ترويج التنظيمات الإرهابية للحروب ‏الكيميائية إلكترونيًّا وسبل التعاون الدولي لمكافحتها

  • | الأحد, 16 أبريل, 2023
ترويج التنظيمات الإرهابية للحروب ‏الكيميائية إلكترونيًّا وسبل التعاون الدولي لمكافحتها

     تعددت وسائل التنظيمات الإرهابية، وإستراتيجياتها الرامية إلى زعزعة أمن الدول واستقرارها، فضلًا عن الأجندات السياسية التي تتبناها تلك التنظيمات، وتعمل على تنفيذها تحت شعارات زائفة، وفكر مغلوط، وتفسير خاطئ للنصوص الدينية، واستغلال صريح لعقول الشباب الذين وقعوا في فخاخ نُصبت لهم، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت بدورها إلى مرتع للإرهاب، ومنصة رئيسة لنشر هذا الفكر المنحرف، واستقطاب عناصر جديدة قادرة على مواصلة الأنشطة، والمخططات الإجرامية التي رسمتها العناصر الإرهابية، والتي تستلزم تضافر الجهود لإفشالها، والحيلولة دون تنفيذها، وهذا ما سعت إليه العديد من دول العالم في الفترة الأخيرة.
ولا ريب أنَّ الحروب الإلكترونية والكيميائية، والبيولوجية، وكذلك النووية، والإشعاعية أضحت من أشرس، وأخطر الأسلحة المستخدمة حديثًا بالتزامن مع التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم في العقود الأخيرة، بل وتُعد جزءًا من إستراتيجية الأمن القومي للعديد من الدول، وأحد أهم الركائز العسكرية لأعتى الجيوش التي تسهم بشكل فاعل في تفوقها العسكري في الحروب، والصراعات المسلحة، وغيرها من الأسباب، والدوافع التي وضعتها الدول ضمن أولوياتها لحماية أمنها القومي، واستقرار أراضيها.
وتزامنًا مع هذا التطور الهائل في الأسلحة، والأدوات المستخدمة في الحروب الحديثة، اتجهت التنظيمات الإرهابية إلى تطوير أنفسها من خلال تبني هذه النوعية من الحروب، وأصبحت عناصرها من أخطر من يستخدمون تلك الأسلحة المتطورة، وخاصة الكيميائية منها، الأمر الذي بدا جليًّا في العديد من التقارير الأمنية الصادرة عن الأمم المتحدة، التي أكدت على استخدام تنظيم داعش الإرهابي على وجه الخصوص للأسلحة الكيميائية في سوريا والعراق؛ فمنذ عام 2014م أُتيح لهذا التنظيم وغيره من الأذرع الموالية للقاعدة - بعد بسط سيطرته على أجزاء كبيرة من الأراضي في العراق وسوريا- استغلال الطاقات الإنتاجية للمنشآت الصناعية، والمؤسسات الأكاديمية العاملة في مجال الكيماويات، ليس فقط لتحسين إنتاج المتفجرات، والعبوات الناسفة، بل لتطوير استخدام المواد الكيميائية السامة كأسلحة.
هذا إضافة إلى أدلة ساقها تقرير صادر عن معهد "الكانو" الإسباني بعنوان "التهديد الكيميائي لداعش بعد سقوط الخلافة" والصادر في أكتوبر لعام 2017م، تشير إلى أنَّ العديد من التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم "داعش"، يتلقون تدريبات مكثفة على استخدام الأسلحة الكيميائية، والتي كانوا يقومون بتصنيعها داخل الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في مناطق النزاع. كما سعى هذا التنظيم إلى استخدام هذه النوعية من الأسلحة بشكل مكثف؛ نظرًا لأنهم على دراية بتأثير المواد الكيميائية، ‏ومدى الضرر النفسي، والبدني الذي يمكن أن تُحدثه تلك المواد ليس فقط بالأشخاص الذين تتم مهاجمتهم، ولكن أيضًا بوسائل الإعلام، حيث يمكن للحروب الكيميائية أن تؤثر على وسائل الإعلام بشكل غير مباشر من خلال تدمير البنية التحتية للاتصالات، مما يصعب على الصحفيين، والإعلاميين تغطية الأحداث، وتوثيقها بشكل صحيح، ودقيق.
وفي السنوات الأخيرة، بعد فقدانها للعديد من الأراضي التي كانت تسيطر عليها، وتكبدها لخسائر كبيرة، وتراجع قدرتها الإنتاجية للأسلحة مع خسارة المنشآت الكيماوية، وورش إنتاج الذخيرة في الموصل، والرقة، تحركت الخلايا الإرهابية لتنظيم داعش إلى الترويج لاستخدام تقنيات الحروب الكيميائية عبر المنصات الإلكترونية من خلال نشر كتيبات تشتمل على الإجراءات المطورة المتبعة في ‏تصنيع العبوات الكيميائية الناسفة، وذلك على غرار ما كان ‏يحدث مع تصنيع العبوات الناسفة يدوية الصنع. وهذا ما فطنت إليه مؤخرًا مجموعة الدول التي تجد نفسها في مرمى تلك التهديدات الإرهابية المتكررة.
وفي هذا السياق سلطت صحيفة "كاتالونيا برس" الإسبانية، بتاريخ 4 مارس 2023م الضوء على التعاون بين وزارة الداخلية الإسبانية، من خلال مركز الاستخبارات لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (CITCO)، ووكالة "اليوروبول" من خلال "وحدة مراجعة الإنترنت" (IRU) في العملية التي أسفرت عن اكتشاف وإزالة 120 محتوى على الإنترنت يشتمل على تعليمات حول استخدام هذه المواد الكيماوية عالية الخطورة، والغازات السامة التي تنتجها في تنفيذ الهجمات الإرهابية. أما عن المحتويات التي تمت إزالتها من على الشبكة العنكبوتية فقد كُتبت بـ(٥) لغات مختلفة، ونُشرت على (21) منصة إلكترونية عبر الإنترنت من خلال شبكات تعمل على دعم الإرهاب، والتنظيمات المتطرفة العنيفة. وتُعد خطورة هذه المواد الكيميائية، التي يتم تداولها قانونيًّا في مجال الصناعة، في أنها يمكن أن تنتج مواد خطرة عند دمجها مع منتجات أخرى، ويمكن استخدامها لتنفيذ هجمات إرهابية كيميائية.
ومن الجدير بالذكر أن "اليوروبول" نفذ العملية بالتعاون مع (١٠) أجهزة شُرطية من دول الاتحاد الأوروبي من بينها إسبانيا، و(٧) دول أخرى، هي: ألبانيا، والبوسنة، وكولومبيا، وجورجيا، ومولدوفا، والجبل الأسود، والمملكة المتحدة. وانتهت العملية في 21 فبراير 2023م بعد عدة أسابيع من البحث في المنتديات الرقمية، بما في ذلك شبكات "الإنترنت المظلم" Dark Web، وهو عبارة عن منطقة غير مفهرسة على الإنترنت لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال محركات بحث محددة، كما تحتاج برمجيات، وضبط، وتفويض خاص لتسجيل الدخول عليها. كما حثت "اليوروبول" الشركات المزودة للإنترنت على إزالة المحتوى الذي ينتهك الشروط، والأحكام الخدمية الخاصة بهم، واقترحت تعزيز بروتوكولات الإشراف، والمراقبة التي من شأنها تفادي ظهور هذا النوع من الدعاية الإرهابية في المستقبل.
ويهدف مركز الاستخبارات لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (CITCO) الإسباني إلى إزالة المحتوى غير القانوني من مختلف المواقع على الإنترنت، ومساعدة المنصات على اكتشاف نقاط الضعف الخاصة بها، وتشجيع التعاون بين السلطات ومقدمي الخدمات، مع احترام الحقوق الأساسية لمستخدمي الإنترنت دائمًا. وقام المركز، بصفته السلطة الإسبانية المختصة في إزالة المحتوى الإرهابي من الإنترنت، بالتنسيق، والمشاركة مع قوات الشرطة الوطنية، والحرس المدني في إسبانيا. ومن جانب آخر سيتم تضمين نتائج هذه العملية في تحليل التهديد الإرهابي الحالي فيما يتعلق باستخدام المواد الكيميائية عالية الخطورة، وكذلك في تقييم الأثر الذي أعدته المفوضية الأوروبية.
وختامًا:
يتضح لنا أن التنظيمات الإرهابية بأشكالها كافة لا تألو جُهدًا في تزويد نُظم الأسلحة التي تستخدمها في عملياتها التخريبية بكل ما هو جديد، ومتطور، بل وتعمل على تجنيد أجيال جديدة من المرتزقة، والذئاب المنفردة عبر الفضاء الإلكتروني، بحيث تكون قادرة على تصنيع، واستخدام الأسلحة -خاصة الكيميائية منها- أينما وُجدوا، وهذا ما يستلزم تكاتف المجتمع الدولي، وتضافر جهوده مع ضرورة التنسيق، والتعاون العاجل بين جميع الدول من أجل وضع حد لأشكال التطرف كافة، والأعمال الإرهابية، خاصة المنتشر منها على الشبكة العنكبوتية، ووضع إجراءات جديدة، وفاعلة لردع كل من تسول له نفسه العبث بعقول الشباب، وإفساد القيم، والمبادئ الدينية، والمجتمعية التي قامت على أساسها الثقافات، والحضارات المختلفة.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة