متمردو النكسال.. الأزمة والحل

  • | الثلاثاء, 13 يونيو, 2023
متمردو النكسال.. الأزمة والحل

ربما لم تسمع عزيزي القارئ من قبل، عن التنظيم الشيوعي المتطرف المعروف باسم (النكسال) نسبة إلى مدينة نكسال بولاية البنجاب، أو (الماويون) نسبة إلى القائد الصيني "ماوتسي تونغ". هذا التنظيم الذي يشن باستمرار عمليات عسكرية ضد قوات الأمن لاسيما غربي الهند، وينخرط في حرب عصابات ضد الحكومات الهندية المتعاقبة، بهدف الضغط على البرلمان للاستجابة لمطالب توفير أرض، وفرص عمل للفقراء، في إطار مشروع التنظيم لبناء (مجتمع شيوعي) عبر الإطاحة بنظام الحكم الحالي في الدولة. وقد أسفرت المواجهات المسلحة بين الماويين وقوات الأمن الهندية، على مدار العقود الماضية، عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجانبين.   

يقدم (النكساليون) أنفسهم كمدافعين عن حقوق المهمشين نتيجة النظام الطبقي، ولذلك تنصب معارك التنظيم ضد الحكومة، باعتبارها المسؤول عن توسيع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وتساند رجال الأعمال، وتساعدهم في الاستيلاء على أراضي الفلاحين الفقراء. وبالنظر إلى حساسية القضية وتداعياتها السياسية والاجتماعية، فقد أبدت الحكومة الهندية حذرًا واضحًا في التعامل مع التنظيم. ورغم الحملات الأمنية والخسائر المادية والبشرية، مازال التنظيم يسيطر على مناطق واسعة من الأراضي الهندية.

بداية الأزمة:

في مدينة (نكسال) النائية، بولاية البنجاب الغربي بالهند، تسكن مجموعة من القبائل الفقيرة، التي قررت حمل السلاح احتجاجًا على انعدام فرص العمل، والتمييز من جانب السلطة في مدينة "كولكاتا" عام 1964م. واستلهت هذه القبائل في ذلك الوقت نموذج العقائد الإيديولوجية "اليسارية" المتطرفة للزعيم الصيني "ماوتسي تونج"([1]) قائد حرب التحرير في الصين، ومؤسس جمهورية الصين الشعبية، ومنذ ذلك الحين، بدأت وسائل الإعلام الهندية، والمؤسسة الرسمية تطلق على الأشخاص المشاركين في تلك التمردات اسم "النيكساليين" أو "الماويين".

وازداد نشاط هذه القبائل في غفلة من الحكومات الهندية المتعاقبة التي كانت تركز بشكل أساسي على مكافحة التمرد داخل منطقة كشمير الحدودية مع باكستان. ونحج هؤلاء القرويون في اجتذاب الفقراء بالولايات المجاورة، وتدشين ممر بطول البلاد يمتد من ولاية البنجاب الغربية في الشرق إلى ولاية "اندرا براديش" في الجنوب. ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث تمكن أعضاء التنظيم من إنشاء شبكة من الاتصالات بين القرى المختلفة من الشرق إلى الغرب، وهو ما ساعدهم على نقل الكوادر والأسلحة والذخيرة بسهولة. حتى تحول (الماويون) إلى أزمة كبرى تؤرق الأجهزة الأمنية الهندية في ظل تفاقم أزمات الفقر والبطالة.

عنف النكساليين:

لبيان مدى خطورة تلك المشكلة، يكفي أن نعرف أن عددًا كبيرًا من رجال الأمن لقوا مصرعهم في هجمات وحشية شنها التنظيم على فترات مختلفة، ففي 6 أبريل 2010م، قام النكساليون بقتل أكثر من (٧٠) من قوة الشرطة الاحتياطية المركزية في كمينيْن منفصليْن، وإصابة (٥٠) آخرين داخل الأدغال في منطقة تسمى "دانتيوادا" في "تشاتيسجار" وسط، وشرق الهند. وفي 17 مايو ٢٠١٠م، فجَّر أعضاء حركة النكسالية حافلة على الطريق الواصل بين "دانتيوادا" و"سوخما" في ولاية "تشاتيسجار"، مما أسفر عن مقتل (١٥) شرطيًّا، و(٢٠) مدنيَّا. وفي مايو 2013م، أعلن متمردو النكسال مسؤوليتهم عن الهجوم على موكبٍ للبرلمان المحلي في ولاية "شاتيسجاره"، وكان الهجوم قد أسفر عن مقتل (٢٧) شخصًا، وإصابة (٣٢) آخرين بجروح، بما في ذلك رئيس البرلمان المحلي، ونجله، وعدد من الأعضاء. وفي 28 نوفمبر 2013م، لقي (٤) على الأقل من قوات الأمن الهندية مصرعهم في كمين نصبه متمردو النكسال اليساريون في ولاية "شاتيسجاره". وفي 11 مارس 2014م، نصب أعضاء الحركة كمينًا لفريقٍ أمني في ولاية "تشاتيسغار"، مما أسفر عن مقتل (١٥) شخصًا، من بينهم  (١١) من قوات الشرطة، كما قُتل مدني أيضًا. وفي 15 يوليو 2015م، قام متمردو النكسال بقتل (٤) من أفراد الشرطة بعد أن اختطفوهم في ولاية "تشاتيسجاره". وفي ٢٦ أغسطس 2015م، لقى (٣) على الأقل من أفراد الأمن مصرعهم إثر انفجار لغم زرعه متمردو النكسال، فيما أصيب (٦) آخرون في  كمين نصبه متمردو النكسال في  ولاية "أوديشا" الشرقية. وفي 9 يونيو 2016م، قام ما يربو على الـ(١٠٠) من متمردى النكسال بشن هجوم على معسكرٍ تابع لقوات شرطة حدود الهند- التبت في منطقة "كونداجاون"، على بعد 212 كيلومترا من "رايبور"، حاضرة ولاية "تشاتيسجاره". وفي 13 نوفمبر 2021م، تعرض (٤) من أفراد الشرطة لإصاباتٍ بالغة جراء المواجهة مع النكساليين في غابة على مقربة من ضاحية "غادتشيرولي"، بولاية "مهاراشترا"، غربي الهند، وخلال هذه المواجهات العنيفة قتل (٢٦) من النكساليين أيضًا. وفي 26 فبراير 2023م، قتل ثلاثة من رجال الشرطة في مواجهة مع مسلحي النكسال في منطقة "سوكما". وفي اليوم التالي، هاجم مسلحو النكسال عربة للجيش الهندي في منطقة "كانكار"، وكان الهجوم مفاجئًا لدرجة أن الجنود الهنود لم يحظوا بفرصة للرد على الهجوم الذي قُتل فيه ضابطٌ بالجيش الهندي، وأصيب فيه (٤) آخرون.

مقترح للقضاء على الأزمة

            الحل في هذه الأزمة يكمن في الحوار، وتحسين الظروف المعيشية لهذه الفئة، وعدم نزع الأراضي منهم من أجل منحها للأغنياء. وليست المواجهات المسلحة بين الشرطة الهندية والنكسال من المواجهات التي يكون الفائز فيها بطبيعة الحال خسران، فعلى العكس من الإرهاب، تعد "النكسالية" ظاهرة محلية بحتة؛ لذا من الأهمية بمكان أن تتم معالجة أسبابها الجذرية بدلًا من الاستخدام غير الناجح لسطوة القوات الأمنية في قمع الحركة، والتعرض لخسائر بشرية فادحة، يجب معالجة هذه المشكلة من خلال مبادرات اجتماعية، وتنموية، في مناطق القبائل النائية التي يُحرم فيها السكان من أبسط الخدمات اليومية اللازمة للعيش، صحيح أن المبادرات الاجتماعية، والتنموية، لا يمكن أن تُنجز ما لم يتم التوصل أولًا إلى تفاهم بين الحكومة، والمتمردين للسماح للوكالات الحكومية بالدخول للمناطق الواقعة تحت سيطرة "النكساليين"؛ لهذا فلابد من إقامة حوار بين الأطراف المعنية، خاصة وأنه على حكومة الهند أن تدرك أن الوقت قد حان لمعالجة المشكلة النكسالية بفعالية، وهي المشكلة التي نمت، وتحولت لجرح نازف في جسم الهند لعقود طويلة. ولكن على ما يبدو أن الحكومة الهندية لا تزال في ورطة لا تعرف فيها هل تتعامل مع أصحاب هذه المشكلة كأعداء، أم كأصدقاء.

وحدة اللغة الأردية

 

[1]-  كان ماوتسي تونغ (26 ديسمبر 1893 -  9 سبتمبر 1976) قائداً تاريخياً فذاً من قادة حركة التحرر الوطني العالمية، وأدّى دوراً بالغ الأهمية في تاريخ الصين تحريراً وبناء. وقد ترك تراثا مهماً على الصعيدين الفكري والعملي لايمكن أن ينسى كما أنه كان شاعراً له كثير من القصائد التي ترجم بعضها إلى العربية. وبالرغم من بعض الأخطاء المرتكبة فإن عظمة ماو قائداً سياسياً وشعبياً كبيراً تبقى نقطة مضيئة في تاريخ الصين، عمل ماو على تطوير مفهوم جديد للشيوعية سُمّي "بالماوية" وكان مزيج من شيوعية لينين وماركس. وعمل على التحالف مع الاتحاد السوڤيتي ومن ثمّ الخروج إلى الجموع الصينية بالثورة الثقافية.

أقام نظام مركزى عملاق في صورة حزباً واحداً للتحكم في كل قطاع من حياة الصينين، كل الصناعات وضعت تحت تصرف الدولة ليعاد توزيعها لخدمة المجتمع الثورى، لم يعد هناك أى نوع من الحريات الاعلامية مثل الصحافة، الاذاعة وباقى الوسائل بل تحولت إلى ادوات للدعاية للنظام والمدارس والجامعات اضحت قنوات لترويج ونشر افكار ماوو أضحى العلماء في مختلف المجالات في سباق لبناء القوة العسكرية، وكان الجيش يُستخدم لبقاء المعارضة صامتة.

https://www.marefa.org/%D9%85%D8%A7%D9%88_%D8%B2%D9%89%E2%80%8C%D8%AF%D9%88%D9%86%DA%AF

طباعة