دلالات مقتل "المهاجر" وإستراتيجية استهداف القادة

  • | الأحد, 16 يوليه, 2023
دلالات مقتل "المهاجر" وإستراتيجية استهداف القادة

 

أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) الأحد ٩ يوليو ٢٠٢٣م، في بيان لها مقتل القيادي الداعشي "أبو أسامة المهاجر" في غارة جوية شرقي سوريا، يوم الجمعة 7 يوليو ٢٠٢٣م، مؤكدةً عدم سقوط ضحايا في صفوف المدنيين.

وحول  شخصية الزعيم المقتول، لم يتضمن بيان القيادة المركزية أية معلوماتٍ حول هويته، أو أدواره داخل التنظيم. في حين نشرت وكالة "سكاي نيوز الإخبارية أن "أبا أسامة المهاجر" المعروف أيضًا بـ"أنس الشامي"، و"همام الشامي" يُعد من الكوادر الأمنية البارزة في تنظيم داعش الإرهابي. وقد شغل مناصب عديدة، ومهمة في التنظيم، من بينها "والي ولاية الخير"، وهي منطقة "دير الزور"، وكان من المكلفين بإعادة بناء شبكات داعش هناك. وأقام "المهاجر" في "إدلب" لفترة تقترب من العامين، وانتقل بعد ذلك إلى منطقة "بزاعة" قرب منطقة الباب السورية. ثم استُهدف بطائرة بدون طيار يوم 7 يوليو ٢٠٢٣م أثناء قيادته دراجة نارية، في عملية مماثلة لتصفية "ماهر العقال" عام ٢٠٢٢م. ولم تكن هذه العملية هي الأولى من نوعها، فقد شُنت عمليات أخرى استهدفت عددًا من قادة التنظيم على مدار السنوات الماضية.

ولهذا الموضوع عدة دلالات نلخصها على النحو الآتي:

أولًا: يُعد مقتل "أبي أسامة المهاجر" جزءًا من إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في استهداف قادة التنظيمات في العراق، وأفغانستان، والتي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" الابن، وتحديدًا عقب أحداث 11 سبتمبر ٢٠٠١م، عن طريق طائرات مسيرة بدون طيار، أو عمليات إنزال قوات خاصة، أو عمليات قصف جوي للمنطقة التي تم التأكد من وجود العنصر المستهدف فيها، وذلك بالتعاون مع عناصر محلية.

وقد نجحت هذه الإستراتيجية في تصفية عددٍ من قادة التنظيمات الإرهابية، ومن أشهرهم "أسامة بن لادن"، و"أبو بكر البغدادي"، و"أبو إبراهيم القرشي"، و"حمزة بن لادن"، و"حذيفة بن أبو بكر البغدادي"، و"أبو مصعب الزرقاوي"، و"أيمن الظواهري". وقد استمرت هذه الإستراتيجية أيضًا في عهد الرئيس "أوباما" الذي أعلن عن مقتل "ابن لادن"، وفي عهد الرئيس "ترامب" الذي أعلن عن مقتل "البغدادي"، ولا تزال العمليات مستمرة حتى الآن في عهد الرئيس "بايدن"، ويعتمد عليها التحالف الدولي لمحاربة داعش، والذي بدوره أعلن عن مقتل "الظواهري" و"أبي حمزة اليمني" و"ماهر العقال"، وتسمى هذه الإستراتيجية في أدبيات مكافحة التطرف الآن باسم "قطف الرؤوس".

ثانيًا: عجز تنظيم داعش الإرهابي عن حماية قياداته، وفشله في منظومة تأمينهم، والتي قلَّت كثيرًا عما كانت ذي قبل؛ حيث تظهر مجددًا حالة الاستنزاف التي تضرب قيادات التنظيم الإرهابي. فبالنظر إلى مقتل "البغدادي"، و"أبو إبراهيم القرشي"، نجد أنهما قُتلا من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عمليات إنزال في "سوريا" في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقًا، والتي تناصب داعش عداءً شديدًا، ودارت بينهما معارك دامية في مناطق مختلفة في الأراضي السورية، ووصل الأمر بأن هدد "أبو محمد الجولاني" زعيم النصرة بأنه لن يكتفي بحرب داعش في سوريا، بل سيسحقهم في عقر دارهم في العراق، وهو الأمر الذي كان يصعب توقعه، وكان جزءًا من إستراتيجية داعش في حماية قادته. هذا بالإضافة إلى عدم استخدام القادة المقتولين أجهزة الاتصال، وعدم ظهورهم في الإعلام، فـ"أبو بكر البغدادي" على سبيل المثال كان آخر قادة داعش المعروفين إعلاميًّا، أما خلفه "أبو إبراهيم القرشي" فلم يُعرف إلا بعد مرور أكثر من عام على توليه قيادة التنظيم، ولم يظهر في الإعلام ولو لمرة واحدة، أما "أبو الحسن الهاشمي القرشي" فلم يكن معروفًا حتى لأفراد التنظيم، ولم يُعرف إلا بعد مقتله في معركة مع فصائل متقاتلة في سوريا، وأعلن داعش عن مقتله.

ثالثًا: مع فقدان تنظيم داعش الإرهابي لعدد كبير من قياداته التاريخية، وقيادات الصف الأول، والقيادات العسكرية، والقيادات الإعلامية، فلا يزال التنظيم موجودًا، وينفذ عمليات إرهابية، والتي على الرغم من عدم قوتها، مقارنة بعملياته في عامي 2014م، و2015م، فإنها عمليات مؤثرة، وتبرهن على استمرار وجوده، وهو ما يطرح سؤالًا مفاده: ما مدى تأثير مقتل القادة، والزعماء على هذا التنظيم؟

ونقول في الإجابة على هذا السؤال: عند مقتل "أبي بكر البغدادي" ظن كثيرون أن التنظيم ستضعف قوته، كما حدث مع تنظيم القاعدة بعد مقتل "أسامة بن لادن"، وعدم قدرة "أيمن الظواهري" على سد فراغه في الوسط الإرهابي، نظرًا لضعف شخصيته، مقارنة بـ"ابن لادن" الذي كان يُعد زعيمًا روحيًّا لكافة التنظيمات، حتى التنظيمات التي انشقت عن القاعدة بسبب الظواهري. ثم ظهر بعد ذلك أن تنظيم داعش الإرهابي قد استفاد من هذه النقطة، ولم يسعَ إلى تصدير قادته للمشهد الإعلامي، حتى لا يرتبط بهم أعضاء التنظيم، وتنخفض روحهم المعنوية بعد مقتل أحدهم، ومن ثم صدَّر التنظيم صورة الدولة المزعومة، ولم يُصدِّر صورة الزعيم الملهم، ومن ثم ربط التنظيمُ أعضاءه بفكرة الدولة التي يريد تأسيسها، ولم يربطهم بكاريزما الزعيم، بل اعتبروا مقتل الزعيم نصرًا، ولم يسعوا إلى الأخذ بالثأر له، وهذا ما عُرف تاريخيًّا عن هذا التنظيم.

ويؤكد هذا عدم ظهور أي زعيم للتنظيم في الإعلام منذ مقتل "البغدادي" الذي ظهر مرة لإعلان دولته المزعومة في 2014م بعد خلافات كبيرة، ونقاشات داخل التنظيم، وكان الانقسام حول ظهوره واضحًا، ورفضه العديد من القادة التاريخيين، وعلى رأسهم "أبو محمد الفرقان" مؤسس الآلة الإعلامية لداعش، الذي قُتل عام 2016م. ثم ظهر "البغدادي" مرة أخرى بعد (٥) سنوات لإعلان انتهاء السيطرة المكانية لدولته. في حين لم يظهر "أبو إبراهيم القرشي" أبدًا، مثله مثل خلفه "أبي الحسن الهاشمي"، و"أبي الحسين الحسيني".

وختامًا: يتضح لنا مما سبق أن هذه العمليات تُعبِّر في مجملها عن تسارع وتيرة عمليات استهداف قادة الصف الأول للتنظيم الإرهابي من قبل قوات التحالف الدولي، وتراجع المنحنى الزمني الخاص بقيادتهم لداعش؛ مما يدل على حالة التراجع العام التي يعيشها التنظيم منذ هزيمته في آخر معاقله في "الباغوز" بسوريا عام 2019م، ثم اغتيال "أبو بكر البغدادي" في أكتوبر من العام نفسه، الأمر الذي أحدث هزات عنيفة داخل التنظيم، وساعد على انهيار إستراتيجية "أرض التمكين" التي تبناها التنظيم منذ بداية نشأته، وأجبرته على تبني إستراتيجية "إسقاط المدن"، واللجوء إلى العيش في الجبال، والبوادي، والقرى المهجورة، والمناطق الريفية، وتسريح عدد كبير من أفراده، والاحتفاظ بهم كعناصر لوجستية "خلايا نائمة" ينشطها التنظيم وقتما يشاء، لتنفيذ عمليات "استنزاف" ذات طابع فردي، تختلف عن عملياته التي كان يقوم بها في عامي 2014م و2015م.

وحدة رصد اللغة التركية

طباعة