تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في ألمانيا- الواقع والتحدِّيات

(٢)

  • | الثلاثاء, 14 فبراير, 2023
تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في ألمانيا- الواقع والتحدِّيات

مادة التربية الدينية الإسلامية في الولايات الألمانية- نماذج متعددة    

 عَرَضْنا في الجزء الأول من المقال، صورة عامة عن وضع المسلمين في ألمانيا وأعداد التلاميذ في المدارس هناك، وتطرقنا للحديث عن الجوانب القانونية والتاريخية لتطور تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في المدارس الألمانية. وخلص المقال إلى أن غيابَ الاعتراف بالمسلمين بوصفها طائفة دينية رسمية، علاوة وقوع مسألة التعليم في دائرة اختصاص الولايات، قد أحدث تنوعًا كبيرًا في نماذجِ تطبيقِ تدريسِ مادة الدين الإسلامي للتلاميذ في ألمانيا.
وفي ضوء هذا التنوع يمكننا في هذا المقال تقسيم الولايات الألمانية -فيما يخص تدريس مادة الدين الإسلامي- إلى خمس مجموعات:
1. ولايات تقدم مادة التربية الدينية الإسلامية بشكل نظامي بالتعاون مع جمعيات إسلامية محلية، وهي:
• ولاية برلين

تتيح ولاية برلين تدريس التربية الدينية الإسلامية في مدراسها باعتبارها مادة غير أساسية منذ مطلع العام الدراسي (2001/2002م) وتتعاون برلين في هذا الصدد مع "الاتحاد الإسلامي في برلين". وطبقًا لأحدث الإحصائيات، يشارك في حصة التربية الدينية الإسلامية حاليًا حوالي (5640) تلميذًا وتلميذة في نحو (38) مدرسة في الولاية.
• ولاية ساكسونيا السفلى
تعود بداية تدريس مادة الدين الإسلامي في الولاية إلى عام (2003/2004م) حيث بدأ تدريس المادة بمنطلقٍ عقدي، بشكل تجريبي، في (8) مدارس ابتدائية قبل توسيع التجربة عام (2007/2008م) غير أن البداية الفعلية لتدريس مادة التربية الدينية الإسلامية بشكل نظامي انطلقت عام (2013/ 2014م) وذلك بالتعاون مع "المجلس الاستشاري الإسلامي لتدريس مادة التربية الدينية الإسلامية"، والذي تَشَكَّل عام 2012م من اتحاد الشورى الإسلامي، الذي يضم عددًا من الجمعيات الإسلامية وجمعية (ديتيب- Dittib) في ولايتي ساكسونيا السفلى وبريمن، وانطلق المشروع في المرحلة الابتدائية وتوسع الآن ليصل إلى الصف العاشر. وطبقًا لأحدث الإحصائية، تُدرَّس مادة التربية الدينية الإسلامية في الولاية حاليًا لأكثرَ مِن (4000) تلميذٍ وتلميذة، في حوالي (59) مدرسة.
• ولاية هيسن
تعود جهود تدريس الدين الإسلامي في مدارس ولاية هيسن إلى عام 1997م، غير أن تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية -بشكل عقدي- انطلق بشكل فعليٍّ في عام (2013/2014م) في المدارس الابتدائية، وذلك بعد أن اعترفت الولاية في عام 2012م بجمعية (ديتيب- Dittib)، والجمعية الأحمدية في ولاية هيسن، وكانت أول ولاية تقوم بمثل هذا الإجراء.
وفي عام 2020م أوقفت الولاية التعاون مع جمعية ديتيب، غير أن المحكمة الإدارية في مدينة فيسبادن الألمانية حَكَمَت ببطلان قرار الولاية وألزمَتْها باستئناف التعاون، ومنذ عام (2019/2020م) استحدثت الولاية -إلى جانب المشروع القائم- مشروعًا تجريبييًّا لتدريس مادة الدين الإسلامي تحت إشراف الولاية منفردة دون إشراك الجمعيات الإسلامية، وذلك للتلاميذ بَدءًا من الصف السابع، وتتوسع فيه حاليًا ليشمل المراحل التعليمية الأقل. وقد وصل عدد التلاميذ المشاركين في حصة الدين الإسلامي إلى (3341) تلميذًا وتلميذة موزعين على (68) مدرسة.
2. ولايات تقدم مادة التربية الدينية الإسلامية كمشروع تجريبي بالتعاون مع جمعيات إسلامية محلية، وهي:
• ولاية شمال الراين وستفاليا

تعتبر ولاية شمال الراين-وستفاليا أكبر ولاية ألمانية من حيث عدد المسلمين الذين يعيشون بها، ويقدر عدد التلاميذ المسلمين في هذه الولاية بحوالي (436500) تلميذٍ وتلميذة. وقد أدرجت الولاية تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية كمشروع تجريبي منذ عام 2012م، وذلك بعد أعوام من تدريسها الإسلام تحت مسمى مادة "الإرشاد الإسلامي" باللغة التركية، ثم باللغة الألمانية، ويتم تدريسها حاليا حتى نهاية المرحلة المتوسطة (الإعدادية).
وقد تَشكَّل مجلس استشاري من (4) جمعيات إسلامية محلية في الولاية، إضافة إلى ممثلين عن حكومة الولاية، من أجل القيام على تنظيم وإعداد تدريس المادة. وقد انتهت فترة هذا المجلس الاستشاري عام 2019م، ثم تشكلت لجنة بديلة عن المجلس الاستشاري، ضمت أعضاء إضافيين، ومتخصصين، إلى جانب الجمعيات الإسلامية، وهو الأمر الذي انتقدته بعض الجمعيات الإسلامية، ومن المقرر أن يستمر البرنامج في نسخته التجريبية حتى عام 2025م. وطبقًا للإحصائيات الأخيرة، فقد وصل عدد المدارس التي تقدم مادة التربية الدينية الإسلامية إلى أكثر من (260) مدرسة في مختلف المراحل التعليمية بمشاركة أكثرَ من (20,000) تلميذٍ وتلميذة.
• ولاية بادن فورتمبرج
تقدم الولاية مادة التربية الدينية الإسلامية من منظور عقدي كمشروع تجريبي منذ عام (2006/2007م) وتَشكَّل -في بداية المشروع- مجلس استشاري ضم الجمعيات الإسلامية المحلية ومجالس الآباء. ومنذ عام 2019م أسست الولاية مؤسسة إسلامية في ألمانيا في بادن فورتمبيرغ، تضم جمعية الدولة للمراكز الثقافية الإسلامية (VIKZ)، والجالية الإسلامية للبوشناق (IGBD)؛ لتضطلع بدور الشريك الموثوق مع الدولة في الإشراف على تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية. غير أن تمثيل جمعيتين وحدهما في هذه المؤسسة تسبب في توجيه سيل من الانتقادات لها.
وفي عام 2020م وصل عدد الطلاب الذين يشاركون في حصة الدين الإسلامي إلى حوالي (6000) تلميذٍ وتلميذة، موزعين على أكثر من (86) مدرسة في مختلف المراحل التعليمية.
• ولاية راين لاند بلاتينات
يعيش في الولاية قرابة (200,000) مسلم ومسلمة، من بينهم (41,000) تلميذ وتلميذة. وقد انطلق المشروع التجريبي في الولاية عام (2003/2004م) في مدارس التعليم الأساسي، والمتوسط، وذلك بالتعاون مع جمعيات، واتحادات إسلامية محلية. وطبقًا لآخر الإحصائيات، فقد وصل عدد المدراس إلى أكثر من (19) مدرسة ابتدائية، و(7) مدارس متوسطة، بمشاركة حوالي (1800) تلميذٍ وتلميذة. وقد أخفقَتِ الولاية في إبرام "اتفاقية" مع الجمعيات الإسلامية، من أجل تكوين اتحادٍ عامٍّ يمثل الجمعيات الإسلامية في القضايا ذات الارتباط بشؤون المسلمين، وعلى رأسها تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية.
• ولاية زارالاند
بدأ تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في الولاية باعتبارها مشروعًا تجريبيًّا منذ عام (2015/2016م) وتتعاون الولاية في هذا الصدد مع (6) جمعيات إسلامية، على رأسها ديتِّيب، وطبقا لآخر الإحصائيات فقد وصل عدد المدارس التي تقدم مادة التربية الدينية الإسلامية إلى أكثرَ من (4) مدراسَ في مختلف المراحل التعليمية، بمشاركة أكثر من (200) تلميذٍ وتلميذة.
3. ولايات تُقدِّم مادة التربية الدينية الاسلامية بشكل نظامي، لكن دون تعاون مع شركاء مسلمين، وهي:
• ولاية بافاريا
تعود بدايات تدريس الدين الإسلامي في مدارس ولاية بافاريا إلى عام 1986م، حيث تم استحداث مادة "الإرشاد الديني الإسلامي باللغة التركية"، ثم تحولت إلى اللغة الألمانية في العام الدراسي عام (2001/ 2002م) وفي عام 2009م دشَّنت الولاية تدريس الدين الإسلامي من منظور عقدي تحت مسمى: "التربية الدينية الإسلامية" في مشروع تجريبي، امتدادًا لِما بَدَأ في "ايرلانجن" عام (2003/2004م) بِاسم "نموذج ايرلانجن"، ومنذ ذلك الحين توسع المشروع تدريجيًّا ليشمل المئات من المدارس -معظمها ابتدائية، ومتوسطة- لكن دون مشاركة من الجمعيات والمراكز الإسلامية، الأمر الذي أثار انتقاد هذه الجمعيات ضد المشروع للمطالبة بحقها في الإشراف على تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية. وتحول المشروع التجريبي إلى مشروع نظامي يوليو- 2021م، حيث عدل برلمان ولاية بافاريا القانون المُنظم للتعليم الديني في مدارس الولاية، ونص على أن "ضرورة مشاركة تلاميذ المدارس الذين اختاروا عدم متابعة دروس التعليم الديني، إما في دروس الأخلاق وإما في دروس التربية الإسلامية بمنطق عقائدي-إيماني". وطبقًا للإحصائيات الأخيرة فقد وصل عدد المدارس التي تقدم مادة التربية الدينية الاسلامية (359) مدرسة في مختلف المراحل التعليمية، بمشاركة أكثر من (17,000) تلميذٍ وتلميذة.
• ولاية شليسفيج هولشتاين
تعود بداية تدريس مادة الدين الاسلامي في الولاية إلى عام (2007/2008م) ووصلت الأعداد في المدرس الابتدائية إلى حوالي (1400) تلميذٍ وتلميذة، في حوالي (13) مدرسة ابتدائية، علمًا بأن المشاركة في هذه الدروس طواعية "اختيارية" وليست إلزامية.
4. ولايات تقدم مادة الدين للجميع متضمنة الدين الإسلامي، وهي:
"هامبورج"، "بريمن"، حيث يتشارك ممثلون عن الأديان -ومن بينها الإسلام- في وضع المناهج الدراسية.
5. ولايات لا تتيح مادة الدين الإسلامي في المدارس تحت أي مسمى، وهي: "تورنجن"، و"ساكسونيا"، و"ساكسونيا أنهالت"، و"براندينبورغ"، و"ميكلنبورغ فوربومرن".

هذه هي الصورة العامة التي عليها وَضْعُ تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية في الولايات الألمانية المختلفة، وأول ما يلفت الانتباه هو التنوع الكبير، وعدم وجود صورة معيارية يمكن القياس عليها، أو المطالبة بتعميمها.
وبشكل عام، لا يمكن إغفال حقيقة أن الدولة الألمانية لا تزال تقوم بجهود كبيرة في تسريع عملية اندماج المسلمين في المجتمع الألماني، كما بذلت عدة ولايات ألمانية مجهودات كبيرة، وملموسة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة في هذا الصدد، محاولةً التغلب على عقبة عدم وجود هيئة رسمية ممثِّلة للمسلمين في ألمانيا، حيث حدَّدت بعضُ الولايات بعضَ الجمعيات، والمجالسِ الاستشارية للمعاونة في هذه الأمر، ولكن على الرغم من ذلك، فإن طريق تدريس مادة الدين الإسلامي في ألمانيا لا يزال أمامَه الكثيرُ كَمًّا وكيفًا، وفي هذا السياق شَكَّل غيابُ اعتراف الحكومة الألمانية الرسمي بالإسلام، وعدم وجود كِيان يعبر عن الصوت الرسمي للمسلمين في ألمانيا- المشكلةَ الأكبر والأبرز في هذا السياق، مما تسبَّب في قضايا قانونية، وتوتراتٍ بين ولاياتٍ ألمانية، وجمعياتٍ إسلامية، أبرزها ما حصل بين ولايتي "هيسن" و"شمال الراين وستفاليا" وبين جمعية "ديتِّيب"، وكذا ما حصل بين "هامبورج" وبعضِ الجمعيات الإسلامية الشريكة في الاتفاق مع حكومة تلك الولاية، وهو الأمر الذي كشف عن غياب الثقة المتبادلة بين مؤسسات الدولة، وبعض الجمعيات الإسلامية في ألمانيا، وذلك لأسباب عديدة أهمها الشكوك حول ارتباط تلك الجمعيات بجهاتٍ خارجَ ألمانيا من ناحية، وعدم الثقة في المؤسسات التعليمية الرسمية في القيام على تدريس مادة التربية الدينية الإسلامية دون مشاركة أطراف إسلامية من ناحية أخرى.
لكن الفجوة بين أعداد التلاميذ المسلمين الراغبين في الحصول على مادة التربية الدينية الإسلامية (75% بحسب إحدى الدراسات)، والأعداد الفعلية للتلاميذ الذين يدرسون المادة بالفعل، تستدعي مواصلة الجهود على كافة المستويات، وضرورة أن تسعى كلُّ الأطراف في بناء الثقة المتبادلة، من خلال محاولة إزالة أسباب الشك والريبة.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

طباعة