دور المدارس في مواجهة التطرف

  • | الخميس, 25 مايو, 2023
دور المدارس في مواجهة التطرف

     لا شك أن بناء المجتمعات واستقرارها وأمنها يرتبط ارتباطًا وثيقًا وجوهريًّا بالتربية والتعليم؛ من خلال غرس القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تُنمِّي قيم الانتماء والمواطنة والتعايش السلمي في نفوس الأفراد والجماعات والمدرسة، باعتبارها المصدر الثاني بعد البيت الذي يتعلم فيه الأطفال والشباب ما يربي نفوسهم ويعزز أخلاقهم، فإنها تُعدُّ أحد الركائز المهمة في دعم واستقرار المجتمعات التي لا يمكن أن تُبنى وتنعم بالأمن والاستقرار بجهد فرد بعينه ولا مؤسسة بعينها، بل لابد من تضافر جميع مؤسسات المجتمع -حكومية كانت أو خاصة- وجميع الأفراد بكافة مراحلهم العمرية. ولكي تقوم المدرسة بالدور المنوط بها وتصبح خط الدفاع الثاني بعد الأسرة وتستكمل دورها التربوي في مواجهة أي انحراف أو تطرف، لابد من توافر بعض المقومات، أهمها:

1- إعداد معلمين لديهم وعي كبير بأسس ومبادئ العملية التربوية التي لها دور يفوق دور العملية التعليمية في ترسيخ القيم والمعايير التي تعزز وتدعم مفاهيم الأمن المجتمعي والتعايش السلمي والأخوة الإنسانية، "فمن خلال العملية التربوية الصحيحة يمكن خلق وحدة نفسية وفكرية بين كل أبناء البيئة المدرسية، تذوب فيها انتماءاتهم الضيقة واستعلاءهم الموهوم، وتنصهر جميعًا في بوتقة البيئة الجديدة -بيئة المدرسة- ليصبح الشعور بالانتماء إلى هذه البيئة -المجتمع المدرسي المصغر- هو التغيير التربوي الإيجابي الجديد؛ حيث إن علاقة الدراسة والزمالة والهموم المشتركة داخلها، يمثل المقدمة الأساسية للانتماء المجتمعي”.([1]) الذي هو حجر الأساس في خلق مجتمع متماسك، قادر على الصمود في وجه التيارات المتطرفة.

2- إضافة مناهج دراسية تعالج قضايا التطرف والإرهاب بأسلوب مبسط، وتقديم نماذج حية يستلهم منها الأطفال والشباب أدوات تحصين أنفسهم، ومعرفة سبل الوقاية، ومواجهة أي تطرف أو انحراف يتعرضون له، فالمناهج الدراسية تُعد منهلًا يستقي منه الطلاب المعارف والقيم والأخلاق التي تُكَوِن شخصياتهم وتؤثر في تفكيرهم واختياراتهم في الحياة، وعلى ذلك فهي أداة فعالة في مقابلة ما يواجه المجتمع من تحديات تسعى للسطو على مبادئه وقيمه وعرفه.

3- العمل على دمج المدرسة بالمجتمع، من خلال تنظيم أنشطة وورش عمل ومبادرات يشارك من خلالها الطلاب والتلاميذ في تنمية المجتمع، والعمل على حل المشكلات التي تواجهه، ومن أمثلة ذلك المبادرة التي قامت بها المدرسة الزخرفية الثانوية بمدينة الإسماعيلية، مبادرة "ازرع شجرة" التي تزامنت مع استضافة مصر لقمة المناخ التي عقدت في شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر 2022م، وجاءت هذه المبادرة كمشاركة في المبادرة الوطنية التي أطلقها الرئيس/ عبد الفتاح السيسي بعنوان "اتحضر للأخضر". وقد أكد مدير المدرسة آنذاك أن هذا النوع من المبادرات من شأنه أن يساعد على تغيير الفكر لدى طلاب المدارس، خاصة في المرحلة الثانوية التي تعد من أهم الفترات العمرية، باعتبارهم شباب المستقبل القريب وقادته.[2]

فتلك المبادرات تسهم في خلق روح المسؤولية المجتمعية لدى الطلاب، وترسخ شعورهم بالانتماء، وتشغلهم بقضايا ومشاكل مجتمعهم، فيبذلون جهدهم لرفعته والدفاع عنه ضد من أراد به سوءًا.

4- مشاركة الطلاب الأكبر سنًّا، الذين تلقوا تدريبًا وشاركوا في ورش عمل ومبادرات مجتمعية في توعية الأصغر منهم، فالأطفال في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية يُقلِّدون بشكل مباشر وغير مباشر مَن يكبرونهم سنًّا في مدرستهم أو مدارس أخرى في مظهرهم وسلوكياتهم، فإذا كان هؤلاء قدوةً ومثالًا قريبًا في السن والفكر ممن يصغرونهم، كان ذلك سلاحًا وحائط صد أمام انحراف الأجيال الأصغر سنًّا.

وعلى ذلك، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن بناء المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره هو غاية الوجود، والعلاقة بين مؤسساته هي علاقة تكاملية، نسعى جميعًا لتحقيق هدفٍ واحد هو تعزيز السلم والأمن المجتمعي، وللمدرسة أهمية كبيرة في تحقيق هذا الهدف، فهي مكملة لدور الأسرة في معالجة الأخطاء، فإذا ما قامت المدرسة بدورها المنوط بها على أكمل وجه، كانت بذلك درعًا واقيًا في وجه التطرف والإرهاب.

وحدة رصد اللغة الفارسية


[1] - أ.د/ أحمد محمد الدغشي: التربية ودورها في البناء والوحدة والحضارة، مركز الكتاب الأكاديمي، ط1، عمان ، 2017م،ص67

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D9%87-%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%87-000-pdf

[2] -«ازرع شجرة».. أول مبادرة مدرسية في «وطن أخضر» بالإسماعيلية | المصري اليوم

طباعة