حين أُعلن عن مقتل أسامة بن لادن في الأول من مايو لعام 2011م، قامت الدنيا واحتفت أمريكا والعديد من دول العالم بهذا الإنجاز العظيم والنصر المبين على تنظيم القاعدة، بل إنهم يمجدون هذا النصر حتى الآن، ونرى ذلك واضحًا حين نشر البيت الأبيض صورًا تنشر لأول مرة من غرفة عمليات البيت الأبيض وقت تنفيذ الغارة التي قتلت أسامة بن لادن بمدينة "أبوت أباد" بباكستان. لقد كان حقًا إنجازًا عسكريًّا واستخباراتيًّا كبيرًا بعد ملاحقة استمرت لأكثر من عقد من الزمان.
وفي نهاية أكتوبر من 2019م، قُتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي بعد غارة شنتها الولايات المتحدة في عملية خاصة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، واحتفت الإدارة الأمريكية أيضًا بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب بقتل هذا الإرهابي الذي ارتكب فظائعَ وأهوالاً يشيب لها الولدان.
بعد البغدادي، تولى زعامة التنظيم شخص يسمى أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، ليعلن بعد ذلك عن قتله في فبراير من عام 2022م، وذلك في منطقة "أطمة" شمال إدلب بسوريا، ليعلن بعد ذلك تنظيم داعش تولية أبو الحسن الهاشمي القرشي زعيمًا لداعش، ثم بعد أشهر -وبالتحديد في 30 من نوفمبر سنة 2022م- يعلن التنظيم الإرهابي عن مقتل أبي الحسن القرشي في أثناء إحدى المعارك واختيار أبو الحسين الحسيني القرشي خلفًا له.
ويوم الأحد الموافق 30 من أبريل 2023م، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن قوات تركية قتلت زعيم تنظيم "داعش"، أبو الحسين القرشي، في خلال عملية نفذتها المخابرات الوطنية التركية في سوريا. ونحن في انتظار تسمية زعيم جديد لهذا التنظيم الإرهابي، والدعوة إلى مبايعته، ثم ما يلبث أشهرًا حتى يقتل. ولعلنا نلحظ هنا قرب المسافات؛ فبينما استمرت ملاحقة بن لادن عشر سنوات، استغرقت ملاحقة البغدادي ما يقرب من خمس سنوات منذ أن أعلن قيام الخلافة المزعومة في نهاية شهر يونيو 2014م، أما ملاحقة أبو إبراهيم فاستمرت ثلاث سنوات تقريبًا، فيما لم تستغرق ملاحقة أبو الحسن تسعة أشهر حتى قتل، في حين قُتِل أبو الحسين في غضون أربعة أشهر فقط. تتسم هذه المدد بالتقارب الشديد كلما مرت الأيام، وإذا سمى داعش خليفته الآن فلن تنقضي أشهر قليلة حتى يُقتَل من جديد، في ضعف واضح وعدم قدرة على الاختفاء أو الاحتماء من الضربات الأمنية والعسكرية.
يدل ذلك أيضًا على أن المعركة العسكرية مع تلك التنظيمات باتت وشيكة، أو -على أقل تقدير- ليست بتلك الصعوبة والكلفة التي كانت في الأعوام 2014 و 2015 و 2016. ومع كثرة الإعلانات عن مقتل القيادات العليا أو الإقليمية للتنظيمات المتطرفة، ما عادت هذه الأخبار تُحدِث صدىً كبيرًا كما في السابق؛ نظرًا لتكررها واعتيادها، إلا أن إستراتيجية استهداف قادة التنظيمات الإرهابية من الأهمية بمكان، فإلى جانب الضعف المعنوي الذي تصيب به عناصر التنظيم فهي تكشف للعديد من المخدوعين أن هؤلاء لا نصر لهم ولا حليف، وأن العاقبة ليست لهم كما كانوا يدعون، وأن الله لن يؤيدهم أو يوفقهم كما كانوا يزعمون، بل إن دنياهم وبال وعاقبتهم خسران وضلال.
وإذا أردنا أن نجيب عن تساؤل واضح مفاده: هل استهداف قادة التنظيمات الإرهابية وعناصرها ينهي وجودها؟ فإن الإجابة: قطعًا لا. فكم من تنظيم متطرف انتهى وجوده عسكريًّا ولكنه مستمر فكريًّا بأن يُروِج له ويتبنى فكرَه أشخاصٌ أو مجموعاتٌ، ما يجعلهم خلايا نائمة وقنابل موقوته من الممكن أن تنفجر متى سنحت لها الفرصة وخلى لها الطريق. لذا يؤكد مرصد الأزهر التزامه بمواصلة التوعية من مخاطر تلك التنظيمات وفكرها المنحرف واستمرار المواجهة الفكرية لها وتفنيد ما تستند إليه من قضايا شرعية أو مسائل فقهية.
كما يبعث المرصد برسائل عاجلة إلى الأماكن التي سيطرت عليها تلك التنظيمات لوهلة بضرورة تفقد الأحوال الفكرية والقناعات الدينية والعقدية لمن نشأوا تحت ظل تلك التنظيمات، مع تقديم جوانب الدعم العلمي والنفسي لتلك المجتمعات المكلومة.
وفي الوقت ذاته، يثمن المرصد كل المساعي التي من شأنها تخليص البشرية من هذا الشر المستطير الذي يستهدف الإنسانية جمعاء ويسعى إلى خلق حالة من الكره والصراع بين بني البشر، مؤكدًا أن الإسلام دعا إلى التعايش السلمي واحترام الآخر وتقديم ما ينفع الإنسانية.