الإسلام واستعمال القوة

  • | الجمعة, 16 يونيو, 2023
الإسلام واستعمال القوة

     أَوْلت مصادر التشريع الإسلامية عناية كبيرة بقضية السَّلام، منذ بداية الدعوة إلى الإسلام في مكة، مرورًا بانتقاله (صلى الله عليه وسلم) للإقامة بالمدينة المنورة، وانتهاءً بانتقاله للرفيق الأعلى، قال تبارك وتعالى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [سورة البقرة، آية: 208].

 والسلام من أسمائه تعالى الحسنى، بل إنَّ اسم الإسلام مشتقٌ من السَّلام، قال تعالى {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } [سورة الحج، آية: 78]، وتحيَّة المسلمين "السَّلام عليكم"، يقول عليه الصلاة والسلام: "يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ" [أخرجه ابن ماجة، رقم: 3251]، وكذلك فإن ختام الصّلاة هو "السَّلام". وأخبر سبحانه أنَّ السلام هو تحية أهل الجنة في الآخرة قال تعالى {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ } [سورة الأحزاب، آية: 44].

وهذا السَّلام العام، والشامل يتجلى في كل شيء، في علاقة الإنسان مع نفسه، وتصالُحه مع ذاته أولًا، والمسلمين أو الكائنات عمومًا ثانيًا. ولقد أظهر (صلى الله عليه وسلم) رسالة الإسلام السمحة في تعامل المسلمين مع بعضهم، وفي تعامله مع المواطنين من أصحاب الديانات الأخرى، فحينما هاجر النبي الكريم من مكة إلى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وعقد معاهدات بينه وبين يهود المدينة، حفاظًا على الأمن، والأمان في مجتمع المدينة، وهذا ما يطلق عليه "السِّلم الاجتماعي"، فقد نهى الإسلام عن كل ما من شأنه تكدير العلاقة بين المسلم، وأخيه، أو يكون سببًا في نشر الكراهية، والعداوة داخل المجتمع الواحد. يقول النبي عليه الصلاة والسلام: " المسلمُ من سلم الناسُ من لسانه ويدهِ "[أخرجه الترمذي (2627)، والنسائي (4995)، وأحمد (8918)]، وحرَّم الإسلام كل ما فيه ظلم، واعتداء على الغير، والتعرض له بإيذائه في نفسه، أو ماله، أو عرضه.

 حتى إنَّ رسالة الإسلام وتبليغها لا بد وأن تكون باقتناع من الداخلين فيها، فالإسلام لا يكره أحدًا على الدخول فيه قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة، آية: 256]. وقد حث الإسلام كذلك على إقامة العدل مع المخالفين في العقائد، وعدم ظلمهم والتعدي عليهم، قال تعالى {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة، آية: 8].

وكل هذا لا يتنافى مع أمر الإسلام لأتباعه بإعداد القوة؛ لمواجهة أي عدو يتربص بالدولة، أو يتعرض لها بسوء قال تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال، آية: 60]. ويقول سبحانه وتعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [ سورة الحج: 39].

والقوة في منظور الإسلام لها ضوابطها، بحيث لا يمكن استعمالها إلا في حالة الدفاع عن الدولة وردِّ العدوان الخارجي، أو لإلقاء الرهبة في قلوب من تسول لهم أنفسهم الاعتداء على الدولة، وعلى ذلك فالإسلام لا يجيز استعمال القوَّة إذا أمكن الحل السلمي الذي يعتمد على الدبلوماسية، والحوار، يقول سبحانه وتعال {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [سورة الأنفال، آية: 61]. وهناك من الشواهد الدالة على استعمال السلم مع الأعداء بدلًا من القوة، كما حدث في فتح مكة، فقد تصوَّر البعض أن دخوله عليه الصلاة والسلام إلى فتح مكة سيترتب عليه الكثير من وقوع القتلى من المشركين الذين حاربوه أكثر من عشرين سنة، لكن الذي حدث أنه عليه الصلاة والسلام قد عفا عنهم، وقال لهم كلمته المشهورة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

لكن إذا لم يرتدع العدو إلا بالقتال، فلا بد من الدفاع، وهذا العمل لا يُعد إرهابًا، ولا جريمة، كما نصت "اتفاقية مكافحة الإرهاب" التي وقعها وزراء العدل والداخلية العرب في القاهرة (أبريل 1998م) على أنه لا يُعد جريمةً حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي، والعدوان؛ من أجل التحرير، وتقرير المصير، وفقا لمبادئ القانون الدولي".                     

 

 وحدة رصد اللغة العربية

طباعة