نحو عالم متسامح خالٍ من الكراهية والتعصُّب

  • | الثلاثاء, 18 أبريل, 2023
نحو عالم متسامح خالٍ من الكراهية والتعصُّب

لا ينفصل حديث التسامح عن حديث التعصب؛ فهما في حقيقة الأمر ينطلقان من نقطة جوهرية واحدة باتجاهين متعاكسين، فلنا أن نتخيل أنَّ كلا المفهومين على خط متصل، إذ يمثّل التسامح جانب الخط الأيمن، بينما يمثّل التعصب الجانب الآخر، وعليه فلا يمكن الحديث عن التسامح إلا باعتباره الرد الأخلاقي على التعصب بمختلف أشكاله، فالتعصب يتعارض مع مفهوم التسامح والاعتدال، ويتم اعتناقه دون اعتبار للدلائل الفعلية، والأدلة، والبراهين، أو دون أخذ الوقت الكافي اللازم للحكم على الموقف بإنصاف، وموضوعية.

ويعرف التعصب بأنه: الحكم السلبي المسبق تجاه أفراد ينتمون إلى مجموعة اجتماعية معينة؛ حيث يعمد الأفراد المتعصبون إلى تحريف، وتشويه، وإساءة تفسير الوقائع التي تتعارض مع آرائهم المحددة سلفًا.

     بينما يقصد بالتسامح: نبذ المشاعر، والأفكار، والسلوكيات السلبية تجاه من أساءوا إلينا، واستبدال مشاعر، وأفكار، وسلوكيات إيجابية بها، والتسامح هو طريق الشعور بالسلام الداخلي، والسعادة، وهو أيضًا سبيلنا إلى الطمأنينة رغـم الشعور بالألم، والاستمرار في الحياة بعد تعرضنا للإيذاء من الآخرين. (ميشيل مالكو، 2015، ص 9)

وتتجلى أبرز مظاهر ثقافة التسامح في العفو عن الناس، وعدم رد الإساءة بالإساءة، والتحلي بالأخلاق الرفيعة التي دعت إليها الديانات، وجاء بها الرسل والأنبياء كافةً من الصفح عن الآخرين، والإحسان إليهم، والعفو عند المقدرة، والحفاظ على حقوق الآخرين، ونبذ الظلم والاعتداء، وتحقيق الوحدة، والتضامن، والتماسك بين أفراد المجتمع، والابتعاد عمَّا يفسد المجتمع من خلافات، وصراعات.

فالتَّسامح أسلوب حياة يُساعد الإنسان على التعايش مع المتغيِّرات حوله، والتصرُّف السويِّ مع الاختلافات كافَّة، مع تعميم ثقافة احترام تلك الاختلافات، فتسود بيئة مجتمعيَّة تكامُليَّة من التعاملات البشرية القائمة على مبادئ المساواة، واحترام الآخرين.

وهناك أشكال متعددة للتسامح منها:

التسامح الديني: ويتضمن التأقلم مع جميع الشرائع السماوية، وعدم التعصب، أو حرمان الآخرين من ممارسة شعائرهم الدينية.

التسامح العرقي: ويتضمن تقبُّل الآخرين مع اختلاف اللون، والسلالة البشرية، والعرق، والأصول.

التسامح الفكري: ويتضمن البعد عن التعصب لفكرةٍ ما، وتقبُّل أفكار، ووجهات نظر الآخرين، مع التحلي بآداب، وفنيات الحوار، ومخاطبة الآخرين.

التسامح الاجتماعي: ويتضمن تحقيق المصالح العامة مع الالتزام بضوابط، وقوانين المجتمع.

وتستند ثقافة التسامح على عدة مبادئ أساسية للحد من التعصب، ومواجهته منها:

الاعتراف بوجود الآخَر.

الاعتراف بحق الآخَر في الاختلاف لغويًّا، وثقافيًّا، وعقائديًّا.

التعاون، والتعايش المشترك بين بني البشر.

الابتعاد عن التعصب، والاختلاف غير المبرَّر مع الآخرين.

الإقرار بأنَّ قبول الآخَر لا يعني التقليل من شأن الفرد.

إتقان آداب، وقواعد الحوار البنَّاء.

قبول، واتباع رأي الآخَر إن كان صوابًا، واحترامه إن كان يحيد عن الصواب.

فقيمة احترام الآخر، وتقبله من أهم القيم التي ترسخ للتعايش السلمي، ونزع التعصب، والكراهية ويحدث ذلك من خلال عدة سلوكيات منها:

1- الاهتمام بمشاعر الآخرين:

الاهتمام بالآخرين، ومشاعرهم، واحتياجاتهم، وأفراحهم، وأحزانهم، من أهم مبادئ ودعائم قبول الآخر، فالاهتمام بالآخرين هو المعبر الحقيقي الذي يتلافى الحواجز بين قلوب البشر، فتعبر القلوب من الأنا إلى الآخَر. فعندما يُبدي الإنسان اهتمامًا صادقًا مخلصًا بكل ما يهم الآخرين، فإنه ينال في قلوبهم المكانة، والحب، والتقدير، بل يبحثون عنه دائمًا باعتباره الصوت المنصف المعتدل في ظل تنامي موجات الكراهية، والتمييز، والعنصرية.

2- تقدير الآخرين واحترام مشاعرهم:

تعد الحاجة إلى التقدير من أهم احتياجات الإنسان، بل هي رغبة متأصلة في النفس البشرية، فمن أكثر ما يسعد الإنسان أن يمدحه الآخرون، أو يقدرون ما لديه من مواهب، وقدرات، فكل إنسان في حاجة إلى كلمة مدح، وتقدير؛ ومن ثم ينبغي إشباع هذه الحاجة عند الآخرين لا سيما من يستحقونها.

3- الابتسامة في وجه الآخرين:

من أهم ملامح قبول الآخر الوجه، فهو بطاقة التعارف مع الآخرين؛ ومن ثَمَّ على الفرد أن يتعامل مع الآخرين، بوجه مبتسم هادئ بشوش، فيُقبل الآخرون عليه، ولا ينفرون منه، وفي ذلك امتثال لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ".

وختامًا: ينبغي تعزيز ثقافة التسامح بين أفراد المجتمع، ليسود التسامح المجتمعات، ما يسهم في نشر السلام المجتمعي والتصدي لظواهر التعصب، والكراهية، والتمييز بأشكالها كافة؛ إذ يساعد التسامح على تجاوز أغلب العقبات التي تعيق استقرار الفرد داخل المجتمع، لذا من المهم أن نعرض بعض التوصيات التي يمكن من خلالها الحد من التعصب، والكراهية، وتعزيز ثقافة التسامح، والتآلف، وذلك من خلال عدة زوايا على النحو التالي:

أولًا: على الصعيد الدولي: وذلك من خلال تفعيل الدور الرسمي لنشر ثقافة التسامح عالميًّا، وتبني سياسات تحدُّ من خطاب الكراهية، وممارسات التمييز على أساس الدين، أو اللون، أو العرق، وعدم الاكتفاء بتحديد يوم عالمي للتسامح، وهو الموافق ليوم 16 نوفمبر من كل عام، بل توسيع دائرة الاهتمام بهذه الثقافة، وغرسها في نفوس النشء.

ثانيًا: على الصعيد التربوي: ضرورة اتباع أساليب التربية الإيجابية، وتجنب العنف في التربية، والعقاب الموجَّه للأبناء، منعًا لانتشار ظاهرة التعصب، والكراهية لدى الأبناء، وضرورة الإشراف، والمتابعة الأسرية لأي محتوى يقدم للطفل سواء كان مقروءًا، أو مسموعًا، أو مرئيًّا؛ بحيث يخلو من أي مظاهر للتعصب، والكراهية.

ثالثًا: على الصعيد التعليمي: أهمية اتباع منهج تربوي -تتبنَّاه مؤسسات التعليم- يقوم على إعلاء، وتعزيز ثقافة التسامح، وتنمية الفضائل الأخلاقية، وتعزيزها، وانتهاج سياسة واضحة للحد من التعصب، والكراهية.

رابعًا: على الصعيد القانوني: سنُّ قوانين تجرِّم ارتكاب ممارسات، أو تبني خطابات تحريضية بدافع الكراهية، والتمييز، وحظر تداول المقاطع التي تحرِّض على التعصب، والكراهية، والقتل بسبب الهوية؛ حيث يؤدي تداول مثل هذه المقاطع إلى انتشار التعصب، والترويج له بشكل كبير بين فئات المجتمع لا سيَّما المراهقين، والشباب.

وحدة البحوث والدراسات

طباعة