الاعتقال الإداري ضريبة النضال الفلسطيني ضد سلطات الاحتلال

  • | الجمعة, 26 مايو, 2023
الاعتقال الإداري ضريبة النضال الفلسطيني ضد سلطات الاحتلال

تتنوع أساليب قمع الكيان الصهيوني لأبناء الشعب الفلسطيني، ما بين القتل والتعذيب والتهجير وهدمِ المنازل وإصدار الأحكام التعسفية والسعي لتهويد الأماكن وطمس معالم المقدسات؛ بُغية السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية من خلال تطبيق سياسة التطهير العرقي. وفيما يلي من سطور هذا المقال، سنتناول نوعًا دنيئًا من أنواع القمع والحرب النفسية التي لا يقتصر أثرها –ككل الجرائم الصهيونية- على الضحية، وإنما يمتد أثرها للأسرة والمجتمع بأكمله، ما يهدد أمن الشعوب واستقرارها.

تعريف الاعتقال الإداري:

حبس شخص دون محاكمة بدعوى أنه يعتزم الإقدام على ارتكاب فعل مخالف للقانون (الصهيوني) في المستقبل، دون أن يكون قد ارتكب مخالفة: هو المقصود بالاعتقال الإداري. ولا حدود -بحسب الأوامر العسكرية الصهيونية- لتجديد أمر الاعتقال الإداري؛ حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة أشهر قابلة للتجديد والتمديد لأجل غير مسمى. ويستند الاعتقال الإداري إلى أمرٍ إداري فقط، دون حكم قضائي، وبدون لائحة اتهام، وبدون محاكمة فعلية. ويعتمد الاعتقال الإداري على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقَل أو محاميه الاطلاع عليها، وباعتماد الأدلة السرية المزعومة يصبح المعتقل الفلسطيني في وضع لا يُحتمل؛ إذ يقف عاجزًا في مواجهة ادعاءات لا يعرفها، وبالتالي لا يملك طريقة لتفنيدها ودحضها بلا لائحة اتهام أو محاكمة.

تاريخ عقوبة الاعتقال الإداري:

بحسب الخبراء، تستخدم الحكومة الصهيونية الاعتقال الإداري كوسيلة للسيطرة السياسية منذ بداية احتلال الأراضي الفلسطينية في عام 1967م؛ حيث يرتبط الاعتقال الإداري بالوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحركة الاحتجاج الفلسطيني على استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، فقد استمر الاحتلال في إصدار أوامر اعتقال إداري بحق شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني ما بين نشطاء حقوق إنسان وعمال وطلبة جامعيين ومحامين وأمهات معتقلين وتجار.

وترجع القوانين العسكرية الصهيونية المتعلقة بأوامر الاعتقال الإداري إلى قانون الطوارئ الانتدابي لعام 1945م، ويستند القائد العسكري الصهيوني في غالبية حالات الاعتقال الإداري إلى أدلة ومواد سرية، وهي بالأساس مواد البينات ضد المعتقل، والتي ترفض سلطات الاحتلال كشفها بدعوى الحفاظ على سلامة مصادر هذه المعلومات، أو لأن كشفها قد يفضح أسلوب الحصول عليها، وقد أقرت المحكمة العليا الصهيونية في حالات عدة جواز إمكانية عدم كشف هذه البينات، وعدم إلزام السلطات باحترام حق المشتبه به بالحصول على إجراءات محاكمة عادلة، بما يعد انتهاكًا لحق المعتقل الإداري في معرفة سبب اعتقاله، أو ما يمكن أن يكون من إجراءات تالية؛ إذ من حق كل شخص يتم اعتقاله أن يعرف سبب اعتقاله.

محاكمة أم مسرحية؟

يخضع المحاكَمون الفلسطينيون في العادة إلى محاكم عسكرية صهيونية لا تراعي أصول المحاكمة العادلة المنصوص عليها قانونيًّا ودوليًّا، والتي تحفظ للمتهمين حقهم في المساواة أمام القانون، والمثول أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية. ونظرًا لأن الاعتقال الإداري يتم دون محاكمة فعلية، تكون مراجعة ملفات الاعتقال الإداري في محكمة رقابة قضائية من قبل قاض عسكري، وليس لجنة قضائية. وكانت المحكمة في السابق تقوم باستدعاء مندوب المخابرات عند بحث كل ملف؛ لعرض البيانات السرية بالتفصيل من قبله أمام القاضي، بينما تم وقف هذا الإجراء خلال فترة إعادة احتلال الجيش الصهيوني لمدن الضفة الغربية عام 2002م. ويرجع قرار استدعاء ممثل المخابرات من عدمه في الفترة الحالية للقاضي، وهذا يعني أن القاضي يقوم في أغلب الحالات بالاطلاع على ملخص البينات ضد المعتقل وليس كافة المواد السرية، ولا تُتاح له الفرصة لمناقشة رجل المخابرات في كيفية حصوله على المعلومات، وكيفية فحصها للتأكد من صحتها، ما يُفقد المحاكمة ما يمكن افتراضه من جدية ونظام محدد لإجراء المحاكمات.

القضاء الصهيوني التعسفي!

يسيطر جهاز الأمن العام الصهيوني على الإجراءات القانونية، فيما يقوم الجهاز القضائي بدور المنفذ للسياسات الأمنية، ويحاول أن يضفي الطابع "القانوني" على سياسة الاعتقال الإداري (التعسفي)، أي أن الجهاز القضائي لا يتسم بالجدية والموضوعية والاستقلالية، ويبقى إلى حد كبير متأثرًا بالسياسات الأمنية، وعرضة لتدخل الأجهزة الأمنية بذريعة أن المصلحة العليا الصهيونية تستوجب سياسة الاعتقال الإداري، رغم تعارضها مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة، ومواثيق حقوق الإنسان؛ إذ تتناقض الطريقة التي تستخدم بها سلطات الاحتلال هذا القانون بصورة فظَّة مع القيود الصارمة التي سنَّها القانون الدولي بخصوص تطبيقه، والتي تقتصر على الحالات الاستثنائية جدًّا، كوسيلة أخيرة تهدف إلى منع خطر لا يمكن إحباطه بوسائل أخرى، على خلاف ما تقوم به سلطات الاحتلال، والتي تحفَّظت خلال السنوات الأخيرة على آلاف الفلسطينيين المعتقلين إداريًّا دون تقديمهم للمحاكمة، وبدون الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم، ودون السماح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة المثبتة ضدهم.

اعتقال لأجل غير مسمى!

أمضى أطول معتقل إداري فلسطيني (٨) سنوات متصلة دون توجيه تهمة له، وهناك من تتجاوز أعوام اعتقاله إداريًّا (١٠) سنوات على فترات. وكان في السابق إذا صدر أمر الاعتقال الإداري لمدة (٦) شهور وجب مراجعته قانونيًّا من قبل قاض عسكري مرتين خلال هذه الفترة، وكان هناك حق بالاستئناف على كل قرار يصدر من القاضي، لكن منذ إبريل 2002م، أُبطِل هذا الإجراء، وأصبحت المراجعة مرة واحدة فقط مع الحق بالاستئناف، مما جعل فرص المعتقلين في التخلص من هذا الاعتقال، والحصول على حريتهم أقل. ويحيي الفلسطينيون في (17) إبريل من كل عام ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، حيث يقبع نحو (٤٤٥٠) أسيرًا، بينهم نحو (٥٣٠) معتقلًا إداريًّا في (٢٤) سجنًا ومركز توقيف صهيوني، بحسب إحصائية العام الماضي 2022م.

معاناة أسر المعتقلين!

تعاني أسر المعتقلين بشكل عام -والمعتقلين الإداريين بشكل خاص- أشد المعاناة؛ حيث تعيش تلك الأُسَر على أمل إطلاق ذويهم، وتنتظر يومًا بعد يوم الإفراج عن عائِلها، فإذا بهم يجدون أنفسهم على مشارف الانتهاء من الأشهر الستة الأولى، فيظنون أن اليُسر قد حان، وأن الكرب قد زال، فإذا بهم يُفجعون في آخر يوم من الأشهر الستة بقرار تمديد الاعتقال لستة أشهر أخرى، دون سبب واضح، أو مبرر مقنع، وهكذا دواليك. الأمر الذي يضعف كيان الأسرة الفلسطينية، ويقضي على أحلامها، ويبدد آمالها، فضلًا عن منع الكثير من الأسر من الزيارات العائلية، إضافةً إلى مسلسل الإهانة والتفتيش وقت الزيارة، ما يعكس حجم الألم والآثار الإنسانية التي عاشتها وتعيشها مئات الأسر الفلسطينية داخل أراضيها المحتلة.

وعليه فإننا في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ندين سياسة الاعتقال الإداري بأشد العبارات، إذ تعتبر خرقًا صريحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكًا صارخًا للحقوق والأعراف الإنسانية، وإجراءً همجيًا يعبر عن سياسة الاحتلال الذي يستخدم الاعتقال الإداري كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين بشكل تعسفي وعلى نطاق واسع، مما أدى إلى سلب حرية آلاف الفلسطينيين، وحرمان آلاف الأسر من عائليها دون تهمة واضحة ولمدة غير معروفة أو محددة.

ويؤكد المرصد أن هذه العقوبة التعسفية تأتي ضمن ملف جرائم وانتهاكات الكيان الصهيوني بحق هذا الشعب الأبيّ الجسور، ومن بينها عقوبة الإبعاد عن المسجد الأقصى المبارك، والاعتداء على المقدسات، وطمس معالم مدينة القدس العريقة، وغيرها من العقوبات والانتهاكات التي يسعى الكيان الصهيوني من خلالها إلى فرض واقع يطمح إليه، غير عابئ بأنه بذلك يتحدى التاريخ والأعراف والمواثيق الدولية، وقبل ذلك يتحدى الإنسانية جمعاء، مغترًّا بقوته وغطرسته التي لا شك إلى زوال بعزم وإرادة الأحرار، تحقيقًا للوعد الإلهي: ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلن علوًا كبيرًا ۝ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا ۝ ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرًا﴾ [الإسراء: 4- 6].

المراجع:

وحدة البحوث والدراسات

طباعة