الأحزاب اليمينية واستغلال الهجمات الإرهابية لإثارة الكراهية ضد المسلمين في إسبانيا

  • | الخميس, 27 أبريل, 2023
الأحزاب اليمينية واستغلال الهجمات الإرهابية لإثارة الكراهية ضد المسلمين في إسبانيا

      انقسمت الآراء، وتعددت مواقف الأحزاب اليمينية الإسبانية عقب وقوع الهجوم المسلح على كنيستي الجزيرة الخضراء "سان إيسيدرو"، و"نويسترا سنيورا دي لا بالما" في إسبانيا. حيث إنه وفي بادئ الأمر، وعقب تنفيذ الهجوم المسلح مباشرة، استغل بعض قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة، ومروجو الكراهية ضد المسلمين هذا الحادث الإرهابي لتدشين حملة شرسة تتضمن اتهامات مسيئة، وتصريحات معادية للمهاجرين، وخصوصًا المسلمين في إسبانيا، ضمن إستراتيجية ممنهجة تتبناها تلك الأحزاب للترويج لأفكارها الشعبوية المعادية للمهاجرين بوجه عام، وللمسلمين بوجه خاص، بحيث تستغل وقوع أية جريمة، أو اعتداء مسلح على يد أحد المهاجرين، ومن ثم تبدأ في إطلاق بعض الشائعات، وتروج لمعلومات مضللة تحريضية ضدهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات الإعلام التابعة لهم.

ومن أبرز تلك التصريحات التي أعقبت الهجوم المسلح على الكنيستين التصريح الإعلامي لـ"ألبرتو فيجو"، زعيم الحزب الشعبي الإسباني -محافظ ليبرالي-، والذي يعد جزءًا من الطيف السياسي لوسط اليمين، والقوة الرئيسة للمعارضة اليمينية، حيث صرّح لوسائل الإعلام بـ "وجود أشخاص لا يزالون يقتلون باسم الدين!" مشيرًا في تصريحاته إلى وجود ما أسماه بالإرهاب الإسلامي في إسبانيا، موضحًا أنه لم ير لقرون عديدة كاثوليكيًّا أو مسيحيًّا يقتل باسم دينه، أو دفاعًا عن معتقده. وبالتزامن مع تلك التصريحات، خرج أيضًا بعض قادة حزب "فوكس" اليميني المتطرف، وعلى رأسهم المتحدث الرسمي للحزب في برلمان أندلوثيا "مانويل جابيرا" بخطابات، وتصريحات معادية للمهاجرين وخصوصًا المسلمين، داعيًا حكومة بلاده إلى طردهم، وعدم استقبال مهاجرين جدد؛ "لأن الوقاية خير من البكاء"، على حد تعبيره.

ولم تقتصر مظاهر العنف، والإسلاموفوبيا على قادة الحزب المتطرف فحسب، بل أدت تصريحاتهم، وخطاباتهم العنصرية ضد المسلمين إلى شحن الآلاف من متابعيهم، ومؤيديهم، وكمثال على ذلك، قام بعضهم بكتابة عبارات معادية للمواطنين المسلمين الإسبان، وللمهاجرين على جدران أحد المساجد في برشلونة، مثل: "الموت للإسلام".

ولكن اللافت للانتباه التراجع السريع لزعيم الحزب الشعبي "ألبرتو فيجو" عن تصريحاته ضد المسلمين والمهاجرين، واعترافه بأنها لم تكن موفقة بالمرة، وأن ما حدث كان مجرد زلة لسان. ولم يكتف الحزب الشعبي بالتراجع عن تصريحاته فحسب، بل ذكر أن المشكلة تكمن في التعصب الفكري، وليس في الدين، وأن تبني الأيديولوجيات المتشددة هي أساس التطرف، والإرهاب حول العالم.

وهنا يبرز التساؤل التالي: لماذا تراجع قادة الحزب الشعبي عن تصريحاتهم المسيئة ضد المهاجرين؟!
على ما يبدو أنه تراجع عن هذه التصريحات الاستفزازية؛ لأن مسؤولي الحزب وجدوا أنفسهم يسبحون ضد التيار، وأن الرأي العام في إسبانيا بلغ من النضج ما يجعله يرفض فكرة لصق تبعات حادث فردي قام به أحد المهاجرين بعموم المسلمين في إسبانيا؛ لذا رأوا أنه من الأفضل التراجع عن تصريحاتهم تجاه المهاجرين خشية اهتزاز ثقة الرأي العام فيهم، واعتبار هذه التصريحات استخفافًا بعقولهم، خصوصًا حادثة الاعتداء على كنيستي الجزيرة الخضراء بعدما تبين أن منفذ الهجوم شخص يعاني من اضطرابات نفسية. كما أن "كوكا جامارا" سكرتير عام الحزب الشعبي صرح أن الحزب ينأى بنفسه عن تصرفات حزب "فوكس" المتطرف الذي أساء لجميع المهاجرين بعد أن وصمهم جميعًا بالإرهاب على خلفية تنفيذ هجوم مسلح بالجزيرة الخضراء.

وعلى الرغم أن ضحايا الإرهاب والعنف في البلدان ذات الأغلبية المسلمة يشكلون نسبة كبيرة جدًّا تخطت الـ 90% من حوادث الإرهاب حول العالم، فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة تتبني خطابًا معاديًا للإسلام والمسلمين، وتصر على استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، أو "الإرهاب باسم الدين الإسلامي" في مناقشاتهم حول الأحداث الإرهابية، لكن الحقيقة أنهم يعمدون إلى تزييف الحقائق، والتدليس على شعوبهم، حيث إنهم يعلمون جيدًا أن التنظيمات الإرهابية لا تمثل الإسلام ولا المسلمين، وأن الدين الإسلامي يعارض بشدة العنف، والإرهاب، ويدعو إلى السلام، والتعايش السلمي بين المسلمين، وغير المسلمين، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، أو الثقافية، كما أن لصق الإرهاب بالإسلام يؤدي إلى تأجيج مشاعر المسلمين، وانعزالهم داخل المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها، وأيضًا يعمق العنصرية، والتحيز، ويثير الكراهية ضد المسلمين هناك.

تركز الأحزاب اليمينية المتطرفة على استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي" لترويج وجهة نظرهم المعادية للمسلمين والمهاجرين، فضلًا عن كونه جزءًا من مواقفهم السياسية ضدهم، والتي تتميز بوضع إجراءات صارمة فيما يتعلق بقضايا الهجرة وطلب اللجوء. وهكذا لم يتورع حزب فوكس عن تفويت هذه الفرصة الثمينة لمهاجمة المسلمين دون تمييز من خلال مطالبته بطرد المهاجرين، وعدم استقبال مهاجرين جدد.
كما أطلق "سانتياجو أباسكال" زعيم حزب "فوكس"، وهو أكبر حزب يميني متطرف في إسبانيا الكثير من التصريحات العنصرية، والتحريضية ضدهم، والتي تهدف إلى التمييز، والكراهية ضد المسلمين، بل إنه يمارس تمييزًا بين اللاجئين أنفسهم، ففي الوقت الذي يرحب فيه بلاجئ أوكرانيا في الأراضي الإسبانية يرفض استقبال اللاجئين المسلمين بذريعة أنهم "غزاة"، ويسعون إلى "غزو أوروبا" من جديد، إشارة إلى الوجود الإسلامي في الأندلس، ويعملون على زعزعة أمنها، واستقرارها، الأمر الذي خلَّف موجة غضب عارمة في أوساط الجاليات المسلمة.

ومن خلال هذا الطرح يتضح أن حزب فوكس وغيره من الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسبانيا دائمًا ما تسعى إلى استغلال الهجمات الإرهابية لإثارة الكراهية ضد المسلمين، والمهاجرين، ورغم ذلك، فإن هناك ثقة في قطاع عريض من الشعب الإسباني الذي يؤمن بالتعددية، وينبذ هذه الممارسات، والخطابات العنصرية التي تهدد أمن المجتمع، واستقراره، ويدرك أن تقدم مجتمعه، وتطوره قائم على نشر التسامح، وتعزيز التعايش السلمي. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلًا كي يحظى المهاجرون بكامل حقوقهم، ونرى أنها معركة تشريعية في المقام الأول، حيث ينبغي على جميع المهاجرين سواء كانوا في إسبانيا، أو في أي بلد آخر التكاتف، والتوافق من أجل مطالبة الجهات التشريعية بسن قوانين تمنع، أو تحد من مظاهر العنف الجسدي، والمعنوي، والكراهية، والتمييز ضد المهاجرين، وخاصة المسلمين منهم الأمر الذي سيعزز الاندماج، والتعايش المجتمعي بشكل آمن.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة