آية: 60]، وهذا الإرهابي المتطرف في الحقيقة يقف مع أعداء الوطن الذين يسعون إلى إضعاف الدولة وعلى ذلك فالمجند مأجور على طاعته لقائده ورئيسه.

ويؤكد مرصد الأزهر على أنَّ حب الوطن والشهادة في سبيل الدفاع عنه مطلب ديني والسعي على مصالح الوطن هي من أوامر الدين، وأن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بأداء شعائر دينه دون وطن يأمن فيه على نفسه وماله وعرضه ودور عبادته، وأنَّ هدف جماعات التطرف إنما هو السلطة، وهم يستغلون حب الناس لدينهم ولذلك فهم يوهمون الناس بأنَّهم يسعون إلى السلطة لتطبيق الشريعة، علمًا بأنهم أول من أساء للدين عن طريق القتل وسفك الدماء والتحريض على العنف وجر المتحمسين من الشباب إلى اللحاق بجماعات التطرف وترك بيوتهم ومدارسهم وجامعاتهم والوقوف في صفوف الخونة ضد الجنود البواسل متخذين من سلاح التكفير مبررًا لارتكاب مخالفاتهم.

طباعة