أطفال بلا هُويَّة

  • | السبت, 18 فبراير, 2023
أطفال بلا هُويَّة

     سلط موقع (دوار) الناطق باللغة التركية، الضوء على قضية مواليد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، بالنظر إلى ما تنطوي عليه هذه القضية من تعقيدات قانونية، أبرزها عدم تسجيل هؤلاء المواليد، وتعدد جنسيات الآباء. والمعروف أن تعدد الأزواج كان شائعًا داخل التنظيم تحت مسمى (جهاد النكاح)، فقد كانت معظم النساء تتزوج مجددًا نتيجة تغييب الزوج إما بسبب القتل، أو الأسر أو غيرها. وبالتالي فقد تتعدد جنسيات الإخوة غير الأشقاء.
وقد حذرت بعض القنوات والفضائيات التلفزيونية، من خطورة هؤلاء الأطفال ووصفتهم بالقنابل الموقوتة التي تتحين الفرصة المناسبة للانفجار إذا استمر المجتمع الدولي في تجاهل القضية. وكان موقع (الآن) الإخباري، قد أعد تقريرًا عن أطفال مخيم الهول السوري عام 2020م، تحت عنوان "أطفال داعش بلا جنسية ولا هُوية" جاء فيه:" يعيش أطفال المخيم حياة صعبة تتنافي وبراءتهم؛ حيث يتحدثون بكلمات لا تتناسب وأعمارهم، ويصنعون أسلحة صغيرة من أدوات بسيطة. ولا يرغبون في التعليم أو الذهاب إلى المدرسة". ونقل الموقع على لسان إحدى الأمهات:" عندي (4) أطفال جميعهم بدون شهادات ميلاد، أو أية هُوية تثبت نسبهم".
والتعامل مع هذه القضية يتطلب العمل على مساريين متوازيين وللأسف متقاطعين، هما الجانبان الإنساني والقانوني، والأول يُحتم على حكومات العام سرعة استرداد هؤلاء الأطفال، وإنقاذهم من الظروف البيئية غير المناسبة صحيًّا (حيث تؤكد الإحصائيات شبه اليومية مصرع عدد كبير نتيجة سوء التغذية، وسوء الرعاية الصحية) وعلميًّا (حيث تنعدم البيئة التعليمية التي تكفل حماية هؤلاء الأطفال من اعتناق الأفكار الإرهابية). لذلك لم يكن من المستغرب أن يناشد العديد من القانونين، والبرلمانين، والمنظمات غير الحكومية، قيادات المجتمع الدولي لإنقاذ هؤلاء الأطفال. وبالفعل فقد نجحت هذه الجهود في إعادة أكثر من (1500) طفلٍ إلى أوطانهم منذ عام 2019م، وفقًا لـ "هيومن رايتس ووتش". لكنَّ التعامل مع هؤلاء الأطفال واحتوائهم يختلف نسبيًّا من دولة لأخرى.
لكن المشكلة الحقيقة إنما تتعلق بمشكلة الهوية؛ حيث تحظر قوانين بعض الدول منح الجنسية لأبناء الأمهات المتزوجات من جنسيات أجنبية. هذا إضافة إلى بعض المشكلات الأخرى التي تعوق عودة الأطفال إلى بلادهم، وحصولهم على الجنسية، ومن أهمها عدم الرغبة الحقيقية في استردادهم، وهو ما دعا منظمة الـ(يونيسيف) إلى حثِّ الدول على السعي لتوفير الوثائق اللازمة التي تحول دون بقاء أطفال داعش بلا جنسية. كما دشَّنت المنظمة العديد من المبادرات لإعادة أطفال داعش إلى بلادهم، مشددة على الحاجة إلى بدء الجهود لإدماج هؤلاء الأطفال في المجتمعات من جديد. كما سعت الأمم المتحدة إلى وضع أسس عالمية لعملية عودة هؤلاء الأطفال إلى أوطانهم، عبر طرح مبادرة أممية في سبتمبر الماضي ٢٠٢٢م، تضمن تقديم دعم مالي، وتقني متكامل؛ لتلبية الاحتياجات الحقوقية، والإنسانية للعائدين من سوريا، والعراق، إضافة إلى معالجة من يتبقى من الأطفال في المخيمات.
وتتعد مخاطر بقاء هؤلاء الأطفال في المخيمات، وكلما طالت مدة وجودهم كلما تقدمت أعمارهم وكان من الصعب احتواؤهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في مجتمعاتهم. كما أنَّ التنظيم كان يعتمد على بعض هؤلاء الأطفال في أداء بعض المهام، وقام بتدريبهم على مهمات عديدة كـ "مراقبين" مثل قوات الاستطلاع في الجيوش الحديثة، وذلك لجمع معلومات تفيد في التخطيط لشن هجمات إرهابية. كما استخدم التنظيم الأطفال جواسيس داخل التنظيم ذاته، وأيضًا في مهنة طهي الطعام بالنسبة للأطفال البالغين. لكن الأخطر من ذلك هو استغلال الأطفال لتحصيل أموال طائلة عن طريق الاتجار بهم، وهذا أمر خطير حيث تضاعف عدد الأطفال الذين وقعوا ضحايا للاتجار بالبشر ثلاث مرات في السنوات الـ (15) الأخيرة، وفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
من جهة أخرى لا يخفى علينا أنَّ تجنيد الأطفال، وتشويه أفكارهم، وغسل أدمغتهم يُعدُّ أحد أهم المشتركات بين التنظيمات المتطرفة. فهو يمثل الضامنَ لاستمرار الفكر المتطرف جيلًا بعد جيل. وفي عام 2018م نشر مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة تقريرًا بعنوان: "دليل بشأن الأطفال الذين تجندهم وتستغلهم التنظيمات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة العنيفة: دور العدالة"، أكد فيه أن تنظيم "بوكو حرام" جند (8000) طفل في نيجيريا منذ عام 2009م، وأجبر بعض الأطفال على مهاجمة أسرهم لإثبات الولاء للتنظيم، في حين أَجبر الفتيات على الزواج، والتنظيف، والطهي، ونقل المعدات، والأسلحة، وأن التنظيم يستخدم الفتيان، والفتيات دروعًا بشرية في عملياته الإرهابية. كما أكَّد التقرير سالف الذكر على أنَّ الأطفال يتم تجنيدهم من قِبل حركة الشباب الصومالية، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وحركة أنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أبو سياف في الفلبين، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
فإذا كانت التنظيمات الإرهابية حريصة على الاستفادة من الأطفال في أعمال الشر، والعنف فمن باب أولى أن يكون حرص المجتمع الدولي على حرمانها من هذه الاستفادة أكبر.
خلاصة القول: إنَّ هؤلاء الأطفال يعيشون في أزمة حقيقية متشعبة، لها عديد من الأبعاد، أهمها البعديْن الأمني، والإنساني، يتمثل البعد الأمني في الخوف من النشأة التي نشأ فيها هؤلاء الأطفال، حيث داعش الإرهابي وتدريباته من خلال المدارس التي حرَّفوا مناهجها، وحرقوا مكتباتها، ودرسوا فيها مناهجهم التي تصنع التطرف، ومن خلال المعسكرات التي صوروا فيها تدريب الأطفال، وغرسوا ثقافة العنف فيهم. أمَّا البعد الإنساني فيتمثل في طفولة هؤلاء الصغار التي تعاني في المخيمات من نقص في الغذاء، وحرمان من التعليم الجيد، وهو الأمر الذي يلتقي بالبعد الأمني في كون هؤلاء الأطفال يمكن أن يصبحوا قنابل موقوتة تنفجر في أي وقت. لذا نرى ضرورة عقد حوار أممي حول مصير هؤلاء الأطفال الذين يعيشون بين بعديْن كلاهما مرٌّ، ويتعارض كل منهما مع الآخر.


وحدة رصد اللغة التركية

طباعة