دور الأمن في تحقيق السلم المجتمعي ونبذ العنف والتطرف

  • | الإثنين, 30 يناير, 2023
دور الأمن في تحقيق السلم المجتمعي ونبذ العنف والتطرف

الأمن والسلام نعمتان عظيمتان من نعم الله تعالى على البشرية؛ بالنظر إلى دورهما المهم في النهوض بالبشرية على المستويات كافة، مثل عمارة الأرض، والتعارف بين الأجناس المختلفة، وغيرها. على النقيض تعتبر الحروب والنزاعات، وانعدام الأمن، والاستقرار سببًا رئيسًا في ظهور التطرف، وتأخر المجتمعات اجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وعلميًّا، وسياسيًّا، وصحيًّا، ودينيًّا.
وحب الأمن والسلام غريزة فطرية ميَّز الله بها بني البشر، وزيَّنها لهم، ودلَّهم على الطريق المؤدية إليها في الدارَين، ولا يحيد عن هذه الفطرة إلا من غلبت عليه الطباع الحيوانية الوحشية، التي لا تعترف سوى بقانون الغاب، ولا تجد لنفسها متنفسًا إلا في الهواء الملوث، ولا لروحها مسبحًا سوى في الماء العكر، فلا يمكن لمثل هؤلاء العيش إلا في بيئة شاذة، بخلاف من كرمهم المولى سبحانه وتعالى بقوله: {ولقد كَرَّمْنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}. [الإسراء: ٧٠]

حاجة الشعوب والمجتمعات للشعور بالأمن:

الأمن النفسي، والطمأنينة، والسكينة، التي يستشعرها الإنسان، فيزول عنه هاجس الخوف، ويستشعر الرضا، ويتذوق طعم السعادة، والغنى، وإن لم يكن ثريًّا من متطلبات الشعور بالأمان؛ لذا قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ (أي: في أهله وعياله)، مُعَافى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" أخرجه الترمذي في سننه، رقم: (2317). ومن هنا يتضح أن تحقيق الأمن، والطمأنينة مرهون كذلك بالأخذ بأسباب الاعتناء بالصحة، وتوفير مصدر مشروع للرزق؛ لذا كان من الابتلاء انعدام شيء من تلك النعم، أو جميعها؛ حيث قال تعالى: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة: ١٥٥]، وعندما ذكر المولى سبحانه منَّتَه على قبيلة قريش قال: {فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} [قريش: ٤].
ونحن لا نستطيع الحياة دون الأمن، الذي به يتحقق الهدف الأسمى من خلق الإنسان، وبه يستطيع الفرد أن يطلق مهاراته، ويوظف ملكاته، ويحقق وظيفته في إعمار الأرض، جنبًا إلى جنب مع عبادة الخالق سبحانه وتعالى. فالأمن من منظور الإسلام أحد ضروريات الحياة، فقد عدَّ الإسلام حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعِرض من المقاصد الشرعية؛ كما أسهمت الشريعة الإسلامية بما اشتملت عليه من أحكام في تحقيق الأمن الاجتماعي من خلال حفظ النفس البشرية، وتحريم إزهاقها، والاعتداء عليها، حيث تَعدُّ قتل فرد من أفرادها هو قتلًا لجميع المجتمع، يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] ، كما شدَّدت الشريعة الإسلامية على صون الأعراض، ونهت عن انتهاكها، وجرمت السرقة وأكل أموال الناس بالباطل، كما حفظت كذلك عقل الإنسان من خلال تحريم ما يسكره ويغيّبه، في سعي حثيث لفرض الأمن والاستقرار في المجتمعات.
وقد اتسع مفهوم مصطلح "الأمن الاجتماعي"، ليتفق مع المقصد الشرعي، ويغوص في أعماقه، ولا يكتفي فقط بظاهر النص، فبعد أن كان مدلول المصطلح منحصرًا في جانب الأمن المضاد للخوف، والفزع، اتسع ليشمل مفاهيم، ومضامين متعددة، وجديدة، تتداخل مع مجمل أوضاع الحياة؛ ليشمل الإصلاح الاجتماعي والسياسي، وتحقيق العدل، والمساواة، والحرية، والكفاية الاقتصادية وغيرها من القضايا المُلِحَّة ذات العلاقة التي يحتاج إليها الفرد في حياته اليوم؛ لذا قامت المجتمعات ممثلة بالسلطات السياسية، والاجتماعية، والدينية، بوضع جملة من القوانين، والبرامج، والخطط التي تستهدف توفير الأمن الشامل للفرد، والمجتمع.
ويبدو للناظر أن هناك تلازمًا ما بين لفظ "الأمن"، ولفظ "الاجتماعي"؛ لأن الأمن في فلسفة التشريع الإسلامي لا يكون إلا اجتماعيًّا، ويستحيل أن تقف حدوده عند حدود الفرد؛ إذ الإسلام دين الجماعة، وفلسفته التشريعية جمعت بين المسؤولية الفردية، والمسؤولية الجماعية بحيث لا تتغوَّل واحدة على الأخرى، وعليه فإن أي اختلال في الأمن الاجتماعي يترتب عليه زوال أمن الفرد.

أسس الأمن الاجتماعي ومقوماته:

يتضح مما سبق أن توفير الأمان للأفراد والمجتمعات، يستلزم أولًا: التمسك بالنهج الرباني، وإقامة العدل، فعندما يقوى لدى المرء الوازع الديني، والأخلاقي، تجده يعيش حياة آمنة هنيئة، يقول تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} الأنعام: ٨٢. وكذلك عندما يسود القانون، ويحتكم إليه في فض النزاعات، حينها تطمئن النفوس وتهدأ الخواطر، ويشعر كل فرد في المجتمع بأنه في مأمن من أي متجاوز يتطاول على ماله، أو حياته، أو أبنائه.
ثانيًا: التكافل الاجتماعي؛ حيث يعين على تماسك المجتمع وترابطه، وفي هذا جاءت التشريعات التي تؤدي إلى تقوية الروابط الاجتماعية، مثل بر الوالدين، وصلة الأرحام، وحقوق الزوجين والأبناء، وإصلاح ذات البين، وغيرها من التشريعات التي تكفل للمجتمع والأسرة أمنها واستقرارها. كما يقوم فيه القادرون على مساعدة غير القادرين، ولذلك جاءت التشريعات بما يكفل احتياجات هؤلاء جميعًا.
ثالثًا: التعايش؛ فحين يستشعر كل عضو في المجتمع بأنه لا يعيش بمفرده، ويتخطى الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية، وينتمي إلى المجتمع بدلًا من ذاته، فإنه يأخذ بأخلاق المجتمع، ويسلك سلوكه، ويتغنى بأعياده، ويحزن لمصابه، وهذا هو التعايش في أبهى صوره الذي دعا إليه الإسلام من خلال الكثير من تعاليمه ومبادئه.

رابعًا: الأمن الاقتصادي أحد أهم دعائم الأمن الاجتماعي؛ فقد حثَّ الشرع الحكيم على العمل، وعدَّه واجبًا على القادر عليه؛ لاحتلال العمل مكانةً مهمةً في الحياة، فهو الوسيلة التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يؤمِّن حياةً كريمةً له، ولعائلته، فهو شرط استقرار الإنسان والمجتمع؛ إذ يؤمِّن العمل الاستقرار النفسي للإنسان، والاستقرار المادي للمجتمع بشكلٍ عام.

الثمرة التي يجنيها المجتمع القائم على دعائم الأمن:

تحقيق النهضة، والارتقاء بالبلاد، والشعوب، وزيادة العمل، والإنتاج، وتعزيز الاقتصادات.
الحد من انتشار أمراض المجتمع العديدة، كالتطرف، والاختلاس، وتعاطي المخدرات، والاغتصاب، وظاهرة التشرد.
إطلاق العنان للتفكير، والإبداع، والابتكار.
شيوع المحبة، والألفة، وتعزيز روح الانتماء للأوطان، والمجتمعات.
الحصول على السلام النفسي، والمجتمعي.
تعزيز روح الانتماء للأوطان، والمجتمعات.
زيادة العمل، والإنتاج، وتعزيز الاقتصاد.
من هنا تبرز الحاجة لتعزيز جميع الممارسات، والسلوكيات التي تدعم تحقيق الأمن في المجتمعات، وهو ما يلقي على المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية، والأفراد، والكيانات بشكل عام مسئولية العمل على أن تكون عنصرًا فاعلًا في فرض الأمن في المجتمع، والتصدي لأية محاولة من شأنها تهديد الاستقرار، والسلم العام، سواء أكان ذلك من خلال نشر الأفكار المنحرفة، والمتطرفة أم بتنفيذ ممارسات تهدَّد أمن الشعوب، واستقرار المجتمعات.
كما تجدر الإشارة إلى أن تحقيق الأمن في المجتمعات ليس مسؤولية الحكومات فحسب؛ إذ تبدأ هذه المهمة من شعور الفرد بحاجته إلى الأمن، والاستقرار، وما يعود عليه من نفع له، وللمجتمع، ولا يكفي مجرَّد الشعور بالحاجة إلى الأمن، بل العمل على تحقيقه، والتعاون مع مؤسسات الدولة على المستويات الدينية، والثقافية، والإعلامية، والفنية من أجل تحقيق هذا الهدف.

وحدة البحوث والدراسات
 

طباعة