شهدت ساحات الأقصى المبارك خلال الربع الأول من العام 2023م اقتحام نحو 11,630 مستوطنًا متطرفًا، تحت حراسة شرطة الاحتلال المشددة، وفي مقدمتهم عدد من الحاخامات الصهاينة ورؤساء المدارس المتطرفة المنتشرة في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، وبناء على التقرير الذي أعده مرصد الأزهر حول المسجد الأقصى فإن هذا الرقم المتزايد، مقارنة بالفترة الزمانية نفسها من العام الماضي والتي اقتحم خلالها نحو 7,800 مستوطن فقط، يبرز للجميع ملامح هذا العام على الأقصى، والذي يرى المرصد أنه سيكون واحدًا من أسوأ الأعوام مرورًا على الأقصى.
والسبب في ذلك يعود إلى عاملين، الأول: تواجد الحكومة الصهيونية الحالية، ذات التوجه اليميني المتطرف، والتي تضم عددًا من الوزراء أصحاب التاريخ الأسود فيما يتعلق بقضية المقدسات الدينية، وأبرزهم وزير الأمن الداخلي، "إيتمار بن جفير".
أما السبب الثاني يتمثل في النشاط الملحوظ من قبل ما يُعرف باسم منظمات أو جماعات الهيكل "المزعوم"، والتي باتت تمارس نشاطًا كبيرًا في حشد المستوطنين وتحريضهم على تدنيس الأقصى باعتباره مقدسًا صهيونيًّا، وفق الرواية الصهيونية الكاذبة التي يروجون لها منذ احتلالهم للأراضي الفلسطينية الطاهرة. ومن أبرز محطات التدنيس خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، كان التجرؤ على أداء بعض الطقوس المحظورة مثل: طقس "السجود الملحمي" عند باب القطانين، ورفع علم الكيان الصهيوني داخل الأقصى، وأداء جنود الاحتلال الصلاة رفقة المستوطنين.
كما حاولت المنظمات المتطرفة استغلال تواجد هذه الحكومة المتطرفة في تحقيق مخططاتها، فتوجهت إليها بعدد من المطالب، تمثلت في تمديد ساعات الاقتحامات اليومية، والسماح بها على مدار أيام الأسبوع، وعدم حظر دخول الأدوات الخاصة بالطقوس الصهيونية، والسماح بتنفيذ كل الصلوات والطقوس، وفتح جميع أبواب الأقصى لدخول المستوطنين، وتمكينهم من تدنيس الأقصى في المناسبات الإسلامية، وإعلان الحق المتساوي في الأقصى، وتحديد موقع داخل باحات الأقصى وتخصيصه ليكون كنيسًا صهيونيًّا.
وبناء على متابعات مرصد الأزهر للأوضاع داخل المسجد المبارك فإنه يؤكد أن الدور الحكومي كان بارزًا في التحريض على اقتحام الأقصى والتواجد بداخل ساحاته؛ من أجل خلق واقع جديد بداخله، حيث استهل وزير الأمن الصهيوني، "إيتمار بن جفير"، أعماله باقتحام الأقصى يوم 3 يناير، وأطلق تصريحاته التحريضية التي طالب فيها بتغيير الوضع الراهن في الأقصى، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه سيجدد اقتحامه للأقصى خلال الفترة المُقبلة، في تهديد فعلي بالتصعيد.
وظهر تأثير مثل هذه التصريحات عندما طالب 15 حاخامًا في رسالةٍ إلى حكومة الاحتلال بذبح القرابين في عيد الفصح العبري، معتبرين أن تقديم القرابين في الأقصى مصلحة وطنية صهيونية ينبغي تنفيذها. ونشرت منظمات الهيكل المتطرفة بيانًا تطالب فيه المستوطنين بإحضار القرابين الحيوانية، وعدم تفويت فرصة وجود أعضاء من الصهيونية الدينية في حكومة الاحتلال لفرض أحلامهم الواهية تجاه المسجد الأقصى المبارك.
ويشدد المرصد على أن الاحتلال مستمر في استهدافه للأوقاف الإسلامية والدور الأردني في إدارة الأقصى المبارك، من خلال منع أعمال الترميم في الأقصى بالتوازي مع تزايد الحفريات والأنفاق في محيط الأقصى؛ ما أدى إلى تسرب مياه الأمطار إلى المصلى المرواني، وغرق سجاد المصلى في أماكن متفرقة. كما ظهرت انهيارات جديدة لبعض البلاط قرب باب الغوانمة، وتساقط حجارة من الجهة الخارجية لمصلى قبة الصخرة. ولأن الاحتلال الصهيوني يُدرك أن الصمود الفلسطيني المُتمثل في رباط المقدسيين في الأقصى المبارك، ودفاعهم عنه ضد أية محاولات صهيونية للنيل منه، هو الصخرة التي تتحطم عليها أوهام الاحتلال وأطماعه في الأقصى، لذا يستمر في سياسة "جز العشب" التي يهدف من خلالها إلى ضرب الحالة الشعبية المقدسية؛ حيث نفذت قوات الاحتلال نحو 736 حالة اعتقال خلال الربع الأول من العام 2023م، من بينهم ما يزيد عن 100 طفل، ونحو 26 سيدة. كما أصدرت سلطات الاحتلال نحو 79 قرارًا بالإبعاد عن الأقصى، علاوة على عمليات هدم منازل المقدسيين في الوقت الذي تتزايد فيه الأعمال الاستيطانية داخل المدينة المقدسة.
وفي ختام التقرير، يُطلق مرصد الأزهر لمكافحة التطرف دعوة بلغات العالم المُختلفة، يطالب العالم أجمع بإجبار الاحتلال على وقف تدنيسه للمسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين؛ باعتباره المحرك الرئيس للأحداث داخل الأراضي الفلسطيني المُحتلة، وأن استمرار الانتهاكات الصهيونية بحقه قد يتسبب في اندلاع حرب دينية، واشتعال الأوضاع داخل الأراضي الفلسطيني المحتلة بشكل أكبر مما هي عليه.
ويشيد المرصد بصمود أبناء الشعب الفلسطيني ودفاعهم عن الأقصى المبارك بأرواحهم، ويحيي فيهم روح العزّة والكرامة، ويشدُّ على أيديهم بالثبات والصبر دفاعًا عن مقدساتهم وحقوقهم المشروعة، والتي على رأسها حقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.