إسبانيا والتحديات الأمنية المتجددة في مطلع 2023م (3)

.. (مخاطر عودة المتطوعين من التنظيمات المسلحة ضد داعش في سوريا والعراق)

  • | الأربعاء, 22 فبراير, 2023
إسبانيا والتحديات الأمنية المتجددة في مطلع 2023م (3)

     مع بداية كل عام تظهر تحديات جديدة، وأخرى متجددة في ظل تسارع الأحداث العالمية، ‏بعضها يحتاج إلى مزيد من التحليل، والفهم لإيجاد الحلول المناسبة، والبعض الآخر يستلزم العمل ‏على تحقيق مواجهة حاسمة، وإجراءات مكثفة ورادعة. وفي سياق متابعة الأحداث الجارية مع مطلع ‏عام 2023م في إسبانيا، ظهرت عدة تحديات أمنية تستلزم المواجهة كان أبرزها (3) قضايا محورية، ‏ومتجددة في الوقت ذاته، تم تناولها على 3 أجزاء. يتعلق الأول بقضية تأهيل المتطرفين داخل ‏السجون، وهو ما نشرناه في الجزء الأول من التقرير، أما الجزء الثاني فيتعلق بقضية ‏العائدين من تنظيم داعش الإرهابي من النساء، والأطفال إلى الأراضي الإسبانية. ويتناول الجزء الثالث والأخير، الذي نحن بصدده، مخاطر عودة المتطوعين المنضمين للتنظيمات المسلحة المناهضة لتنظيم داعش في سوريا والعراق.
بداية نشير إلى أن الصراع داخل الأراضي السورية، والعراقية اجتذب متطوعين من عدة دول أوروبية، فانضم بعضهم إلى صفوف بعض التنظيمات المسلحة التي تقاتل ضد تنظيم داعش الإرهابي، من بينهم متطوعون إسبان، للدفاع عن المدنيين من مذابح تنظيم "داعش" الإرهابي، في حين انضم آخرون إلى صفوف داعش. وشكلت هذه الظاهرة مصدر قلق لأجهزة المخابرات، ووحدات مكافحة الإرهاب في إسبانيا منذ سنوات عديدة، خاصة "العائدين" الذين يخططون لأعمال عنف في إسبانيا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المخاطر لم تقتصر على عودة المقاتلين المنضمين لصفوف داعش، أو عودة ذويهم فقط إلى إسبانيا، بل تمتد إلى عودة المتطوعين الذين يقاتلون ضد التنظيم الإرهابي أيضًا. ولا شك أن هؤلاء المتطوعين اكتسبوا خبرات قتالية، وعسكرية خلال قتالهم في صفوف تلك التنظيمات المسلحة المناوئة لداعش، إضافة إلى جانب المعتقدات الراديكالية لبعضهم، والتي ربما دفعتهم إلى هذا التطوع، ومن الممكن أن تمثل عودتهم خطرًا على المسلمين في إسبانيا، من أبناء البلد، أو المهاجرين، واللاجئين.
ويمكن تصنيف هؤلاء المتطوعين إلى صنفيْن: شارك الأول في القتال لإيمانه بالدفاع عن الإنسانية من شرور الإرهاب، وأهله، وشارك الثاني نتيجة لكرهه للإسلام والمسلمين، فيقاتلون ضد هذا التنظيم لا على اعتبار أنه إرهابي، بل على أنه يقاتل باسم الاسلام، وفي حقيقة الأمر ينتمي هذا الصنف، وإن لم يعلن ذلك صراحة، إلى اليمين المتطرف. فكما كان الصراع السوري بمنزلة أرضٍ خصبة مثالية لتنظيمات مثل القاعدة، وداعش، كان كذلك بالنسبة لليمين المتطرف، وأنصاره. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من المحاربين القدامى الأمريكيين، إضافة إلى عدد من الغربيين، قد التحقوا بميليشيا مسيحية بالعراق تحمل اسم "دويخ نوشا"، التي أُنشئت على يد الحركة الديموقراطية الآشورية في سهل نينوى عام 2014م، بدافع حماية المسيحيين، ودعم الأكراد في مواجهتهم لتنظيم داعش الإرهابي، ويقدر عدد مقاتليها بأكثر من (200) مقاتل شاركت في معركة الموصل (2016م–2017م).
وفي هذ الصدد سلطت صحيفة "إل كونفيدينثيال ديخيتال" الإسبانية، في 22 يناير 2023م، الضوء على دراسة أكاديمية حديثة تتناول مخاطر عودة الإسبان المتطوعين الذين يقاتلون في أوكرانيا، وأولئك الذين سافروا إلى الشرق الأوسط، في إشارة إلى الإسبان الذين يقاتلون في أوكرانيا ضد روسيا، وكذلك الذين قاتلوا في سوريا ضد داعش، حيث نشرت المجلة البحثية للمركز الجامعي للحرس المدني بأكاديمية تدريب الضباط في أرانخويث (إحدى أعمال مدريد)، في عددها الصادر في ديسمبر 2022م"، مجموعة من الأبحاث التي أجراها طلاب درجة الماجستير، يبرز من بينها دراسة للباحث "لوبيث سِيرَّانو" تحت عنوان: "الظواهر اللا نمطية المرتبطة بداعش .. دراسة تحليلية عن المقاتلين المناهضين للمتطرفين الجهاديين وما يُسمى بنساء الخلافة".
ولم تعتمد الدراسة فقط على استخدام المعلومات العامة لوسائل الإعلام الإخبارية، أو المقالات الاستقصائية السابقة حول ظاهرة الأشخاص الذين يسافرون طواعية إلى مناطق النزاع للقتال فيها، ولكن اعتمدت على المقابلات التي أجراها هؤلاء الأفراد مع وسائل الإعلام، وكذلك منشوراتهم على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، التي عبر فيها هؤلاء المقاتلون عن تجاربهم في منطقة الصراع، إضافة إلى المعلومات الاستخبارية المخصصة لمكافحة الإرهاب، والتنظيمات المتطرفة، والراديكالية، وذلك بهدف الوقوف على التهديدات، والتعرف على تقييم الشرطة لها.
وأشارت الدراسة إلى أنه من المعلوم لدى الجميع أن عودة المنضمين لصفوف داعش في سوريا، والعراق يُشكل تهديدًا على أمن جميع أنحاء أوروبا، حيث يمكن لهؤلاء الأشخاص تشكيل خلايا إرهابية في أي وقت، أو التصرف كـ "ذئاب منفردة"، وارتكاب هجوم باسم الدين والجهاد. لكن ظاهرة المتطوعين الذين ذهبوا للقتال ضد داعش، أو الذين شاركوا في الحرب في أوكرانيا ضد روسيا، تطرح بعض الفروق الدقيقة، حيث تتعامل معها المحاكم، وقوات الأمن بشكل مختلف. فالحكومة الإسبانية لا ترى أن "المقاتلين الإسبان المندمجين في الميليشيات الكردية يشكلون خطرًا بعد عودتهم، بل الخطر يكمن في عودة الأشخاص الذين نزحوا إلى مناطق الصراع لدعم التنظيمات الإرهابية.
وبالرغم من ذلك، لا يمكن إغفال الصلة بين شخصية المقاتلين ضد داعش، والمنضمين لصفوف داعش، فإن المقاتلين المعادين لداعش يمثلون أيضًا خطرًا يستحق المراقبة من قبل قوات الأمن، لأنهم أفراد لديهم معتقدات، وقناعات راديكالية تطورت بعد وصولهم إلى مناطق نزاع. ومن المحتمل أن ينقلوا المعارف، والخبرات التي اكتسبوها في استخدام الأسلحة، والمتفجرات إلى أطراف ثالثة، إضافة إلى قدرتهم على التأثير في القطاعات المتطرفة التي تطمح إلى فرض أفكارها بالعنف في بلدانهم الأصلية. فالإسبان المنضمون للقوات الكردية، في الغالب، من أيديولوجية راديكالية، ومستعدون للقتال من أجل أفكارهم، مخاطرين بحياتهم، جنبًا إلى جنب مع التعزيز الإيديولوجي من قبل الأكراد والتدريب العسكري الذي تلقونه. فمنهم من لديه روابط مع اليمين المتطرف، وقدم نفسه على أنه "صليبي" يدافع عن المسيحيين، والأزديين، والأكراد من مذابح داعش. ومن هذا المنطلق، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من ندرة فرص وقوع هجمات إرهابية على يد العائدين من صفوف المقاتلين المناهضين لداعش داخل سوريا، والعراق، فإن هذه الظاهرة تتشابه بشكل كبير مع عودة الإرهابيين المنضمين لصفوف داعش، فهناك تقارب في العوامل، مما يُشكل خطرًا محتملًا على أمن أطياف المجتمع الإسباني كافة.
لذلك، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن تتخذ السلطات المعنية حذرها من هؤلاء العائدين، وأن تتعامل معهم بنفس الحيطة والحذر، كما هو الحال مع العائدين من داعش. كما ينبغي أن ‏تخصص لهم مراكز نفسية، وطبية لمعالجة الآثار النفسية، ‏والأسرية، والاجتماعية التي من الممكن أن يُعاني منها هؤلاء ‏العائدون، وكذلك ضرورة ترسيخ التعاون الدولي على مستوى المؤسسات الحكومية، وغير الحكومية، ‏وكذلك الدينية المعتدلة لتوعية ‏الشباب، ووقايتهم من الاستقطاب من التنظيمات الإرهابية والمسلحة كافة، ‏وتجنيبهم خطر الوقوع في براثنها أيًّا كانت أفكارها، وتوجهاتها. كما أنه من الأهمية بمكان ألا يقتصر عمل المؤسسات الحكومية، والمدنية على مراقبة العائدين من صفوف داعش وإعادة تأهيلهم فحسب، بل لا بد أن يمتد هذا الاهتمام إلى المتطوعين مع القوات العسكرية ضد داعش في سوريا، لأن كليهما لديه أفكار، وأيدلوجيات مُشوهة، ومبنية على أساس كراهية الآخر، وعدم تقبله، مسلمًا كان أو غير مسلم، حيث إن محاربة الإرهاب لا يجب أن تخضع لفكر، أو تخطيط أفراد، أو ميليشيا، بل هو من صميم عمل أجهزة الدول المختلفة التي تمتلك فكرًا أوسع، وأشمل في التعاطي مع قضايا الإرهاب، والتطرف.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة