الشائعات في عصر الذكاء الاصطناعي.. التحديات والحلول

  • | الأربعاء, 12 يوليه, 2023
الشائعات في عصر الذكاء الاصطناعي.. التحديات والحلول

 

     الشائعات هي المعلومات غير المؤكدة، أو الأخبار غير الصحيحة ولا الموثقة التي تنتشر بين الأفراد بسرعة، سواء عبر وسائل الاتصال الاجتماعي أو شفهيًّا، وتتراوح الشائعات من القصص البسيطة إلى الروايات المعقدة، وتتضمن معلومات تنتشر بين الناس بدون التحقق من صحتها أو الحصول عليها من مصدر موثوق، فالشائعة عبارة عن كل خبر مجهول المصدر وليس معه دليل على صحته، ولكنه يحتمل الصدق أو أنه قابل للتصديق. ولإثارة الشائعة أهداف، تتنوع هذه الأهداف تماشيًا مع مبتغيات من يثيرها.

وتتعدد أشكال الشائعات، فمنها: اختلاق خبر ليس له أساس من الصحة، أو التهوين والتهويل من خبر فيه جزء بسيط من الصحة، أو إضافة معلومات وأجزاء مفبركة وغير صحيحة على خبر به جزء كبير من المعلومات الصحيحة. وقد يكون الخبر صحيحًا ولكن يتم تفسيره وتحليله بشكل غير صحيح ومغلوط بقصد التضليل أو توجيه الرأي العام نحو اتجاه بعينه أو زاوية محددة لأهداف لدى من يثير الشائعة.

وتكمن خطورة الشائعة فيما يمكن أن يترتب عليها من مشكلات قد تؤدي إلى إثارة الهلع والقلق بين الناس، وتؤثر عليهم وتجعلهم يتخذون قرارات خاطئة ويقومون بتغيير سلوكهم، وقد تؤدي أيضًا إلى تشويه سمعة الأفراد أو المؤسسات أو دول بشكل غير عادل، مما يؤثر على حياتهم الشخصية والمهنية.

وقد ساهم التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، في سهولة انتشار الشائعات بسرعة على نطاقات واسعة؛ حيث يمكن للشائعات أن تنتشر بسرعة وتصل إلى عدد كبير من الناس قبل أن يتم التحقق من صحتها أو استكشاف الهدف من إثارتها، مما يعزز تأثيرها السلبي. ومما يزيد الأمر خطورة أن تمييز الأخبار والبيانات والمعلومات الصحيحة من المغلوطة، حيث بات أمرًا صعبًا بعض الشيء لا سيما في ظل انتشار تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي قد يتم استغلالها كوسائل لنشر الشائعات.

والسؤال: ما هو دور الذكاء الاصطناعي في الترويج للشائعات؟

يرتبط تأثير الذكاء الاصطناعي على انتشار الشائعات بعدد من العوامل، يمكن إيجازها في النقاط التالية:

  • الانتشار السريع والواسع للشائعات:

 إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في انتشار الشائعات بسرعة، وبصورة واسعة في عصر الإعلام الاجتماعي، ويمكن للروبوتات والبرامج الحاسوبية المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تنشر وتعمم المعلومات بشكل آلي ومستمر دون الحاجة لتدخل بشري، فضلًا عن قدرتها على تحديد الفئات المستهدفة وتوجيه المعلومات المراد نشرها إليهم بشكل مباشر.

  • ضعف جودة ومهارة انتقاء المعلومات وتصنيفها:

قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في وسائل التواصل الاجتماعي إلى فشل في تصفية الشائعات والأخبار المضللة بشكل فعال. كذلك قد يعتمد الذكاء الاصطناعي في فلترة الأخبار وتصنيفها على معايير مثل التفاعل والانتشار، دون الأخذ في الاعتبار مصداقية المعلومات أو صحتها أو الثقة في مصدرها.

  • تطور التلاعب الذكي بالمتلقي من خلال الصور ومقاطع الفيديو المفبركة:

يمكن للمتسللين والجهات المشبوهة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتوليد ونشر شائعات أكثر تطورًا واحتيالًا؛ بحيث يسهل تصديقها، حيث يمكن من خلال الذكاء الاصطناعي توليد صور ومقاطع فيديو مفبركة وتقديمها بصورة أقرب للشكل الواقعي، مما يجعل من الصعب التحقق من صحتها، الأمر الذي يعزز انتشار الأخبار الكاذبة وتصديقها بسهولة.

  • التحليل الإلكترونى للفئة المستهدفة: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات وخصائص المستخدمين المستهدفين بالمعلومات المغلوطة أو الشائعة وتتبع سلوكهم ونشاطاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وبناءً على ذلك، يمكن توجيه الشائعات والأخبار المضللة بطريقة تستهدف فئات محددة من الأشخاص وتؤثر عليهم بشكل أكبر بناءً على التحليل المسبق لخصائصهم والسمات المميزة لهم من ميول واتجاهات وفكر وأيدولوجيات.

وختامًا.. لابد من عرض مجموعة من التوصيات للحد من الشائعات، كما تجدر الإشارة إلى أن هناك حاجة إلى جهود متعددة الأطراف تشمل: الشركات المتخصصة في صناعة تكنولوجيا المعلومات، ووسائل الإعلام، والحكومات؛ لتعزيز الوعي بالشائعات، وتطوير تقنيات تصفية أفضل، وتعزيز الثقافة الرقمية لدى فئات المجتمع كافة، مما يتطلب الالتزام بتنفيذ عدد من التوصيات أهمها:

  • التحقق من المصداقية:

وذلك قبل تصديق أو تداول أي معلومة؛ حيث يجب التحقق من مصدر المعلومة أو الخبر، ومدى مصداقيته. ويُفضل الاعتماد على مصادر موثوقة ومواقع إخبارية موثوقة للتحقق من صحة الأخبار.

  • التحليل النقدي:

 بمعنى أن يقوم الفرد بتحليل المعلومات الواردة إليه بشكل نقدي ومنطقي، واستخدم العقل والمنطق لتقييم صحة الأدلة، والانتباه للتناقضات أو الثغرات في الشائعة، وعدم قبول أي معلومة دون التفكير النقدي لها.

  • توخي الحذر قبل مشاركة أي معلومة:

يجب على كل شخص التأكد من صحة المعلومة التي يقوم بمشاركتها أو الحديث عنها، والتفكير جيدًا في العواقب المحتملة لنشرها.

  • تجنب مصادر الأخبار المشبوهة: يجب أن يكون لدى الفرد وعي حول المصادر المشبوهة أو غير الموثوقة، وأن يتجنب مصادر الأخبار غير المعروفة أو المشكوك فيها، وبخاصة تلك التي تنفذ أجندات مشبوهة تخدم أغراض بعينها، بل على الإنسان أن يعمل عقله في تحديد المصادر ذات السمعة الجيدة التي تتسم بالدقة والموضوعية والحيادية في العرض والتحليل والتناول.
  • الإبلاغ عن الشائعات ومن يروّج لها:

يجب على الشخص عند قراءة معلومة أو خبر غير صحيح أن يقوم بإبلاغ المنصات المعنية أو الجهات ذات العلاقة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف انتشار تلك الشائعات وضبط مروجيها.

  • التوعية الرقمية:

يجب تعزيز الوعي الرقمي من خلال تعلم الطرق والأدوات اللازمة للتعرف على الشائعات الإلكترونية ومواجهتها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال زيادة مهارات الفرد البحثية عبر الإنترنت والتحقق من صحة المعلومات.

  • تعزيز ثقافة القراءة الواعية:

من خلال تدريب الجمهور، وبخاصة الشباب على تنمية مهارة القراءة بوعي، وانتقاء الأخبار والمعلومات بشكل صحيح، وعدم التأثر بالعناوين الرنانة أو الصور المثيرة أو المانشيتات التي تهدف لجذب انتباه القراء، بغض النظر عن صحة ما فيها من معلومات.

  • تشديد إجراءات الرقابة على المحتوى الرقمي:

معلومٌ أن الفضاء الرقمي بات يشكل في عالمنا المعاصر مصدر العلوم والمعرفة لدى قطاعات كبيرة من أفراد المجتمع، مما يحتم تشديد الرقابة على المحتوى المنشور عبر تلك المنصات، حمايةً للأبناء والمجتمع بشكل عام من تشويش فكرهم وتسميم عقولهم وأفكارهم بأفكار ومعلومات مغلوطة تؤدي إلى كثير من الأضرار.

  • معاقبة مروجي المحتويات الضارة ومثيري الفتن:

من منطلق الإيمان بمقولة: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، ندعو لمعاقبة مروجي الشائعات ومستغلي التكنولوجيا الحديثة لتزييف وعي الشباب وتشويه صورة المجتمعات، ومثيري الفتن والقلاقل في المجتمعات، ممن ليس لهم همٌ سوى تحقيق مكاسب مادية، حتى وإن كان ذلك على حساب أمن المجتمع واستقراره، ولنا فيما شهده المجتمع المصري مؤخرًا من محاكمات بسبب نشر محتويات مرفوضة العبرةُ والمثل؛ حيث أسهم ذلك في تهذيب المحتوى المنشور – إلى حد كبير.

إن خطر الشائعات على مجتمعاتنا لا يقل عن خطر إعطاء دواء خاطئ لمريض يفضي به إلى الموت، ففي الحالتين المتضرر هو المجتمع، والخاسر هو الشعب، وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير والطفرة التي يشهدها العالم على هذا الصعيد، ينبغي التنبُّه إلى أن هذه الوسائل لها وجهها الحسن في تسريع وصول المعلومات والتغلب على العديد من المشكلات والعوائق، وفي الوقت ذاته لها وجهٌ قبيح يتمثَّل في إساءة استغلالها لخدمة أغراض خبيثة لا تسعى إلا إلى الخراب والدمار، وتحقيق مصالح شخصية، وتلبية ميول ورغبات مشبوهة.

 

            وحدة البحوث والدراسات

طباعة